مشاهداتي عن مسيرة أكيتو (السنة البابلية الآشورية)

 الجديدة – 6758  التاريخية

 

 

                                                        ابرم شبيرا

                      كانت فرصة تاريخية فعلاً أن أشارك في مسيرة أكيتو لعام 6758 في نوهدرا المعروفة حاليا بـ (دهوك) يوم الأول من نيسان مع مجموعة من وفود جاءت من بلدان المهجر من أوربا وأميركا وأستراليا ومن بلدان الشرق الأوسط وكما جاء من دبي في الإمارات العربية المتحدة وفداً متكوناً من 5 أعضاء، إضافة إلى ذلك شارك فيها وفداً رسمياً برلمانيا من بلجيكا وهولندا قادته الناشطة الآشورية المعروفة عطيا كبري فقد وضع الكل جانبا كل التحديات والمخاطر وشارك في المسيرة.

المسيرة بكل جوانبها النتظيمية والجماهيرية والمعنوية والسياسية والإجتماعية قد حققت هدفها وتمكنت من إيصال رسالتها بكل وضوح إلى العالم الداخلي والخارجي لتؤكد بأننا شعب أصيل للعراق والوارث الحقيقي لتراثه وأننا أصحاب حق لنا صوت عالي مستقل قابل للمطالبة بحقنا في أرضنا بجميع الحقوق التي شرعتها الإنظمة السماوية والموضوعية. وعلى الجانب الحزبي، ثبت وبكل وضوح بأن الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) هي و لازالت حركة جماهيرية قادرة على تنظيم وقيادة مثل هذه التجمعات الجماهيرية الضخمة وأنها أحدى الممثليين الحقيقين لشعبنا في الوطن. بالتأكيد أن جميع اللذين شاركوا في المسيرة ليسوا أعضاء في زوعا وربما ليسوا من مؤيدها أو مسانديها ولكن مشاركتهم فيها كان تعبيرا عن حبهم لشعبهم وتراثهم ورغبتهم الجامحة في المشاركة في المناسبات القومية المهمة رغم كونها منظمة من جهة حزبية ولا يهم سواء أتفقوا مع نهجها أم لا، وكانت مشاركتي ورفاقي في هذه المسيرة التاريخية منطلقة من هذا الفهم لأن مثل هذه الفعاليات الضخمة لايمكن أن تنظم أو تسير عفوياً ما لم تكون جهة أو حزب أو منظمة تقوم بتنظيمها وهنا يتبين من هو الشاطر والحريص والمهتم والمصمم على مواصلة المسيرة بأية وسيلة وحبذا لو تشاطرت جهات أو أحزاب أخرى في تنظيمها أو التنسيق معها.

مشاهداتي المثيرة للمسيرة ليست فقط في العدد الكبير المشارك فيها، فالبعض قدرها بأكثر من خمسة آلاف مشارك. فالعدد لايهم حتى ولو كان بضعة مئات ولكن المثير والمدهش حقاً هو مشاركة أبناء شعبنا من مختلف الطوائف والمجموعات والمحافظات والقصبات والقرى وشارك فيها أناس من رجال ونساء وأطفال لا بل المثير للإنتباه هو طغيان عنصر الشباب على المشاركين في المسيرة بحيث يمكن القول بأنه كان أكثر بكثير من النصف والأكثر دراماتيكية كان وجود أطفال ورضع في عرباتهم تدفعها أمهاتهم رسموا على وجوههم العلم القومي المعروف، تدفع بيد عربة طفلها وبالاخرى ترفع العلم. أما كبار السن فكان مشهدهم عجيباً وغريباً، فلأول مرة في حياتي وحياة غيري من الذي تكاتفوا معي في المسيرة أن نشاهد المئات منهم وأعمار بعضهم تجاوز الثمانين وكان الشخص الطاعن في السن من شقلاوة والمتزين بملابسه التراثية رافعاً بيده العلم القومي وبالأخرى علم زوعا اكثر جذباً لإنتباه الناس لا بل وزادت دهشتنا كثير الكثير عندما عرفنا بأنه كان قبل شهرين في مستشفى يعاني من قصور في القلب ثم علمت بأن هذا الشهم ياتي كل سنة من شقلاوة لكي يشارك في المسيرة. ولم تكن مشاركة أعضاء من اللجان الشبابية والطلابية القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية أقل أعجباً وإثارة حيث قدموا خصوصاً للمشاركة في المسيرة والتجوال في قرى وقصبات أبناء شعبنا وعقد الاجتماعات واللقاءات مع اللجان الشبابية والطلابية في الوطن، وهنا أود أن أهنئ أولياء أمر هؤلاء الشباب على شجاعتهم وهمتهم في إرسال بناتهم وأولادهم وهم في سن المراهقة إلى الوطن دون أن يهابوا المخاطر المحيطة به. فقد شاهدت في وجوه هؤلاء الشباب والشابات مستقبل الأمة وطمأنت نفسي بأن أمتنا لازالت بخير فهؤلاء سيواصلون حمل الرسالة للجيل القادم.... ألف شكر لهم ولأهاليهم الذين تكبدون الحمل المالي والنفسي في إرسال بناتهم و أولادهم إلى الوطن ليتعلموا معنى الوطن وليتحسسوا بمعاناة أخوتهم في الأمة.

