الاتفاقية العراقية الاميركية وحديث المسودات

 

 

                                                   حميد الموسوي

                    شغلت الاتفاقية العراقية الاميركية طويلة الامد حيزا واسعا من الاعلام المقروء والمرئي والمسموع بما فيها العالمي والمحلي، واستغرقت معظم احاديث المسؤولين العراقيين والاميركان، واثارت الكثير من المخاوف والصخب لدى اطراف محلية وأقليمية وعربية مع ان بنودها لم تظهر للعيان ولم يطلع عليها -بل على مسودتها- الاّ كبار المسؤولين في الحكومة العراقية وبعض قادة الحركات السياسية المشتركة في العملية السياسية والذين لم يطلعوا الرأي العام او وسائل الاعلام على مورادها، وكانوا يكتفون بالرد على الاسئلة التي تثار بصددها بان مسودة الاتفاقية قيد الدرس وان هناك فقرات كثيرة مرفوضة من قبل جميع الاطراف كما ان هناك بنود يتحفظ عليها الجانب العراقي واخرى مدار نقاش.

وان الحكومة العراقية قد اعدت مسودة بديلة قدمتها للطرف الاميركي لاطلاع الحكومة الاميركية عليها. غير ان بعض مفرداتها التي تسربت او سربت -ربما بقصد جس النبض المحلي والاقليمي وقد يمتد الى العربي والعالمي- هذه الفقرات المسربة تشي باحتلال طويل الامد، اقرب ما يكون الى الانتداب او هو انتداب تحت مسميات متعددة "مهذبة". والاّ ماذا يعنيه وجود اكثر من خمسين قاعدة او موقع عسكري اميركي على كامل الخارطة العراقية واحتفاظ منتسبي هذه القواعد -وهم الوف مؤلفة- بحقوق دبلوماسية والتصرف كما لو كانوا على اراضي الولايات المتحدة "مصونون غير مسؤولين"!. اضافة لحقوق ثانوية منها: استخدام هذه القواعد لضرب اهداف خارج العراق في حال شن الولايات المتحدة حربا على دولة اقليمية او غير اقليمية!.

وماذا يعنيه اشتراط حصول موافقة الحكومة الاميركية على عمل اي شركة اجنبية في العراق بما فيها الشركات الاستثمارية العالمية والشركات المساهمة في اعادة اعمار العراق!.

مقابل ذلك تتعهد الولايات المتحدة بالمساهمة الفاعلة في اعادة بناء واعمار العراق، وبسط النظام والقانون واعادة الاستقرار. وكذلك الدفاع عن العراق وصد اي عدوان خارجي يتعرض له.

واذا صحت هذه الفقرات او صح وجودها او ما يشبهها فان ذلك يعني تأكيد مخاوف العراقيين جميعا جماهيرا وحركات ومرجعيات وبالتالي تحديد المواقف وكل من موقعه، اذ لا تنحصر المسؤولية في القيادات السياسية التي تدير المرحلة الراهنة كونها تتحمل النتائج والمسؤوليات التاريخية وتداعيات التوقيع على مثل هذه الاتفاقية، فالجماهير العراقية وحركاتها وتجمعاتها الثقافية والانسانية مدعوة لابداء رأيها وتثبيت ما تريده من فقرات تسهم في بناء العراق ورفض ما تراه مخلا بسيادته الوطنية واستقلاله ومكانته وذلك باستخدام كل الطرق الحضارية والسلمية المتاحة.

كما ان المرجعيات الدينية والوطنية لها الدور الريادي والقيادي لما تتمتع به من مكانة واحترام في نفوس العراقيين بلا استثناء وبالتالي فهي تمتلك التأثير المباشر في تحريك الشارع العراقي لاسقاط اي مشروع يكبل العراقيين او يمس بسيادة واستقلال العراق.

