المسيحيون في العراق الجديد والضيافة
شكري عيسى بارنجايا
كل
شىء حدث بعد السقوط .سقوط النظام السابق واحتلال البلد من قبل امريكا
وحلفاؤها في نيسان 2003 . ابشروا ايها العرب اعني عرب العراق واسفا
اقول ياشيعة العرب ويا سنة العرب في العراق . ابشروا ايها الاكراد
والتركمان والصابئة واليزيدية باقة العراق الزاهية في فسيفساء بهي
منذ الاف السنين وليس بعد السقوط .
واخيرا ابشروا ايها
المسيحيون وعذرا اقول ايها السريان والكلدان والاشوريين فنحن شعب واحد
.ابشروا جميعا يا شعب العراق فقد جاءكم الغيث هبة من السماء .
جاءكم العهد الجديد ـ عهد الديمقراطية حيث ولى زمن الانقلابات
العسكرية وجاء زمن تداول السلطة سلميا وشرع قانون للانتخابات والتي
ستكون نزيهة وعامة الناس سيشارك فيها دون استثناء وحتى الذين في
الخارج.
جاءكم الغيث من حيث
لا تدرون وكنتم غافلين عن محاسنها وطيباتها .لذلك انتشرت وسائل
الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة وراجت الفضائيات العراقية طولا
وعرضا وتوزع الصحفيون والاعلاميون في ارجاء البلد بكل حرية وبلا
قيود وكفلت القوانين والدستور الجديد حرية الصافة والصحفيين وحرية
الفرد والمعتقد والرأي واستقلال القضاء ولنا مجلس نسميه البرلمان
وسلطة تنفيذية وهيئة رئاسة ؟ الم يكن هذا ما ننشده من التغيير
الذي حصل في بلدنا
ومن كافة مكوناته . ولكن يحق لنا ان نتسائل وما الذي حدث فعلا بعد
التغيير : فعلى الصعيد الوطني اضطربت الامور بشكل مفاجىء وظهرت على
الساحة موجة اغتيالات كبيرة لنخبة الطيارين ومن ثم الاطباء المشهورين
بباعهم الطويل في مجال الطب والاختصاص والعلماء المفكرين والعقول في
كافة المجالات الحيوية للبلد من مهندسين واقتصاديين وخبراء في مجال النفط
والتصنيع والاعمار ومن ثم هروب بقية العقول من الوطن .
ثم زادت حدتها لتطول
بتصفيات لبعض المسؤولين وقادة الحكم والضباط السابقين والحاليين ومنذ
2005 وحتى الان وبعدها ابهرنا الاحتلال ودول الجوار بتحفة جميلة
وبالجملة من الانفجارات الكبيرة هزت الوزارات ومؤسسات الدولة تلتها
موجة عنف اشد ضراوة حيث الانفجارات دارت برحاها تجمعات المواطنين
الابرياء واستهداف اماكن العبادة من الجوامع والمساجد والاديرة
والكنائس المسيحية واغتيالات لرجال الدين مسيحيين ومسلمين . ثم تطورت
تحفة اعداء العراق وشعبه بنوع من العبوات الناسفة توضع بكل سهولة
تحت العجلات وسيارات المسؤولين ومن ثم اغتيالات لافراد الشرطة
والجيش ورجالات الصحوة وتطورت هذه التحفة بالمسدسات الكاتمة الصوت
لتغتال من تشاء دون رقيب في كل الانحاء وانتشرت ظاهرة الاختطاف
والقتل والسرقة والاغتصاب والجثث المغدور بها والمقطوعة الرأس
والموضوعة في المزابل وعلى الطرق في المدن واكثرها يحدث في عاصمة
السلام عاصمة الرشيد وعاصمة حضارات الدنيا . اليس كل هذا من
انجازات المرحلة الجديدة من الديمقراطية والحرية المنشودة بعد
مرحلة المقابر الجماعية التي اكتشفت وما تزال وضحاياها كانوا
من عامة الناس ومن الاخوة الكرد .
واختلط علينا الامر
اخيرا فلم نعد نميز بين ارهاب دولة والاحتلال وارهاب دول الجوار
وبين ارهاب القاعدة والتنظيمات الاصولية والمقاومة لوجود المحتل او
ارهاب العصابات السائبة والميليشيات الظاهرة والمخفية . فقد عم
عراقنا اللبس العسكري بعدة اشكال والوان بحيث عدنا لا نعرف من هو
الشرطي ومن هو العسكري ورجل الامن والاستخباري والمخابراتي ومرافق
المسؤول وحارس منشاءة او الصحوة وحارس بيت عبادة .
