سياسة مشبوهة وازدواجية مقيتة!!
شليمون داود اوراهم
في زمن النظام الدكتاتوري السابق، ومع تصاعد جرائمه
بحق أبناء الشعب العراقي بكل مكوناته.. ابتداءً من مطلع السبعينات ومن ثم
الإعدامات السياسية عام 1979 وتواصلها لاحقا، مرورا بالحرب الكارثية
البائسة مع إيران وما رافقها من تجييش الشعب، والتي انتهت بنفس الوضع الذي
ابتدأت فيه بعد ثمان سنوات دموية خلفت الملايين من الضحايا من شهداء وجرحى
ومعاقين ومفقودين دونما جدوى، وانتهاءً بكارثة ومأساة احتلال الكويت عام
1990 والحرب الدولية التي تسبب بها هذا الاحتلال ولم يدفع ثمنها غير الشعب
العراقي، ومن ثم تواصل المعاناة مع سنوات الحصار العجاف واستمرار القمع
والترهيب وقطع اللسان وجَذع الأذن و.. و.. و.. حتى السقوط الدراماتيكي عام
2003 وبما كان قد جعل العراق خلال هذه الحقبة.. أفضل إنموذج لتجسيد المقولة
المعروفة (الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود).
وأمام هذا الوضع البائس الذي يتنافى مع كل مباديء كرامة وحقوق
الإنسان..سواءً تلك التي تم إقرارها أو التي لم يتم إقرارها بعد، فقد كان
كل مواطن عراقي يحاول الحفاظ على حياته ومستقبل عائلته من خلال الهرب أو
السفر والمغادرة إلى البلدان الأخرى الإقليمية أو البعيدة خلف البحار..
وإذا به يصطدم برفض السفارات منحه تأشيرة الدخول، وذلك لأنه عراقي.. بمعنى
أنه قد يكون إرهابي أو مشتبه به أو خطر على أمن هذه الدولة وعلى السلام
والاستقرار في العالم.. وكانعكاس ظالم لصورة النظام الحاكم على المواطن
الفرد!!.
واليوم.. وبعد إسقاط النظام الدكتاتوري الذي كان المجتمع
الدولي يصفه بالإرهابي الذي يشكل خطرا على السلم العالمي.. فيخشى بالتالي
أن يكون كل أبناء العراق مشتبه بهم لأنهم قد يكونوا من أعوانه وأدواته.
اليوم وقد تم القضاء على هذا النظام.. والتحول، كما يُفترض،
إلى الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والفكر والضمير،
والتداول السلمي للسُلْطة.. بضم الميم وسكون اللام " لكي لا تُقرأ بفتح
الميم واللام".
نجد أن نفس هذا المجتمع الدولي.. وهذه الدول، الديمقراطية جدا
والمؤمنة بحقوق الحيوان قبل الإنسان، والتي كانت تضع خطا أحمرا على العراقي
الراغب بالسفر أو اللجوء إليها في ذلك العهد.. وإذا بها تتسابق، واستغلالا
لأية أزمة، في إعلان استعدادها لمنح كذا مائة من العراقيين أو كذا ألف
منهم.. اللجوء السياسي فيها أو نقلهم من العراق وتوطينهم في بلدانها مع ما
قد يرافق هذه الوعود من تمنيات لمتلقيها أن يتم توفير شقق فخمة لهم في أحد
طوابق برج إيفل أو بجوار ملعب أرينا الدولي الخاص بنادي بايرن ميونخ.. أو
ربما في المباني الملحقة بالبيض الأبغض (ليس خطأً مطبعياً) أو بجوار مبنى
الأوبرا الشهير في سدني.. وربما أيضا في كندا التي لا أعرف معلما يرمز
إليها لكي أشير إليه مجازا وتلميحا كما مع التي قبلها!!!!.
عندما كان الداخل إلى العراق مفقود والخارج منه مولود.. لم
تتحرك المجتمع الدولي وهذه الدول والحكومات لنجدة أبنائه واستقبالهم على
الأقل لأسباب إنسانية.. إنما العكس أللهم إلا ما ندر، إذا قاموا بإغلاق كل
الأبواب في وجهه ليواجه مصيره المحتوم غير مأسوفٍ عليه.
واليوم.. وفي ظل الواقع الجديد في العراق.. والذي أسهمت نفس
هذه الدول في تحقيقه.. حيث زوال الدكتاتورية والقمع، وانقشاع الغيمة.. على
أساس الانتقال إلى الحرية والديمقراطية والعيش الرغيد.. فقد صارت حكومات
هذه البلدان تفتح أبوابها للعراقيين على مصراعيها في أية فرصة سانحة.. وذلك
بحجة الظروف الأمنية والتحديات والمخاطر والأسباب الإنسانية التي أشك كثيرا
في كونها إنسانية إنما لأغراض وأجندات أخرى، إذا لا أفهم لماذا لا يسعى
هؤلاء الكرماء للتوقف عند هذه الظروف والتحديات والأسباب الإنسانية
ومعالجتها على أرض العراق نفسه، والذي نقلوه من الدكتاتورية والقمع إلى
الديمقراطية والحرية!!!، بدلا من تقديمها للعراقي بعيدا عن وطنه وأرضه
وممتلكاته وأهله وناسه وجذوره وتاريخه، حيث التشتت والضياع وشظف العيش
المضاف إلى الغربة!!.
فأية سياسة مشبوهة هذه وأية ازدواجية مقيتة!!.. يمكن لها أن
تمثل على المكون المسيحي من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في
العراق خطرا قد يوازي خطر الإرهاب والتهديد بالقتل والتهجير.. ما يؤدي إلى
نفس النتيجة المريرة المتمثلة بإفراغ العراق من هذا المكون الأصيل!!!.
|