خط المسيرة كان من المركز الثقافي الآشوري إلى منطقة سد دهوك والتي هي بحدود 2,5 – 3 كيلومترات عبر شوارع عامة وقبل الوصول إلى منطقة الاحتفال على ساحة سد دهوك يبدأ الطريق بالطلوع على التل ويصعب عليه المشي وقد عانيت أنا وزملائي من إكمال المسيرة حتى النهائية ولم نكملها إلا بعد عنان طويل وتصبب عرقاً رغم الهواء البارد القوي الذي زادت حدته عند هطول زغات المطر. كان مشهد المشاركين في المسيرة وهم يندفعون بكل قواهم نحو الوصول إلى خط النهاية أمراً مؤثراً للغاية ولا يمكن وصف إصرارهم على المواصلة رغم التعب والارهاق والبرد اللاسع أحياناً وهم أما يهتفون أو يصفقون أو يغنون أو يلوحون بأعلامهم ببضعة كلمات أو سطور لأن أصرارهم كان حقيقياً ومشاعرهم صادقة، لا يستطيع أن يفهمهم إلا الذي كان مشاركاً معهم. كان أمامي في خط المسيرة أمرأتان عجوزان ربما كانت أعمارهن تقارب السبعين يرفعن العلم القومي ويتحدثن مع البعض حيناً ويرددن هتافات حيناً آخر فحاولت أن أستطرق السمع لحديثهن فما سمعته كانت تقول أحداهن للأخرى ... "بالله عليك لو كان يوماً عادياً هل كان بإستطاعتنا المشي كل هذه المسافة... فأجابت الثانية ... "طبعاً لا ... فحلاوة المشي في المسيرة مع أولادي وأحفادي في الأول من نيسان غير المشي في الأيام الاعتيادية". ثم وقفت بجانبهن على نفس خط سيرهن أشاركهم الحديث الجميل عن ربيع نيسان وعن إصرار شعبنا في مواصل مسيرته القومية عبر مسيرته النيسانية.

أما منهاج الأحتفال، فتقديرا للظروف المأساوية التي يعيشها شعبنا في الوطن وتقديساً لشهادة المطران بولص رحو فأنه أقتصر على الكلمات بالمناسبة وقصائد وأغنيتين قوميتين فقط وكلمات الوفود القادمة من المهجر وخلت تماماً من أية مظاهر الرقص أو الدبكات الشعبية أو الموسيقى بل أقتصرت على طبول شباب الفرق الكشافية المتناغمة مع المسيرة. كما تزينت ساحة الإحتفال بصور شهداء الأمة وكانت صورة الشهيد المطران تكبر الكل وتطغي على الناظر إليها من خلال الأعلام القومية واللافتات والشعارات التي تمجد إستشهاده وتؤكد بأن ذلك ليس إنتصارا للإرهاب بل إنتصاراً عليها. الشباب المشارك لم يكن شباباً بالأعمار فحسب بل بالأفعال المثيرة للإنتباه والتي أحيطت بعضها بمخاطر مميتة لم يأبى لها هؤلاء المغامريين حينماً بدأوا يتسابقون في تسلق الجبال المحيطة بساحة الإحتفال وهم يرفعون بيدهم العلم القومي فبدا وكأنه سباق بينهم للوصل إلى أعلى بقعة في الجبل ووضع العلم القومي عليه حيث تمكن شابان من الوصول إلى أعلى نقطة وغرز العلم في الجبل فما كان من المشاهدين من تحت الجبل إلا بدؤا بالتصفيق لهم.