جائنا الغيث بوجه
الديمقراطية البشعة في بلدنا والتي ليست كالتي في البلدان الديمقراطية
فعلا . فأذا كانت هذه ديمقراطية حقا كما يدعون فلماذا كل هذه
الاعمال الارهابية التي لا يسلم منها الشعب العراقي المسكين
والمظلوم . لماذا كل هذا القتل لناس يعبدون الله في جامع او كنيسة
ولما كل هذه المليشيات في الداخل وتلك المرتبطة بدول الجوار .
نعم ايها الشعب المغلوب على امره قد جاءكم الغيث نعما فها هم
المسؤولين يصرحون ومن دون خجل من على شاشات التلفزة الكثيرة
من انهم القوا القبض على كذا مجموعة وخلية وعصابة مجرمة او
ارهابية او قتلة او غيرها وقد احيلوا للقضاء والقانون لينالوا
جزاؤهم العادل ولا يمر يوم دون تكرار هذه التصريحات بحيث قد يتصور
المرء ان العراقيين جميعم قد تحولوا لممارسة مثل هذه الافعال
الدنيئة لا سمح الله . وامتلأت سجون العراق بحيث وجب التوسع في
بناء هذه السجون والمعتقلات وكذلك ما نسمع من انتهاكات لحقوق
الانسان والجرائم والتعذيب الحاصل في مثل هكذا اماكن . ويصرحون ليلا
نهار بان الشرطة والجيش ممسكان بزمام الامور والاحوال ونحن لسنا
في حاجة للاخرين في حماية سماء وارض العراق هذا ما نسمعه من
تصريحات تلو تصريحات من ان الدولة قادرة على سحق الارها ب
وتنظيم القاعدة وبعد هذه كلها تتم موجة من التفجيرات العنيفة
مباشرة . وابشروا ايها المسيحيون يا من كنتم اصل العراق وحضارته
فقد تعهد ووعد ولا زال مسؤولي وحكام العراق الجديد يتوعدون لكم
مرارا وتكرارا من انهم س سيحمونكم من كل شر وقد اتخذت كل الاجراأت
اللازمة لذلك . وسوف لن تتكرر ماساة صوريا الذبيحة 1969 ومذابح سميل
1933 وكارثة سيدة النجاة في الكرادة والتي هزت الابدان قبل البصائر لشدة
هولها وقساوتها . فمن المسؤول أهو النظام الجديد ام الاحتلال ام
الارهابيين . والذي يؤسف له تكرار المسؤولين على المنابر من ان
المسيحيين هم باقة ورد جميلة لا بد من وجودها في حديقة العراق
ولكن بمنية عليهم او لكي تكون متواجدة في حدائق بعضهم لتذبح
وتقتل وتهان او تغتصب وقت الحاجة اليها . ولكن نحن نرفض ان
نكون مثل باقة الورد تلك لاى كان بعد الان . ابشروا ايها
المسيحيون كلدانا كنتم ام سريانا ام اشوريين فقد تعهد لكم
الجميع في الاعلام والصحف والمنابر الخطابية من انكم ستكونوا
في حماية دولة القانون والمساواة والنظام وستنالون حقوقكم فلا
تهاجروا فهذا وطنكم وانتم اهل البلاد الاصلاء وشدة الورد الجميلة
التي سالت دماؤها وفاحت بعطرها امام انظار الجميع . نعم نحن ملح
هذه الارض وبدوننا لا يطيب لاحد خاطر او ضمير والجميع يعلم
علم اليقين من ان المسيحيين كانوا بناة العراق القدامى وبناة
حضاراته الانسانية من بابلية واشورية وحتى سقوط نينوى عام 612 قبل
الميلاد على يد الفرس .
وايضا يعلم الجميع من
ان البحر والرياح لم تأتي بنا الى هذا البلد . ونحن كنا سادته
وسكانه الاصليين منذ زمن ابراهيم الخليل ابو الانبياء عليه السلام
حيث زقورة اور الكلدانيين في جنوب العراق والى عهد بابل واشور
حيث امن الملك الاشوري وشعب نينوى برسالة يونس النبي (يونان)
والمعروف عنها بباعوث نينوى او صوم نينوى بحسب الطقس الكنسى والذى
ما يزال يمارس في كنائس كافة طوائف شعبنا الكلداني السرياني الاشوري
ويلتزم بها المسيحيين والمسلمين في مناطق نينوى بالخصوص بالصوم
ثلاثة ايام بلياليها كما فعلها الشعب الاشوري في الزمن القديم .
