المسألة الفكرية الفلسفية في الحركة الديمقراطية الأشورية    

 

 

 

 

 

 

                                                                                                                    هرمز طيرو

                      منذ أواسط القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين نهض الأنسان الكلدوأشوري السرياني وأخذ يطلق فكره حرا يستطلع فيه اسرار الحياة وذلك من أجل أن يحقق وجوده بعد أن مضت عليه قرونا طويلة وهو همل ذاته مقتصرا عطائه الثرفي الجانب الديني الروحاني اغيره ، لا يكاد يحس الوجود ولا الوجود يحسه ، لذلك تعددت نواحي النشاط وتنوع تفكيره ، وأخذ ينشد ويتعقب المعرفة ، لا من أجل المعرفة فقط بل من أجل الوجود والأحساس به ايضا . 

أن نهضة الأنسان الكلدوأشوري السرياني والتي يمكن أن نطلق عليها بالنهضة الفكرية لم تأت بحادثة مباغتة أو مفاجئة ، ولا جاءت عرضا بدون تمهيد ، بل أنها نتيجة طبيعية لثلاث حالات شهدتها أمتنا في تفاعلها مع الشعوب والأمم وهي :

اولا : بعث الروح القومية .

       أن النهضة القومية التي انطلقت من وعي كامل لأزمة الايديولوجيات ، ما هي في الحقيقة ألا ثورة جارفة عنيفة شملت جميع اركان أمتنا فبعثتها من جديد ، وقصدت الى تحرير الحياة مما اصابها من جمود ابعدتها عن اداء دورها التاريخي ، وذلك منذ سقوط نينوى في 612 ق . م . وبابل 537 ق . م . وحتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .

ولعل أول من حمل لواء هذه النهضة هم : نعوم فائق ، اشور خربوت ، فريدون اتورايا ، مارتوما اودو وأغا بطرس .. وغيرهم من رجال الفكر الذين جأءوا أحادا في سنين متعاقبة ودشنتها اللجنة الثقافية الأشورية التي أصدرت ( جريدة زهريرا دبهرا ومجلة كلكامش ) ابتداءا من عام 1849 ، فقد كانوا حقا طلائع لفكر قومي جديد ، بشروا أمتهم بقدومها ، مما عجل بظهور النهضة والوعي القوميين لدى أبناء شعبنا .

ثانيا : حركة الاصلاح الديني .

       ظهرت الحركات الاصلاح الديني في المجتمعات الاوربية بعد أن أينع العلم وازدهر ، فكانت اكبر عون للأنسان على ازاحة نير الفلسفات الطوباوية عن عاتقه وفكره ، وأتخذ العصر الجديد اساسا جديدا للبحث ودراسة الظواهر الطبيعية بالتجربة العلمية ، كل هذا ادى الى ابتعاد الفكر الأنساني من عالم الغيب الذي كان يحلق في سمائه الى هذا العالم المحسوس الواقعي الذي نلمسه بالأيدي ونراه بالأيعاز . وكان طبيعيا أن يتنازع البعض من المتخفين برداء الدين الذين يأمرون من يسمونهم افراد الرعية بالأستسلام لما هو مكتوب على جبينه ، والعلوم التي اصبحت لا تقنع ألا بالتجربة والبرهان . لكن هذا النزاع لم يدم طويلا في اوربا ، اذ اهتمت العلوم بالعالم المحسوس ، وتركت لرجال الدين البحث في اللاهوت والمسائل الروحية ، اما في مجتمعاتنا الكلدانية السريانية الأشورية فأن ظاهرة الاصلاح الديني بدأت خجولة ، لكنها بعد ذلك بدأت تأخذ منحى اكثر اتساعا منذ ثلاث او اربع عقود ، وهي في ذلك تساير في خطاها حركة التقدم العلمي وصولا بالناس الى التحرر من السلطة الزمنية لرجال الكنيسة والابقاء على احترامهم في مجالات اللاهوت والايمات ، وذلك من أجل أن يشعر الأنسان بالحرية واستقلاله في الرأي ، عندئذ لم تعد بالناس حاجة الى وساطة قسيس من أجل الحصول على الغفران او التوبة ، بعد أن ترجم الكتاب المقدس ( العهد القديم والعهد الجديد ) الى لغاتهم ، واستطاع الفلاح والعامل بل وحتى الأنسان العادي أن يقرأ هذا الكتاب وأن يفهمه ويستوعبه ويحتكم اليه .

ثالثا : نشأة الحركة الديمقراطية الأشورية .

