على مشارف مرحلة الإستقرار والإعمار
حميد الموسوي
لاحظ
المراقبون السياسيون وعلى كافة المستويات في الداخل والخارج طغيان شعور
الارتياح بتحسن ملموس للأوضاع الأمنية الى الحد الذي لم يكن متوقعا قبل عام
على أقل تقدير وانعكاسات هذا التحسن ليس على المواطن الاعتيادي والذي هو
احوج ما يكون لهذا الاستقرار- بل على العملية السياسية الجديدة برمتها،
فإذا كان استقرار الأوضاع يمثل الهاجس الأخطر في حياة المواطن من حيث
ممارساته اليومية في الحقول المتنوعة لا سيما في العمل وكسب الرزق،
والدراسة، والتسوق وممارساته الدينية أو الرياضية أو الفنية وقبلها
اطمئنانه في سكنه وسلامة عياله وداره وممتلكاته، وعودة الحياة الطبيعية
بدءا من المحلة والمنطقة ومرورا بالمدينة وانتهاءا بالعراق بيته الكبير.
اذا كان استقرار الأوضاع الأمنية يمثل كل هذه الأمور في حياة الجماهير فإنه
يمثل التحدي الأكبر للعملية السياسية وهو الهم الأعظم لقادة هذه العملية
كونه رهان الأطراف المغرضة المتعددة التي حاولت وتحاول اجهاض هذه التجربة
وتخريب مرحلة التغيير وترك العراق في فوضى وخراب دائم لا تنتهي إلا بحرب
أهلية تأكل الأخضر واليابس ولا تبق ولا تذر. ولكل طرف من تلك الأطراف
أسبابه وأهدافه.
فقبل شهور كانت الاحصائيات المرعبة تترى، اليومية منها والاسبوعية والشهرية
والفصلية والسنوية، محملة بأرقام مخيفة تدخل الهلع في النفوس وتثير
الاكتئاب وتبعث اليأس والقنوط، فاحصائيات الداخلية والدفاع تتحدث عن مئات
السيارات المفخخة ومئات العبوات والأحزمة الناسفة وعشرات القذائف
والهاونات، وألوف الارهابيين بين قتيل وجريح وأسير من مختلف الجنسيات
والقارات. واحصائيات وزارة الصحة تنعى ألوف الشهداء ومئات الجرحى
والمعاقين، واحصائيات الطب العدلي تكشف عن مئات المغدورين مجهولي الهوية من
كافة مناطق ومحافظات العراق. واحصائيات وزارة الهجرة والمهجرين تلوح بأرقام
مليونية لعوائل عراقية هجرت قسرا في الداخل او هاجرت مرغمة الى دول الجوار.
ناهيك عن التصفيات المستمرة التي طالت النخب العلمية والسياسية والدينية
والصحفية والرياضية والفنية وبدون تمييز، هذا على الجانب الميداني،
وبالمقابل كانت العملية السياسية مشلولة المفاصل متلكئة في تنفيذ القرارات
متذبذبة المواقف، مشتتة الآراء والتوافقات ضعيفة الاداء سواءا على المستوى
المحلي او الخارجي. وازاء هذا الكم الهائل من التحديات والتداعيات والطعنات
المتتالية وقف الاعلام المغرض المأجور بوسائله المقروءة والمرئية والمسموعة
لاعبا دور المؤجج للفتن والمثير للنعرات الطائفية والعنصرية ساكبا الزيت
على النار بتلفيق وتضخيم الاحداث داعيا لقيام حرب أهلية بين العراقيين
وبأرخص وأرذل الأساليب، حتى تصور الناس في الداخل والخارج ان الحرب الأهلية
على الأبواب. وقد كان للخيرين من أبناء هذا الوطن الجريح وخاصة المرجعيات
الدينية في مختلف طوائف الشعب العراقي المتآخية وشيوخ عشائره الأصيلة
ووجهاء مكوناته العريقة كان لهم الدور الأكبر في درء أخطار تلك الفتنة
وقبرها في مهدها بما بذلوه من تقريب وجهات النظر والتنبيه لما يراد بهذا
الشعب الصابر من قبل الأطراف الخارجية، وكذلك بقيام مجالس الصحوة في اكثر
المحافظات والمناطق اشتعالا وخاصة محافظة الأنبار وديالى والموصل وصلاح
الدين، ومناطق الفضل وباب الشيخ وأبو سيفين والدورة واللطيفية والمحمودية
واليوسفية في بغداد.
كما كان لرجال الحرس الوطني والشرطة الوطنية وتفانيهم في تنفيذ خطة فرض
القانون دورا بارزا ونتائج ميدانية في دحر قوى الارهاب وتشتيت مجاميع تنظيم
القاعدة وقتل وطرد معظم قادتهم وتفكيك خلاياهم وذلك بعد انتقال قواتنا
الباسلة من حالة الدفاع وردات الفعل الى حالة المباغتة والهجوم فكان ان
طهرت اكثر المناطق من فلول تلك الزمر واعادت اليها الاستقرار وأرجعت
العوائل التي هجرت قسرا من تلك المناطق.
لقد صاحب هذا التطور الميداني حراك سياسي وتغير في مواقف بعض الكتل
السياسية باتجاه يصب في تدعيم العملية السياسية وكان الانفتاح على توثيق
العلاقات العراقية العربية مفتاحا لحلحلة بعض العقد وازاحة بعض المعوقات عن
طريق توثيق وتعزيز تلك العلاقات صاحبه تغير ملموس في مواقف أكثر تلك الدول.
وما مؤتمرات وزراء داخلية الجوار العراقي في الكويت، ومؤتمر اسطنبول
والزيارات المتبادلة بين المسؤولين العراقيين والأشقاء العرب والأصدقاء من
دول الجوار ودول العالم الكبرى إلا نتاج وثمار هذا الحراك السياسي المستمر.
لا شك ان المواطن العراقي وهو ينظر بعين الطمأنينة والارتياح لهذه
المتغيرات يطمع بالمزيد من التحولات على طريق الاعمار والاستثمار وايجاد
فرص العمل واعادة جميع المهجرين والمهاجرين من داخل وخارج الوطن الى
مساكنهم معززين مكرمين وذلك بعد تحقيق الأمن والاستقرار التام في ربوع
العراق الصابر.
|