شكراً سيدي الرئيس، ولكن...
جورج هسدو
شغل موضوع استهداف المسيحيين العراقيين بعد حادثة كنيسة سيدة
النجاة حيزاً كبيراً من الاهتمام بين الأوساط السياسية العالمية والإقليمية
والمحلية، وعبر الكثير من الساسة ورؤساء العالم والمنظمات الدولية عن
تعاطفهم مع ما يتعرض له المسيحيون من هجمات شرسة تستهدف وتدمر بنيتهم
الإجتماعية في العراق.. كما بادر العديد منهم إلى إقتراح حلول أغلبها جأت
جزئية ومرحلية، تراوحت بين معالجة الضرر (المادي والجسدي) والحد من الخسارة
المعنوية على المستوى الشعبي.. ومن هنا جأت دعوة رئيس إقليم كردستان العراق
السيد مسعود البارزاني إلى الترحيب باستقبال المسيحيين وتأمين الحماية لهم
في كردستان، وهي الدعوة التي تعودنا سماعها من المسؤولين الإداريين
والحزبيين في الإقليم بعد كل عملية استهداف يتعرض لها المسيحيون.
وفي الوقت
الذي علينا من باب اللياقة الأدبية أن نشكر الرجل على تعاطفه مع أخوانه
المسيحيين وإبداء الاستعداد لحمايتهم نقول، أن هذا لم يكن أقصى ما تأملناه
منه.. فالسيد البارزاني ليس بغافل عن التهديدات والممارسات المسيئة التي
تتعرض لها الأقليات الدينية في العراق، وبعضها حتى إقليم كردستان ليس بمأمن
عنها.. وأن الأقليات شكلت على الدوام الحلقة الأضعف في مواجهة التحديات
التي يواجهها العراقيون، وهم ورغم صغر حجمهم السكاني إلا أنهم يدفعون الثمن
الأكبر من بين مكونات الشعب العراقي.. كما أن سيادته ومن خلال نضاله الطويل
ضد الدكتاتورية يدرك أن المشكلة الرئيسة لا تكمن في أعداد الضحايا والشهداء
الذين يقدمون أرواحهم في سبيل قضيتهم، بل أن ذلك وفي أحيان كثيرة يزيد
الشعب إصراراً وقوة ويضيف إلى القضية بعداً إستراتيجياً يسرع من ديناميكية
تحقيق الأهداف المنشودة.. ولكن الهم الحقيقي يتمحور في الآثار الجانبية
التي يتركها ألم الخسارة وأعداد المنسحبين من التواصل ضمن المسيرة
النضالية، وفي حالة شعبنا فأن الخسارة الأكبر هي في قوافل المهاجرين من
جراء إستمرار الاستهداف.
وإذا
إفترضنا جدلاً أن نزوح المسيحيين من بغداد وباقي المحافظات العراقية إلى
إقليم كردستان حصل، فهل يمتلك الإقليم الإمكانات المادية لاستقبال آلاف
العوائل وتوفير مستلزماتها المعيشية؟!.. أما الحديث عن التحضير لاستقبال
مئة أو مئتين عائلة من أسر الضحايا ومن المقربين منهم فهو أمر لا يبتعد
كثيراً عن كونه محاولة لكسب التأييد لهذا الطرف أو ذاك، وهو بالتأكيد لا
يصب في إطار المعالجات الجذرية.. وما التجارب السابقة في التعامل مع
النازحين إلى الإقليم وتناقص أعدادهم لاحقا إلا دليلا على صعوبة الاندماج
الإجتماعي بسبب تغير الثقافات من جهة وشحة موارد المعيشة من جهة أخرى.. حيث
في أفضل الأحوال لا يستقر من النازحين إلى إقليم كردستان إلا نسبة قليلة
ممن يمتلكون الغطاء المناطقي والتواصل السكاني بين أبناء عمومتهم من سكان
المنطقة.. أما النسبة الأكبر فأنها تتخذ من نزوحها محطة أولية للتخلص من
المخاطر المحدقة التي تستهدف حياتهم الشخصية، حيث بعدها تعمد إلى ترك الوطن
برمته واختيار الهجرة إلى المنافي.
عليه نتأمل
من الرئيس البارزاني أأأن يبادر إلى التعاطي بموضوعية أكبر مع قضية
المسيحيين في العراق، وننتظر منه أن يؤدي دوراً أكثر فاعلية في بلورة الرأي
السياسي لتحقيق أهداف شعبنا المشروعة في الوطن.. كما نتعشم منه أيضاً أن
يساهم في رد إعتبار المسيحيين بتوفير الآليات المقبولة لهم للمشاركة بحماية
أنفسهم بدلاً من تقديم الحماية الجاهزة لهم وتحويلهم إلى عجزة.. خاصة وأن
البارزاني اليوم يتمتع بحضور مؤثر في المشهد العراقي بكامله، وهو الوحيد
الذي إستطاع من خلال مبادرته السياسية الأخيرة لم شمل الأطراف المتنازعة
والتوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل الحكومة.
|