       منذ البداية وفي كافة المحطات ، فأن للحركات التاريخية سواء كانت هذه الحركات تمردا ، كما هي حركة ( تمرد الشيطان ) في كتاب العهد القديم حسب التفسير اللأهوتي لهذه الحركة ، أو ثورة كما هي ( ثورة سبارتكوس ) ضمن التحليل المادي للتاريخ ، تولد وهي تحمل معها معاناة فكرية وأجتماعية وثقافية وأخلاقية ، تشتد وتمتد حسب التحديات الذاتية والموضوعية التي تواجهها ، وكذلك حسب ايقاع نضالها الذي يتمثل في ايجاد عامل الاتحاد بين الايقاع الذاتي والايقاع الموضوعي ، لأن في الحركات التاريخية يجب أن يتحد الزمن بالمكان والوجود بالحرية ، ويلتقي حدود الفكر بالأبداع ويستكمل الأنسان شروط تجدده وانسجامه مع هذه اللحظة التاريخية .

والحركة الديمقراطية الأشورية هي من هذا النوع من الحركات التاريخية التي تشكل الحالة الفكرية والفلسفية من اهم دعائمها النضالية ، فمسألة الفكر والفلسفة في الحركة الديمقراطية الأشورية لهما موقع متميز ، لأنهما يشكلان معيارا خاصا لتميزها عن التنظيمات السياسية التقليدية ، التي تنحصر مهماتها ونشاطها في اطار زمني ضيق أو محطات محدودة وتطورات وأحداث معينة، وتعبربعضها عن مصالح ومطامح شخصية أو مذهبية أو مناطقية .

وهكذا ، فأن الحركة الديمقراطية الأشورية بدأت منذ نشاتها في 12 / 04 / 1979 انطلاقة فكرية جديدة في الساحة القومية ، لأنها امتزجت بألام وهموم ومعاناة الشعب ، بألاضافة الى وعي الحركة لأزمة الافكار والمناهج والتطبيق عند الأخرين مع عجزهم في استيعاب المعنى الروحي للوحدة القومية  وعلاقة هذه الوحدة بالوجود القومي ، لذا نرى أن الحركة الديمقراطية الأشورية لا تأبه بتفسير الكلاسيكي للوحدة القومية والوجود القومي ، وأنما تهتم بفهم الوحدة والوجود لغرض معرفة القوانين والمعطيات التي يخضع لها تطور الوجود لتغير محرك الوحدة وفقا للايقاع النضالي لعموم المرحلة التاريخية .

وعلى هذا الاساس يمكننا أن نوجز في النقاط التالية ، مكانة المسألة الفكرية والفلسفية في الحركة الديمقراطية الأشورية ، وذلك من خلال ما تطرحه هاتين المسألتين من قضايا رئسية وكما يلي :

1 - مسألة الوعي والتحصين الفكري امام عمليات التشرذم والتشت والضياع والتشويه وكذلكمد أيادي خارجية في أمورنا الداخلية .

2 - مسألة فهم حركة التطور السياسي والأجتماعي والثقافي ، ووعي في فهم العلاقة عندما يتحد الزمن بالعمل وتتواصل ابعاده سواء التاريخية منها أو الحضارية ، وذلك من أجل استكمال شروط تجدده وتطابقه مع حركة التاريخ .

3 – مسألة استيعاب ابعاد الوحدة القومية والموقع التي تمثله نظرية الحركة الديمقراطية الأشورية بين النظريات المتداولة في وقتنا الراهن .

4 – مسألة البعد الثقافي والأجتماعي والاخلاقي للفكر .

5 – مسألة السياق التاريخي لفكر الحركة الديمقراطية الأشورية من الناحية الحضارية والثقافية وتعامله مع هذه المعادلة الفكرية والفلسفية ضمن ارساء دعائم نظرية الوحدة .

6 – الرؤى الفكرية الجديدة للحركة الديمقراطية الأشورية في الوحدة القومية – الثقافة – الحضارة – الحداثة - الدين – الوطن .

7 – المسألة الفلسفية لنظرية الحركة التي تشكل اساسا فكريا وخلقيا لقيامها وأداء مهماتها التاريخية ، لذلك فأننا نلاحظ في نصوص أو الأصطلاحات الثلاثة التي اعتمدت عليها فلسفة الحركة الديمقراطية الأشورية ( الخبرة المجردة ) دروسا بليغه ومكثفة لأجوبة جديدة على الاسئلة التي تطرحها الطبيعة وعلومها ، من أجل الوصول الى لفت عقل الأنسان الكلدوأشوري السرياني وتحريره من الخوف من الافكار الطوباوية المقيتة ، بالأضافة الى اغراض اخرى منها حق تقرير الأنسان في الحكم على الأشياء ، فأن من حق كل فرد أن يبحث وينتقد ما يشاء غير مقيد في ذلك بأية سلطة خارجة، وهذا يعني أن المسألة الفكرية والفلسفية في الحركة الديمقراطية الأشورية قررت أن يكون لعقل الفرد القول والفعل ، وعلىهذا الأساس قامت فلسفة الحركة في ( الخبرة المجردة ) على ( الجوهر والفكر والخبرة ) لأن هذه الاصطلاحات الثلاثة قسمت الكون الى قسمين وكما مبين ادناه :

اولا : الجوهر أو الحقيقة الشاملة ، فليس المقصود بكلمة الجوهر حسب المفهوم المباشر لها ، كقولنا أن الحديد مادة هذه القطار ، لكنه يقصد بها الحقيقة الكائنة خلف الصورة .