بالطبع لم تكن ساحة الاحتفال بتلك السعة لتستوعب الآلاف المشاركين في المسيرة لذلك بمجرد أن وصلوا نقطة النهاية وحققوا الهدف من المسيرة شرعوا بالرجوع والتي كانت بحق مسيرة ثانية نحو شوارع نوهدرا والأكثر إثارة كان أحتلالهم للمطاعم المحاذية للشوارع خط المسيرة بحيث بدا لأهالي المنطقة كأن هناك غزو للمدينة وإحتلال لتلك المطاعم فكانت بحق وحقيقة مشاهدة لم أرى منها في حياتي كما أكدوا نفس الشئ أصحابي المشاركين معي في مسيرة الرجوع. وأريد هنا أن أوكد أن الدهشة والإعجاب لم تكن من حقي وحق غيري من المشاركين في المسيرة بل من أهالي نوهدرا الذين وقفوا على أرصفة الشوارع أو أوقفوا سياراتهم على الجانب الآخر لمشاهدة إنفعالية الناس المشاركين في المسيرة.. وهنا تذكرت حديث أحد أصحابي الذي شارك في أحدى مسيرات أكيتو قبل بضعة سنوات عندما قال بأنه سمع من أحد الأكراد الواقفين على رصيف الشارع الذي سيرت فيه المسيرة يقول "والله يستحقون هؤلاء أن تكون لهم دولة" وذلك تعبيرا عن شدة إعجابه بالمسيرة وضخامة المشاركين فيه... ترى ماذا كان سيقول لو شاهد هؤلاء المحتفلين بسنة 6758 وهم بالآلاف منهم؟ ربما كان سيقول "والله يستحقون هؤلاء أن تكون لهم إمبراطورية"؟؟!!

حسناً فعلت اللجنة المنظمة وبالتنسيق مع المركز الثقافي الآشوري في نوهدرا بعقدها في اليوم التالي ندوة مصغرة حضرها الوفود القادمة من المهجر لمناقشة وتقيم المسيرة وبيان نواقصها لتجنبها في العام القادم وتم الاتفاق على نقاط كثيرة خاصة التأكيد على زيادة حجم الوفود القادمة من المهجر وبشكل أكثر تنسيقا وتنظيماً، كما تم الإتفاق على أن تشمل إحتفالات أكيتو بالإضافة إلى المسيرة نشاطات ثقافية وفنية وخلال أسبوع كامل.

هذا بشكل مختصر عن مشاهداتي التي لا يمكن أن توصف كلها بخصوص المسيرة التي أعتبرناها وبحق تاريخية في تاريخ أمتنا ... فهي حقاً تاريخية لأنها نجحت بكل المقايسس رغم الصعوبات والعراقيل سواء المقصودة منها أم غير المقصودة. نذكر منها بأنه تأخر الوصول إلى المسيرة بعض الباصات القادمة من قصبات سهل نينوى حيث قضت وقتاً طويلا في نقاط التفتيش ولا ندري إذ كان المسؤولين عن هذه النقاط قد أستلموا تعليمات بتأخير الباصات أم لا غير أن اللجنة المنظمة تدخلت وتمكنت الباصات من إجتياز النقطة والوصول إلى المسيرة متأخرة بعض الشيء. كان رئيس المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري قد أصدر بياناً يدعوا إلى عدم المشاركة في إحتفالات ومسيرة أكيدو أحتراماً لشهادة المطران بولص رحو ولكن المسيرة نظمت بشكل يليق كثيراً إستشهاد هذا المطران الجليل. أشيعت أخبار بأن المساعدات التي يتلقاها أبناء شعبنا من وزير المالية في حكومة إقليم كردستان السيد سركيس أغاجان سوف تقطع عن كل من يشارك في المسيرة ولكن العدد المشارك في هذه السنة كان أكثر من السنة الماضية. وسمعت وأنا في قرية هيزاني في منطقة نال قبل يوم من المسيرة من شخص يتلقى مثل هذه المساعدات فقال لي بأنه بلغه أحدهم بأنه سوف تقطع المساعدة إذا شارك في المسيرة، فرد عليه وقال "لو يقطع رأسي فأنا سأشارك في المسيرة بدون رأس". هكذا كان إصرار شعبنا على التعبير عن هويته في مسيرة أكيتو من دون خوف من قطع لقمة العيش. المسيرة قاطعها معظم أحزاب شعبنا ووسائل أعلامهم، خاصة قناة عشتار.... أليس عيباً علينا أن نرى قنوات عراقية وعالمية تنقل الحدث ومقاطع منه بشكل مباشر وتبقى قنوات شعبنا خرساء؟؟؟؟ عيب والله عيب.

