نحو عالم متحضر متعدد الاقطاب
حميد الموسوي
يبدو
ان قيادة الولايات المتحدة الاميركية للعالم واحتفاظها بلقب "القطب الاوحد"
لن تستمر طويلاً، فهذا التفرد بالقطبية الذي احدث تخلخلاً في موازين
السياسة العالمية واربك القرارات الاهم في المنظمة الدولية وهيآتها
المتشعبة، وتدخل بشكل مباشر في قرارات مجلس الامن وعرقل صدور بعضها وغيرّ
صيغ البعض الآخر وتمادى بسياسة الكيل بمكيالين خاصة حين يتعلق الامر
بالصراع العربي-الاسرائيلي او بملف المفاعل الايراني والمفاعل الكوري. بل
بكل ما يتقاطع مع السياسة الاميركية او يهدد مصالحها، هذا التفرد الذي
استفحل نتيجة الانهيار المفاجىء للاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي
بدأ يضعف ويهتز اثر ظهور المزيد من التحديات والمتمثلة بنشوء الاتحاد
الاوربي، وانعتاق اكثر دول اميركا الجنوبية من هيمنة الولايات المتحدة،
وتصلب المواقف الايرانية والروسية وغيرها.
فالاتحاد الاوربي صار
له نفوذ واسع وتمدد ملحوظ على الرقعة الجغرافية للعالم واخذ يسهم بشكل فاعل
في حل الازمات والنزاعات في العالم ويدعم الدول الفقيرة ويشارك في النشاطات
الانسانية والاقتصادية والثقافية وفق سياسة متوازنة بعيدة عن التغطرس
والهيمنة.
اما دول اميركا
الجنوبية فقد وصلت بها الحال الى طرد سفراء الولايات المتحدة وقطع كافة
علاقاتها معها بعدما تأزمت تلك العلاقات وخاصة مع فنزويلا وبوليفيا وبيرو.
كما ان الموقف الايراني
لا يزال ثابتاً وخاصة فيما يتعلق بالمفاعل النووي برغم كل اساليب الولايات
المتحدة في الترغيب والترهيب وبرغم ما قدمته من حوافز واطلقته من تهديدات
خوفاً من تنامي الدور الايراني في المنطقة.
على ان التطور في
الموقف الروسي يبدو الاهم والاقدر على اعادة التوازن لطرفي معادلة السياسة
العالمية، فقد انتفضت روسيا حيال التدخلات الاميركية في جورجيا واحتلتها
بيوم واحد ومنعتها من قمع استقلال اقليمي اوسيتيا وابخازيا واعترفت
باستقلالهما رسمياً ولم تنسحب من جورجيا الا بعد اكمال مهمتها، وانطلق
الاسطول الروسي يجوب شواطىء البحر الكاريبي بتحد واضح فيما اعلن الرئيس
الروسي على الملأ ان روسيا مستعدة لاعادة الحرب الباردة ان اختارت الولايات
المتحدة ذلك، وقد سارعت فنزويلا بتقديم طلب الى روسيا مرحبة بأقامة قواعد
دائمة لها على الاراضي الفنزويلية وقد بدأت روسيا مجدداً باجراء تجارب
مكثفة على صاروخ عابر للقارات يحمل رؤوساً نووية يطلق من الغواصات.
لا شك ان القرارات
الخاطئة وسياسة الكيل بمكالين التي درجت عليها الولايات المتحدة وميلها
للهيمنة والتسلط على العالم جعل الشعوب والانظمة تتململ وتتذمر متطلعة الى
عالم ثنائي القطبية او باقطاب متعددة.
كان الاولى بالشعوب
الاميركية- وهي تبلغ هذا المستوى من الرقي الحضاري والازدهار الاقتصادي،
والتطور العلمي والثقافي وفي كل مجالات الحياة وتهيمن على العالم كأعظم قوة
ضاربة- كان الاولى بهذا الشعب المتحضر توجيه سياسات حكامه- بما يمتلكه من
حرية ووعي- نحو الخير وصلاح الانسانية وبناء المجتمعات مستثمراً كل هذه
الطاقات والمعوقات والمقومات ومستفيداً من تجارب القرون الماضية التي لم
تجلب سوى الدمار والخراب والحروب والفقر والمرض على العالم باسره، وبذلك
وحده يحصل الشعب الاميركي على احترام وتقدير ومحبة شعوب الارض وتستحق
الولايات المتحدة سيادة العالم وفق سياسة الاحترام المتبادل والمصالح
المشتركة. اما سياسة الكيل بمكالين وتبني المواقف المتناقضة فلن يجر على
حكومات الولايات المتحدة غير العداوة والبغضاء ولن يجلب للشعب الاميركي غير
النفور والازدراء من كل شعوب الارض. فشعارات الديمقراطية والحرية وحقوق
الانسان، وجمعيات الرأفة بالحيوان تفقد كل وجودها وتتهافت متحولة الى
عبارات يتندر بها الناس ويسخرون من دعاتها حين يرونهم يقتصرونها على
مواطنيهم ويستخفون بالشعوب الاخرى ويملون قراراتهم الظالمة الجائرة عليها
او يشنون عليها حروباً تخرب عمرانها وبناها التحتية وتهدد ثرواتها.
لاشك ان هذه السياسات
المتناقضة اساءت للشعب الاميركي وعرضته وجالياته وسفاراته وسياحه في اكثر
الدول الى الاستهداف من قبل الجماعات المتطرفة -مع شجبنا ورفضنا لمثل هذه
السلوكيات- وحادثة 21 ايلول 2001 وما جرى ويجري من استهداف السفارات
الاميركية ورعاياه خير دليل.
ناهيك عن فقدان الثقة
والتعامل بحذر مع الحكومات الاميركية الجمهورية والديمقراطية على حد سواء
من قبل كل حكومات وشعوب العالم.
|