حقوق منقوصة وأخرى تنتظر التطبيق

الكلدان السريان الأشوريين في مشروع دستور إقليم كوردستان العراق

 

                                                                جورج هسدو

                     حظي مشروع دستور إقليم كوردستان العراق الذي صادق عليه برلمان الإقليم مؤخرا وكان من المقرر أن يجرى إستفتاء عام عليه بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، حظي بالكثير من التحليل والتمحيص والتقييم على المستويين الشعبي والرسمي.. وتباينت الآراء حوله بين الرفض القاطع والتأييد الكلي وما بينهما من المتحفظ والمعترض على الجزئيات، كما تراوحت الآراء حول التقاطعات الإدارية والسياسية بين الإقليم والمركز وحول إختلاف الرؤى والقناعات بين الأطراف المحلية داخل الإقليم نفسه.. من ناحية ثانية عزى العديد من المهتمين توقيت إعلان المسودة إلى أنه جاء لغايات دعائية إنتخابية بحتة تخدم مصلحة الحزبين الكوردستانيين الرئيسيين، بينما عزاها البعض إلى أنها كانت لجس النبض وإستفهام حجم الإعتراض عليها من الأطراف العراقية والإقليمية وحتى الدولية المتحسسة من الموضوع.

ورغم إعلان مفوضية الانتخابات تأجيل الإستفتاء على الدستور إلى الحادي عشر من آب القادم وبعدها إقرار برلمان الإقليم تأجيله إلى أجل غير مسمى، وهو ما يعني عمليا وضع المسودة الحالية على الرف إلى حين وإعطاء الفرصة لمراجعتها وترتيب موادها بروية وبعيدا عن الضغوطات.. فأننا نتناول في هذا المقال ماجاء في مشروع دستور إقليم كوردستان العراق حول حقوق الكلدان السريان الأشوريين حصرا، وهو الأمر الذي يمكن أن تكون له فائدة حتى مع تأجيل الموضوع كما قلنا إلى أجل غير مسمى.. لأنه لحد الآن لم ترتقي حقوق باقي المكونات في مشاريع دساتير إقليم كوردستان إلى المستوى المرضي، خاصة وأن المتوقع كان دائما غير ذلك بسبب ما عاناه الشعب الكوردي من هضم لحقوقه من الإغلبيات الحاكمة وبالتالي واقعية تفهم سياسيه لأوضاع وحقوق باقي القوميات المتعايشة معهم.

سنتناول المواد والفقرات بحسب تسلسل ورودها في مشروع الدستور، وسنحاول توضيح وجهة نظرنا حولها والتي ستتعارض حيناً مع مفاهيم متبنية وحيناً آخر مع سياقات متبعة وحتى مع صياغات مطاطية لا تقطع الشك باليقين فيما يخص الحق القومي للكلدان السريان الأشوريين.. ولا نشك أبدا باحتمالية أن تختلف وتتناقض وجهة نظرنا هذه مع وجهات نظر أخرى حتى من داخل البيت القومي للكلدان السريان الأشوريين، لكن يبقى المهم قناعة الشارع الذي من حقه أن يطلع على كافة الآراء الموجودة ومن ثم الإدلاء برأيه بالموضوع، وطبعا "نتأمل أن يكون" بعيدا عن الضغوطات وممارسات الترعيب والترغيب التي تعود الشارع عليها في الآونة الأخيرة.. لكن قبل أن نبدأ لابد من الإشادة بما يتضمنه المشروع من حريات  أساسية وحقوق فردية ترتقي إلى مستوى دساتير الدول المتقدمة والمعروفة بديمقراطياتها العتيدة.. إلا أن ذلك سيبقى حبرا على ورق ما لم يقترن بالممارسة والتطبيق العملي وبما يحقق العدالة والمساواة لجميع المواطنين.