وما اسقاط معاهدة "بورتسموث" وحلف بغداد ومشروع "رونتري" والتي قبلها والتي بعدها الاّ ادلة ميدانية لبصمة عراقية شهدتها حقب اربعينات وخمسينات القرن الماضي. تلك المعاهدات والمشاريع المشبوهة لم تسقطها دبابات او طائرات او انقلابات ولم تلغها شعارات المزايدات الزائفة، بل اسقطتها اصوات الحق والنوايا الوطنية الصادقة المخلصة.

ولربّ ضارة نافعة، فهذه المعاهدة بما تبطنه وما تضمره من شراك وفخاخ تكبل العراق وتلقيه في مصير مجهول لا يعلمه الا الله ودهاقنة السياسة الاميركية قد وحدت العراقيين وانستهم خلافاتهم فاستقبلوها بالرفض والتنديد على كافة المستويات.

هذه المعاهدة وبنودها المشبوهة وما جوبهت به من رفض عراقي قاطع يضع الدول العربية ودول الجوار والمحيط الاقليمي امام مسؤوليات تأريخية واخلاقية وقومية ووطنية تفرضها المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة ومخاوف المستقبل المجهول ناهيك عن الروابط القومية والدينية وحسن الجوار. كون العراقيين قد اثبتوا بما لا يقبل الشك رفضهم القاطع ان يكونوا سببا في الحاق الاذى بأي طرف عربي أو مجاور باتخاذ الاراضي العراقية منطلقا لعدوان محتمل من قبل الولايات المتحدة، وكذلك اثبتت الحكومة المنتخبة التزامها بخطها الوطني الثابت وتفانيها في صد كل مشروع يلحق الاذى بالعراق واشقائه وجيرانه او يخدش او يمس الاستقلاق والسيادة الوطنية للعراق. ومن هنا توجب على الدول العربية الشقيقة ودول الجوار والدول الصديقة ان تدعم المشروع العراقي الجديد وتسهم بشكل فعال في اعمار العراق واعادة استقراره الامني واخراجه من البند السابع الذي وضعته السياسات المتخلفة فيه.

كما يتوجب على الاصوات التي تتخذ من كل سلبية او ثغرة قميص عثمان لتلقي بكل تبعات وتداعيات المرحلة على اكتاف العملية الديمقراطية جاعلة منها سببا من جر الخراب على العراق والعراقيين، على هذه الاصوات -الحسنة والسيئة النية-ان لا تتمسك بالهفوات وتركز على النتائج وتنسى او تتناسى الاسباب التي وضعت العراق في هذا المنعطف الحرج وجرت عليه هذه التداعيات ان لا تنسى ان الاخطاء والهفوات قد لا تتكرر وان الثغرات قد تسد وتردم وان الجراح قد تندمل، شريطة ان لا تتكرر الاسباب التي احدثتها.

ان العراق بحاجة الى عقد المزيد من الاتفاقيات والمعاهدات بكل انواعها شأنه شأن جميع دول العالم، فالمصالح الوطنية تتطلب ذلك، والحفاظ على المكتسبات وحماية المقدرات تستدعي الانفتاح على جميع دول المعمورة لما فيه خدمة المصالح المشتركة، وليس بالضرورة الانفراد مع الولايات المتحدة باتفاقية او معاهدة طويلة الامد مع ما لهذه الدولة من ثقل ومع ما معروف من معاهداتها التي ترتبط بأكثر من ثمانين دولة عربية واسلامية واوربية، ولكن بالشروط التي لا تمس بالسيادة الوطنية. صحيح ان الولايات المتحدة تمتلك السطوة والقطبية والهيمنة وبالتالي فمن باب الاولى ان تكون في مقدمة الدول التي يرشحها العراق لمعاهداته "فالصديق القوي خير من الصديق الضعيف".

لكن ذلك لا يعني تكبيل العراق بشروط الفاتحين او تسيير سياسته وفق املاءاتها واهواء سياسييها، اننا نريدها معاهدة الند مع الند، واتفاقية الكفوء للكفوء.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links