الأبعاد الستراتيجية والافاق المستقبلية

 في مبادرة العاهل السعودي

 

                                                             خوشابا سولاقا

               من المعروف لجميع المتتبعين للسياسة والدبلوماسية السعودية منذ مدة طويلة فيما يخص جميع القضايا والأحداث الدولية والاقليمية والعربية سيجدون أن القادة والمسؤولين السعوديين المعنيين بأدارة السياسة الخارجية للمملكة لايصرحون ولايبادرون ولايقدمون للقيام بعمل ما على أي مستوى كان إلا بعد التروي والتأني والتفكير ملياً بالأمر والتأكد من جدوى ما يقدمون عليه من تحرك دبلوماسي وهذا الاسلوب هو عين العقل والصواب في ممارسة فن السياسة، وتاريخ الدبلوماسية السعودية زاخر وحافل بمثل هذه السلوكيات الرصينة والمدروسة أي أسلوب الدبلوماسية الهادئة الرصينة والمبنية على أرضية صُلبة من الوقائع الموضوعية التي تؤمن وتكفل لها النجاح في مسعاها.

بأعتقادي هذا ما هو معروف وثابت في الدبلوماسية السعودية في تاريخ المملكة الحديث منذ عقود من الزمان ومنذ عهد الراحل رحمه الله الملك فيصل بن عبد العزيز الى يومنا هذا. وإنطلاقا من هذا الفهم وهذه الرؤية لواقع ومسارات الدبلوماسية السعودية، فأن المسؤولين السعودين عندما يبادرون الى القيام بعمل دبلوماسي ما يستشيرون ويأخذون برأي أقرب الحلفاء الستراتيجيين وأقرب الأصدقاء من المتحكمين بصنع القرار الدولي والأشقاء من الذين يحكم التعقل والاعتدال سلوكهم السياسي في الحكم ليسدون لهم ما يخدم القضية من النصح والارشاد التي تعزز موقفهم وتُنضج أفكارهم اكثر بغرض ضمان أسباب النجاح فيما يقدمون القيام به، كما أنهم ينسقون المواقف مع ويأخذون موافقة الأطراف الرئيسيين المعنيين بالأمر والذين لهم الدور الأساسي في الموضوع متناسين ما يصدر من هؤلاء من كلام متناقض في وسائل الاعلام المختلفة واعتباره مجرد كلام اعلامي للاستهلاك المحلي وليس الأ اي بمعنى اخر كلام الليل يمحيحي النهار، ويجمعون مايتيسر لهم من المعلومات المفيدة والمتعلقة بتاريخ وخلفيات الموضوع ويحددون نقاط الضعف والقوة فيه ليضمنوا فرصة النجاح المؤكد بنسبة كبيرة ومقبولة، وبعد كل هذه الاجراءات يتم تحديد آليات التحرك والعمل بكل الاتجاهات وعلى كافة المسارات في آن واحد وبعد ذلك يقدمون على إعلان مبادرتهم بهدوء وحذر دون تهويل وتطبيل وتضخيم إعلامي منمق كما يعمل الأخرون الذين لا تحصل الشعوب من مبادراتهم غير الكلام الفارغ والوعود الكاذبة والتهريج السياسي المقرف والمقزز ولنا في ذلك الكثير من الامثلة يعرفها الجميع ولسنا هنا بصدد ذكرها لعدم جدواها في خدمة موضوعنا.