 

أولاً: الديباجة:

رغم أن صياغة الديباجة ابتعدت عن ذكر أسماء المكونات وهويات القوميات الموجودة في الإقليم واشارت إلى الإضطهادات بشكل عمومي، لكنها لم تغفل الإشارة إلى أكثر من جغرافية أو حدث أو جماعة بالاسم والعنوان ((حلبجة الشهيدة وباليسان وكرميان وبهدينان، الشبان الكورد الفيليين، البارزانيين)).. وإذا ما عدنا إلى تأكيد الأخوة الكورد على ضرورة وأهمية ذكر مآسي الشعب الكوردي بالاسم في ديباجة دستور الدولة العراقية، فأنه كان من الحق والواجب التطرق ولو إلى تفصيلة واحدة تخص الشعب الكلداني السرياني الأشوري في ديباجة دستور الإقليم كمذبحة صوريا عام 1969.

ثانياً: المادة (2): أولاً:

وهي الفقرة التي تجزم بضم أقضية تلكيف والحمدانية وناحية بعشيقة المعروفة بكثافتها السكانية الكلدانية السريانية الأشورية إلى إقليم كوردستان بتخريجة ((الكيان الجغرافي التاريخي)) وتحدد له تأريخاً مجتزئاً وهو قبل عام 1968.. إذا كان تأريخ سلخ هذه المناطق من كوردستان يعود إلى بعد عام 1968 أي بعد مجيء سلطة البعث، فمن أين يبدأ؟!.. هل يعود إلى التاريخ المعاصر للدولة العراقية والذي يختلف على تبنيه العديد من مكونات الشعب العراقي بضمنهم الكورد؟، أم يرجع إلى التاريخ القريب ما قبل الحرب العالمية الأولى وقبل تأسيس الدولة العراقية؟، أو يصار إلى الاستشهاد بالتأريخ القديم للمنطقة إبان حكم الإمبراطريات؟.. ثم ألم يكن من الأنضج والأليق عدم الجزم بعائدية المنطقة وترك ولو هامش من حرية تقرير مصيرها بيد سكانها ومواطنيها عن طريق الإستفتاء الشعبي الذي دائما ما تؤكد عليه جميع الأطراف وأيضا الدستور العراقي الاتحادي، أم أن المسألة تتوقف وتهمل عندما يصار إلى التطرق لحق الأقليات؟؟!!.

ثالثاً: المادة (11):

((أولاً: لاقليم كوردستان علم خاص يرفع الى جانب العلم الاتحادي، وله شعار ونشيد وطني وعيده القومي (نوروز) وينظم ذلك بقانون.

ثانياً: يتكون العلم من اللون الأحمر فالأبيض فالأخضر وتتوسطه شمس بلون اصفر ينبعث منها واحد وعشرون شعاعاً وتحدد قياساته وتبين مدلولات مكوناته بقانون)).

بالنسبة للعلم لن نطيل كثيرا ولكننا نذكر بإعتراض ممثلي الكورد في مجلس الحكم وخاصة السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كوردستان العراق على علم الدولة العراقية باعتباره لا يمثل جميع مكونات الشعب العراقي، فماذا عن علم الإقليم هل يمثل جميع مكونات شعب الإقليم؟!، ولا نعتقد أن بيان مدلولات مكوناته يحتاج إلى جهد كبير.. وكذا الحال مع الشعار والنشيد الوطني وحتى العيد القومي، أين عناصر باقي المكونات من كل ذلك؟، ألم يكن من ألأفضل الإقرار بوجوب مراجعة هذه العناصر الرئيسية التي من المفترض ان يتمثل فيها كل مواطني إقليم كوردستان بمختلف انتماءاتهم الدينية والأثنية؟!.

رابعاً: المادة (14):

((أولا: الكوردية والعربية لغتان رسميتان في اقليم كوردستان، ويضمن هذا الدستور حق مواطني اقليم كوردستان في تعليم ابنائهم بلغتهم الأم، ويشمل ذلك اللغة التركمانية والسريانية والارمنية، في المؤسسات التعليمية الحكومية وفق الضوابط التربوية.