أنا إنسان أنتمي إلى هذه الأمة ولا يهمني من ينظم إحتفالات شعبي سواء أكان شيطاناً أم قديساً طالما يتحقق الغرض الذي ابتغيه وحبذا لو كان الغير شارك مع زوعا ورفع بعض الحمل عنه... وقد يقول قائلا بأن زوعا لا يريد المشاركة مع الغير... حسناً ليباشر الغير بتنظيم مثل هذه الأحداث التاريخية الضخمة ولنا منا عهداً بأننا سنشارك فيها إذا تمكن من تحقيق الغرض الذي أبتغيه وتبتغيه أمتي. يقول البعض بأن زوعا أستغل هذه الحدث لتحقيق أغراض سياسية ضيقة.... مسألة لا تعبر إلا عن جهل في السياسة وعالمه... كل حزب في العالم يحاول أن يستغل أي حدث وطني أو قومي لصالحه فيضع كل ثقله لتحقيقه ويحاول أن يطغي عليه طابعاً شمولياً قومياً فهذا حق مشروع لكل الأحزاب في العالم فلماذا أحزابنا مستثناة؟؟؟؟ خرج الآلاف من أبناء شعبنا في مسيرة أكيتو 6758 وطرحت الأسئلة  التالية نفسها... هل خرجوا لأن زوعا فرض عليهم وأجبرهم على الخروج؟؟؟ هل كان هؤلاء الرضع والأطفال والشباب والرجال والنساء والشيوخ أعضاء في زوعا وأجبرهم على الخروج وإلا فصلهم من الحزب؟؟؟ هل كانوا أعضاء في نقابة وزوعا رئيس النقابة وأجبرهم على الخروج وإلا فالطرد هو مصيرهم كما كان يفعل نظام البعث المقبور؟؟؟ هل كان هؤلاء موظفين حكوميين طلب منهم مديرهم العام المشاركة في المسيرة وإلا صدر العقوبة بحقهم إذا لم يشاركوا كما كان يفعل نظام البعث المقبور؟؟؟ هل زوعا يمول هؤلاء أموالأ وأرزاقاً وهددهم بقطعها إذا لم يشاركوا في المسيرة؟؟؟ هل يملك زوعا أجهزة أمنية وسجون ومعتقلات هدد أبناء شعبنا بأستخدامها ضدهم إذا لم يشاركوا في المسيرة؟؟؟ هل كان يملك زوعا أجهزة إعلامية نافذة ومؤثرة وقنوات تلفزيونية أثرت على الناس للمشاركة في المسيرة ا؟؟؟ .... هنا ألف وألف (هل) ... وجواب كلها هو بالنفي ويعرفها غير الزوعاويين قبل غيرهم.

لقد إستجاب أبناء الأمة لضمير الأمة ودعاهم للمشاركة في المسيرة عند حلول يومها وشعروا بالمسؤولية تجاه هذا الحدث وأدوا واجبهم عن طريق المشاركة في المسيرة ولم تخرج تلبية لنداء زوعا ولكن الحقيقة تبين بأن زوعا جزء من هذا الضمير وشاركهم وتشاطر في تنظيمها وحتى في إستغلالها لصالحه والذي هو صالح الأمة وهذا حق مشروع لكل أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية فالشاطر من يتحرك ويفعل لا أن يستنكر ويمنع. وأخيراً أتسائل مع نفسي هل كل هذا النجاح الذي حققته المسيرة والإقرار بحسن تنظيمها وقيادتها من قبل زوعا يجعلني أكثر عرضة لإتهامي المشرف من قبل "الغير" بإنني "متحدث غير رسمي عن زوعا" او "مساند أعمى لها"  فإذا كان الجواب بنعم، لا أستطيع أن أقول شيء إلا أن أتمنى أن يكون هذا "الغير" قد شارك في المسيرة بقلب وضمير نظيفين لأدرك الحقيقة وأصبح زوعاوي أكثر من زوعاويين أنفسهم.   

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links