وحتى اعتناق ابناء الرافدين لرسالة المسيح على ايدي تلاميذه
وانتشار المسيحية في كافة ربوع العراق ومنها الى بلاد فارس وحتى
افغانستان والهند والملبار . كان هذا الشعب متواجدا يملك الارض
ويحرثها ويقدم للاخرين من خيراتها وعلومها وعمرانها.
ويتقدم بكل مجالات
الحياة وحتى بعد مجىء الاسلام والدولة العباسية وحتى يومنا هذا
. فلماذا يمن البعض علينا بالحماية والتواجد والحقوق . والشعب
العراقي بعربه وكرده والاخرين ومنهم شعبنا دافعوا عن تربة الوطن
في وجه الاعداء والغازين لحدوده وقدموا الاف الشهداء قربانا من
اجل هذا العراق كما نراه اليوم .
واما من يرى نفسه
ومن حوله وقد احاطت به الامتيازات والدرجات والاموال فليتذكر من
ان الفضل لا يعود اليه انما يعود للامريكان الذين جاؤوا
واحتلوا البلاد واسقطوا نظامه بالجبروت المعهود . وكلكم تنعمون من
خيراته ولا فضل هنا لاحد على الاخرين. فاما ان نكون مواطنين من
درجة واحدة والا نحن جميعا ودون استثناء سنفقد الوطن والمواطنة بالانقسامات
والانسلاخات التي ستطفح على السطح لان كرسي السلطان لا يدوم
ويقول المثل لودام لك الكرسى لما وصل اليك .
اما عن ارهاب شعبنا
فانه ولو كان بهذه الدرجة من الوحشية والظلامية ولم يشهد تاريخنا
الحديث مثل هذه الهمجية والوحشية فاننا باقون في هذا الوطن لانه
وطننا من اول نطفة حيث وجدت البشرية. ونحمل الدولة بمؤسساتها
الامنية والاحتلال والارهابيين القتلة من غير العراقيين الذين
تشربوا على القتل والاعتداء وسفك الدماء بعد ان غسلت ادمغتهم
بالافكار الشاذة والشعوذة . وسوف لن يبرئهم التاريخ والانسانية
والقانون الدولي بما اقترفت اياديهم من جرائم بحق الابرياء وان
الذى حدث للمسيحيين اليوم سيطال الاخرين بارهاب اشد واعتى وهذا
الارهاب سيطول الاخرين في دول الجوار لا محالة وما نتمناه من
تقدم وازدهار وسلام لعراقنا اليوم نتمناه لجيراننا ولكن بمثل ما
فعلوا بالعراق سيفعل بهم غدا .. واخيرا نوجه ندائنا لاحزابنا
السياسية ومنظمات شعبنا في الداخل والخارج برص الصف والانقياد لرغبات
ومصالح شعبهم وبذل كل الجهود من خلال مشاركتهم في السلطة والبرلمان والعمل
بروحية التفاني من اجل تعزيز وجود شعبنا في بلدهم الاصل وما يترتب
على ذلك من حقوق على الارض وكان مؤتمر عنكاوة في اربيل مؤخرا
لاحزابنا يمثل الطموح الادنى لرغبات وامنيات شعبنا في البقاء في الوطن
الام والحد من ظاهرة الهجرة القاسية عليه ونناشد رجالات الكنيسة ان
تؤازر احزابنا وتوحد خطابهم السياسي من اجل الحفاظ على ما يمكن
الحفاظ عليه من الوجود ونشر رسالة السلام والمحبة وهو ما نأمله اولا
واخيرا . اما ما حدث لمواطنينا الابرياء في كنيسة سيدة النجاة
فنقول لهم انكم كنتم وسوف تبقون في القلوب احياء وأضفتم ماثرة
اخرى الى مأثر شعبنا وتكللتم مع شهداء صوريا وسميل وماردين وحكاري
وغيرها الكثير بالمجد والخلود مع رب الوجود والانسانية اله المحبة
والرحمة والسلام ابدا فلكم منا جميعا انبل المشاعر والحب والدمعة
والتحية .
|