ليس ببعيد وليس بخافٍ على أحد دور الدبلوماسية السعودية في وقف نزيف الدم في لبنان جراء الحرب الاهلية التي دامت قرابة الخمسة عشر عاماً من الزمن وراح ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الشعب اللبناني ومن كل مكوناته دون تمييز وقوداً لهذه الحرب القذرة التي كانت تدور على أرض لبنان بأيادي لبنانية لخدمة أجندات خارجية غير لبنانية، ونتيجة لذلك كانت المبادرة السعودية بدعوة كافة الفصائل اللبنانية المتقاتلة لعقد مؤتمر في الطائف برعاية جامعة الدول العربية ومباركة الحلفاء والاصدقاء والاشقاء المخلصين والخيرين بمثابة حبل وقارب النجاة لانقاذ الشعب اللبناني من محنته ومن ويلات ومآسي الحرب الاهلية الدائرة على أرضه، وتمخض عن هذا المؤتمر وبجهود المخلصين من أبناء لبنان ولادة "إتفاقية الطائف" التي وضعت حداً للحرب الاهلية اللبنانية، وجاءت بالحلول المنطقية والواقعية والتي ضمنت حقوق الجميع في الوطن اللبناني الموحد ونالت رضا جميع الاطراف المتقاتلة في الأمس. وبما أن هناك الكثير من أوجه التشابه بين القضية اللبنانية بأسبابها ومسبباتها ونتائجها المأساوية والقضية العراقية بكل مسبباتها ومآسيها وتعقيداتها السياسية على كل المستويات الوطنية والأقليمية والدولية، عليه لانجد الغرابة في أن تكون أيضاً حلول القضيتين متشابه ومتقاربة الى حد كبير، حيث يمكن أن يكون مؤتمر الرياض المقترح بنتائجه الايجابية المتوقعة بحسب مبادرة العاهل السعودي خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز هو "طائف العراق" أن صح التعبير لو صفت نوايا الاطراف العراقية المدعوة لحضور هذا المؤتمر والمعنية بالأمر..

حيث من المفروض أن تدرك هذه الاطراف جيداً خطورة الأمر الذي يواجه الشعب العراقي ومستقبل وطنه من إستمرار ما يجري في العراق من المأسات وانهار الدم الطاهر  قبل أن يحسمون أمرهم وقرارهم التاريخي وأن يترفعوا عن مصالحهم القومية والدينية والطائفية والحزبية والفئوية والمناطقية والشخصية لحساب المصالح الوطنية العليا، وأن تكون القيادات السياسية لكل الاطراف المعنية بمستوى من المسؤولية ونكران الذات تمكنهم من التصدي بقوة وبجدارة وحزم لكل التحديات النوعية الكبيرة التي تواجه الوطن والشعب في هذه المرحلة التاريخية والحساسة من مسيرته في بناء الدولة الديمقراطية والمجتمع الديمقراطي والنظام السياسي الديمقراطي.

عندما تتوفر كل هذه العناصر في قيادات الاطراف والفرقاء العراقيين من المشمولين بحضور هذا المؤتمر الى جانب الحضور المباشر أو غير المباشر للاطراف المؤثرة والمعنية بحيثيات القضية العراقية ولها الدور الفاعل في صناعة القرار التاريخي ورسم خارطة الطريق من الحلفاء والاصدقاء والاشقاء لوضع الاطراف جمعياً على المسارات الصحيحة لتطوير العملية السياسية الجارية في العراق وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية على اسس سليمة ورصينة ومن ثم تشكيل حكومة الشراكة الوطنية الحقيقية على اساس برنامج المشروع الوطني الشامل ونبذ مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية المقيتة. عند قراءة اجندات المؤتمر المزمع انعقاده والذي سيكون امتدادا طبيعيا لتجسيد وتنفيذ مضامين مبادرة فخامة رئيس اقليم كوردستان الاستاذ مسعود البارزاني التي اعتبرها نقطة البداية لما يجب ان يتمخض عنه مؤتمر الرياض لوضع نهاية وخاتمة لمعاناة ومآسي الشعب العراقي على ضوء هذه الاهداف والتفاؤل بمستقبل زاهر ومشرق للعراق تتوضح امام المراقب السياسي الابعاد الستراتيجية لهذا المؤتمر وتنجلي الافاق المستقبلية المشرقة لمستقبل العراق وكما يلي:

اولا: من المفروض ان ينعقد المؤتمر بحضور كل الاطراف العراقية المشاركة حاليا في العملية السياسية الى جانب حضور الاطراف المعارضة او المقاومة ان صح التعبير للنظام الحالي سواء كانت من عناصر حزب البعث أوغيرها من القوى السياسية التي لها موقف سياسي من الوضع القائم في العراق بعد الاحتلال وتقيم حاليا في الدول العربية والاجنبية وتمارس نشاطها من هناك.