ثانيا: التركمانية والسريانية لغتان رسميتان إلى جانب اللغة الكوردية والعربية في الوحدات الإدارية التي يشكل الناطقون بها كثافة سكانية، وينظم ذلك بقانون)).

لا ترتقي صياغة هذه المادة إلى مستوى الشراكة الحقيقية الصادقة التي يتطلع إليها أبناء مكونات الإقليم.. برأينا كان من الأفضل لو تم صياغة هذه المادة بما تستدعيه الضرورة الدستورية ويحفظ مكانة وأحقية الناطقين بكل لغة وإعتبار جميعها لغات رسمية تنظم وتحدد صلاحية التداول بها بقانون.

خامساً: المادة (19): عشرون:

وهي من الفقرات الراقية التي تصون حق الفرد بالملكية الخاصة وعدم جوازية نزعها منه إلا للمصلحة العامة لقاء تعويض عادل.. وهنا نذكر برلمان وحكومة إقليم كوردستان بالأراضي الشاسعة التي تم مصادرتها منذ عام 1991 من أبناء الكلدان السريان الأشوريين وبعضها حتى ليس للمصلحة العامة وعدم تلقيهم أي تعوضات مقابلها لحد الآن "عنكاوا نموذجا".. متى سيتم تطبيق مثل هكذا مواد دستورية ليتسنى لنا أن نحكم بجودتها ميدانيا؟.

سادساً: المادة (31):

((على السلطات في إقليم كوردستان ضمان تحقيق مبدأ المساواة الفعالة والعمل على تحقيقها بين الأشخاص المنتمين إلى المكونات القومية أو الدينية وتهيئة الظروف الكفيلة بالحفاظ على هويتهم واتخاذ التدابير اللازمة لتعزيزها)).

وهذه أيضا تواجه تساؤلات عديدة أهمها ما هي نسبة الكلدان السريان الأشوريين في الأجهزة الأمنية والعسكرية للإقليم وما هي نسبتهم في المستويات العليا فيها؟؟، وكم يرتفع خطهم البياني فيما يتعلق بمستوى توفير فرص جيدة للعمل لهم وجني مداخيل كافية تمكنهم من العيش برغد؟، وما هي الإجراءات الإستثنائية التي يتم إتخاذها بحق من يستهدفهم لهوياتهم الخاصة أو كأفراد وذلك للتقليل من أعداد المهاجرين منهم خارج البلاد والتي تزايدت خلال السنوات الست الماضية حتى بين مواطني إقليم كوردستان؟!.

سابعاً: المادة (32): ثانيا:

وهي حول إعلان إلتزام حكومة إقليم كوردستان بمنع التغيير الديمغرافي للمكونات القومية والدينية.. وأيضا نسأل ونطالب السلطتين التشريعية والتنفيذية في حكومة الإقليم عن الفترة الزمنية المطلوبة لتطبيق هكذا بنود جوهرية وأساسية للمكونات الصغيرة؟!.. ومتى سيتم إزالة كل آثار التغيير الديمغرافي التي تسبب بها نظام صدام وتلك التي استجدت بعد عام 1991 على حساب الكلدان السريان الأشوريين وقراهم ومناطقهم التي تشهد تزايدا مطردا للسكان من أبناء القومية الغالبة على حساب أصحابها الرسميين والشرعيين؟؟.. "قرى محافظة دهوك نموذجا".

ثامناً: المادة (35):

وتقول المادة ((يضمن هذا الدستور الحقوق القومية والثقافية والادارية للتركمان، العرب، الكلدان السريان الاشوريين، الارمن بما فيها الحكم الذاتي حيثما تكون لأي مكون منهم أكثرية سكانية وينظم ذلك بقانون)).