ثانيا : الخبرة ، وهي من انتاج الطبيعة ، أو احد مظاهر القانونية للطبيعة .

وهكذا نرى أن التصور الفلسفي للحركة الديمقراطية الأشورية في جعل ( الجوهر ) وهو الحقيقة الأساسية الثابته و( الطبيعة ) في مرتبة واحدة ، هو نتيجة ادراك وفهم اسباب وقوانين التي يتكون منها الكون . عليه فمن الخطأ الجسيم أن يقول قائل بأن في فلسفة " الخبرة المجردة " تبيان بأن الجوهر والطبيعة شيء واحد ، والقائلون بذلك ناتج عن تصور خاطىء في فهم عالم الحقيقة الواحدة ، والتي تقتصر في أن أوامر الجوهر الخالدة وقوانين الطبيعة الثابتة شيء واحد ، وهذا ليس تصغير من شأن الجوهر لكي ينزل الى مرتبة الطبيعة ، بل هو رفع من شأن الطبيعة الىمستوى الجوهر ، وذلك لأن ارادة الجوهر وقوانين الطبيعة اسمان لمسمى واحد ، فكل حدث يقع في أي مكان ما هو الا نتيجة ألية لقوانين الطبيعة الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل ، وهكذا هو الحال ايضا بالنسبة الى ارادة الجوهر .

من هنا نستنتج ، بأنه من الخطأ أن يظن الأنسان في أن حوادث العالم تدور حول محور الأنسان ، أو أن حوادث العالم تسير وفق المقاييس البشرية ، فهذا جهل بنظام الطبيعة وقانونها الشامل ، ومن هذا التصور الخاطىء نشأت مسألة الخير والشر ، ناسين أن الجوهر والطبيعة هما فوق الخير والشر ، لأن الأنسان يحكم على حوادث العالم بالخير عندما يتبع هذا الحادث غرضه وشعوره وذوقه اما العكس فيحكم عليه بالشر ، فالخير والشر هما في الحقيقة كلمتان لا تدلان على شيء ايجابي أو سلبي ، بل هما اراء شخصية تتغيربتغير الأشياء ، وهذه الأشياء لا تتغير حسب احكام الأنسان على الكون أو تجيء وفق ما يبغى ، لأنه عندما يحكم الأنسان على اي ظاهرة بالشر ، فهي في الحقيقة ليست بالشر حسب قانون الطبيعة ونظامها ، بل هي نتيجة ألية لقوانين الطبيعة الثابتة .

اذن ، فأن ارادة الجوهر الخالدة وسير قوانين الطبيعة الثابتة هما شيء واحد ، لأن كل الأشياء تنشأ وتتفاعل من طبيعة هذين المصطلحين اللانهائية .

8 – المسألة الجمالية عند الحركة الديمقراطية الأشورية : تتوقف هذه المسألة على الاستيتيكا ، أي على فلسفة وعلم الجمال ، حيث يلعب هنا التمييز بين الجمال الطبيعي والجمال الفني دورا اساسيا في البحث عن الموجودات كأشياء طبيعية ، وبين الموجودات كأشياء فنية .

ففي الحالة الاولى وكما هي في فلسفة " الخبرة المجردة " فالموجودات تعني الطبيعة ، اما الحالة الثانية فأن الأشياء الفنية تأتي انعكاسا للطبيعة ، اي أن اعظم فضل للفن هو الاقتراب في ابداعاته من الجمال الطبيعي ، ولكن في وسعنا أن نؤكد هنا أن الجمال الفني الذي هو من نتاج " الجوهر " ليس اسمى من الجمال الطبيعي الذي هو الأخر من نتاج " الطبيعة " لأن الجوهر وأرادته ، والطبيعة وقوانينها في فلسفة الحركة الديمقراطية الأشورية شيء واحد .

من هنا يمكن أن نقول ، أن المسألة الفكرية والفلسفية قد شكلت في الحركة الديمقراطية الأشورية جوهره المتميز الأصيل ، لأنه استبق به المرحلة واستوعب طبيعة المهمة التاريخية ، ولم تكن عنده هذه المرحلة ( الفكرية والفلسفية ) مجرد انضاج لتصور حضاري علمي للمرحلة التاريخية الراهنة ، بل هي ولادة جديدة لأمتنا الكلدوأشورية السريانية ، بعد أن استوعبت هذه الامة لمعالم التطور الحضاري وكيفية الأجابة على الاسئلة التي تطرحها ( اللحظة التاريخية ) والأستعداد لتحمل مسؤليات ومتطلبات هذه اللحظة .

 

 

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links