ثانيا: سيتم في المؤتمر مناقشة موضوع مشاركة جميع الاطراف العراقية المذكورة في اولا اعلاه الفائزة في الانتخابات وغير الفائزة في تشكيل حكومة الشراكة الوطنية الحقيقية القائمة على اساس برنامج المشروع الوطني والتخلي عن اساليب استعمال العنف بكل اشكاله والأيمان بمبدأ تداول السلطة سلمياً.

ثالثا: سيتم مناقشة موضوع ضرورة تعديل الدستور الحالي وتطهيره من كل ما يشير الى خلفيات نظام المحاصصة الطائفية والعرقية المقيتة وتأسيس لدستور وطني وتخلي القوى السياسية المعارضة للنظام الحالي والمقاومة له عن السلاح ووقف العنف بكل أشكاله والمشاركة في العملية السياسية بفعالية وفق برنامج المشروع الوطني الذي من المفروض ان يقره المؤتمر مع اعادة النظر بقانون المساءلة والعدالة وآليات تطبيقة وعدم تسييسه لصالح طرف ضد طرف.

رابعا: سيتم مناقشة موضوع تعهد الدول العربية وبالاخص دول الجوار العربي بالسيطرة الفعالة على حدودها مع العراق لمنع تسلل الارهابيين الى العراق وتجفيف مصادر التمويل المالي للمنظمات الارهابية في بلدانها باعتبار وجودها خطر يهدد امن الجميع وتتخذ الاجراءات القانونية والامنية بذلك برعاية جامعة الدول العربية.

خامسا: سيتم مناقشة موضوع قيام الدول العربية الدائنة للعراق باسقاط ديونها التي استدانها النظام الديكتاتوري السابق لتمويل حروبه العبثية ضد دول الجوار باعتبار ان الشعب العراقي لم يكن صاحب القرار في كل ما جرى ابان حكم هذا النظام الاسود، والعمل على مساعدة اخراج العراق من تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وذلك لأنجاز استقلاله التام واعادة سيادته المفقودة بحكم ذلك.

سادسا: سيتم مناقشة موضوع تطوير العلاقات السياسية وتبادل السفراء والبعثات الدبلوماسية بين العراق والدول العربية وتطبيع العلاقات وتصفية الاجواء بينها من جميع ما ترتب جراء سياسات النظام السابق، وكذلك تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والفنية بين البلدان العربية والعراق وتشجيع الاستثمارات العربية في العراق للنهوض بالاقتصاد العراقي للوقوف على قدميه وأعادة عافيته.

وعليه نقول أن قادة النخب السياسية العراقية لو صفت نواياهم تجاه بعضهم البعض لتعززت ثقتهم ببعضهم ولتعززت عزيمتهم وايرادتهم في انجاز ما تم ذكره في مؤتمر الرياض المقبل وعندها سيتوقف العراقيين عن مقاتلة بعضهم البعض بأيديهم وعلى ارضهم لأسباب تخدم اجندات الآخرين، وعندها يتوقف العنف والقتل وانهار الدم في العراق وتعود اللحمة الى وحدته، وعندها تبدأ حملة اعادة الاعمار للبلاد وتتدفق الاستثمارات العربية والاجنبية اليه لتساهم في أعادة ترميم وتأهيل البنى التحتية للأقتصاد الوطني واعادة اعمار ما دمرته الحروب العبثية الصدامية والامريكية وتتوقف تدخلات دول الجوار في شأنه الداخلي بغرض فرض أرادتها وأجنداتها عليه، وسوف تنقرض وبلا عودة ظاهرة البطالة بين أبناء الشعب العراقي ويتعافى الوطن من مرض سرطان الفساد المالي والأداري، وعندها فقط تبدأ مرحلة البناء الديمقراطي لمؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة، وتعم العدالة والمساواة والامن والامان وتكافؤ الفرص كل مفاصل الدولة والمجتمع، وعندها تسود سيادة وسلطة القانون من خلال حب واحترام المواطن له وليس خوفاً منه.هذه هي روءيتي وقراءتي لأجندات مؤتمر الرياض المقترح في حالة انعقاده لو احسنت النخب السياسية العراقية إستثمار هذا المؤتمر لصالح قضيتهم التي أصبحت تقض مضاجعهم ليل نهار. 

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links