ان ذكر مسألة الحكم الذاتي في المادة لا يغير من الجوهر شيئاً، فضمان الحقوق الإدارية تتناول كل أشكال الإدارة والتي يندرج الحكم الذاتي بينها.. وبنظرة تحليلية على الموضوع نتأكد بأنه دغدغة مشاعر أو ربما جاء لأغراض دعائية تخدم بعض المطالبين، خاصة ونحن على أبواب انتخابات برلمانية لا يمكن التكهن بنتائجها بسهولة.. ويؤيد ما ننزح إليه مشروطية إقامة ذلك الحكم الذاتي، ألا وهو عبارة ((حيثما تكون لأي مكون منهم أكثرية سكانية))، لأن المشرع أو من يسيره على دراية تامة كما نحن بأنه لا توجد لأي مكون منهم أكثرية سكانية ضمن الإطار الإداري والسياسي لإقليم كوردستان لا الحالي ولا المقترح.. ربما لو كانت صياغة المادة بشكل آخر بحيث تذكر كثافة سكانية بدل أكثرية أو إشتراك هذه المكونات بالأكثرية السكانية كان سيكون هناك قناعة أكبر بإمكانية إقامة مثل هكذا شكل إدارة مستقبلا للأقليات.

تاسعاً: المادة (40): ثانياً:

((يؤخذ بعين الاعتبار في نظام انتخاب الأعضاء "ويقصد أعضاء برلمان الإقليم" التمثيل العادل لمكونات شعب كوردستان- العراق وضمان نسبة لا تقل عن (30%) من المقاعد لضمان تمثيل المرأة في البرلمان)).

ان عبارة "يؤخذ بنظر الاعتبار" لا تعطي ضمانات  لتمثيل المكونات في البرلمان أبداً، كما أنها تعكس إنطباعا بالفوقية وعدم القناعة بالمشاركة الحقيقية لجميع المكونات في رسم السياسة وإدارة السلطة التشريعية.. وهو إصرار على إبقاء حق المكونات ومنهم الكلدان السريان الأشوريين ضمن القرارات الدورية الصادرة عن البرلمان وعدم إرتقائه ليصل مصاف القانون الدستوري، وهو ما يمكن تغييره في أية لحظة بحسب الأهواء ومتطلبات كل مرحلة.

عاشراً: المادة (72):

((يراعى التمثل العادل لمكونات شعب كوردستان- العراق في تشكيلة مجلس الوزراء)).

وهنا أيضا ليست هناك اي ضمانات دستورية أو إستحقاقات شرعية لتولي المكونات لحقيبة وزارية، بل "يراعى ذلك" حسب الأجواء وخلفية ما مطروح من ناحية ملائمته للتوجه العام ووفق قناعة المكلفين بتشكيل الوزارة.

حادي عشر: الباب الخامس: المادة (106): أولا:

((يراعى في تشكيل المجالس المحلية والبلدية التمثيل العادل للمكونات الموجودة ضمن تلك الوحدة الإدارية أو البلدية وينظم ذلك بقانون)).

وهنا تتكرر مفردة المراعاة للمرة الثالثة، وهو أيضا ما لا يجزم بحق مشاركة المكونات في تشكيل الوحدات الإدارية ويترك الأمر للتفسيرات والتأويلات الكيفية.. كان من الممكن أن يتغير معنى المادة وروحيتها بتغيير كلمة واحدة فقط وهي، وضع كلمة "يشترط" بدل "يراعى".

ربما نكون قد أغفلنا بعض البنود أو المواد التي تعنى بحقوق الكلدان السريان الأِشوريين دون قصد، او أن تكون قد فاتتنا ملاحظتها، وربما نكون قد أهملنا البعض الآخر لقناعتنا بعدم تأثيره على الحالة العامة، أو تركناه لإشتراط تنظيمه بقانون.. وتبقى هذه ملاحظات ومقترحات نرجو ونتمنى أخذها بعين الإعتبار أثناء صياغة مسودات دستور إقليم كوردستان العراق للوصول إلى أفضل حالة من فهم وإقرار وتطبيق للحقوق المشروعة للكلدان السريان الأشوريين.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links