هوميروس الموصلي يطلق الياذته العراقية

أجرى الحوار / سامر الياس سعيد

                       هل من المعقول إن ينبثق من الموصل هوميروس جديد ليتصدى لملحمة تحاكي الياذة الاغريق الملتصقة بالآلاف السنين  لينعطف بها هذا الموصلي في مسار عراقي مغاير ؟!فعلا أنها مفارقة اصطدمت بمعطياتها وانا أتلقى خبرا من زميل حول إصدار لنصوص شعرية منتخبة حملت عنوانا مثيرا هو (الياذة عراقية ) فيما كان المؤلف قد اختار هذا المنعطف بعد إن ودع سنين شكلت يوبيلا ذهبيا نامت على الدكة كما يحلو إن يسمي المسرح باللهجة الموصلية الدارجة..هوميروس الموصلي هو راكان العلاف الذي أراد إن يبتعد عن خشبة المسرح التي الفته مخرجا للكثير من الملاحم والاوبريتات فكان ديوانه الشعري فرصة مهمة لإطلاق ما يتعري صدره من زفرات الألم إزاء ما يعتري عراقه من أحداث وظروف ومعه كان هذا الحوارلـ (بهرا ) الذي انطلق من ديوان الشعر مدخلا قبل إن يتفرع كنهر عراقي نحو جداول الفن المسرحي :

*ما الرسالة التي تريد إيصالها من خلال (الياذة عراقية )؟

-رسالتي تتلخص بشخص يحب العراق وإزاء ما يتعرض له من أحداث وظروف عصيبة لم تتبقى في أعماقي سوى آهات تحولت  إلى دفقات واعتبرها الأبسط لأقدمه للوطن الأغلى ..

*وهل هذه القصائد هي محاكاة لما قدمه هوميروس من الياذة كانت الأشهر على صفحات الزمن ؟

-ربما ترتدي قصائدي طابعا ملحميا لكنني أراها روافد تصب في مصب واحد هو عشق الوطن ..

*قد يستغرب البعض ميلك المتأخر نحو ناصية الشعر بعد خمسون عاما قضيتها في محراب المسرح ؟

-هنالك من ضمن القصائد ما يتعلق بتواريخ زمنية تمتد للسبيعينيات وقد لااجافي الحقيقة حينما أرى إن المسرح والشعر خطان مستقيمان لكنهما يلتقيان عند نقطة الإبداع ..

*مادمنا وصلنا إلى خشبة المسرح فهل لك ميل نحو اجتراح مسرحيات ذات طابع شعري ؟

-بالطبع فلدي كم من الأعمال التي كانت تدور في هذا المحور  وكلها كانت ذات طابع محدد بقضية وهذا ما يعزز ما يقال عني بأنني مخرج سياسي ..

*وهل للمخرج السياسي ادوار أخرى كان يكون مؤرشفا لزمن معين أو قضية ذات بعد تاريخي ؟

-كل أعمالي المسرحية ذات امتداد تاريخي بل هي مستوحاة من هذا العمق وقد استعين بأنموذج لأحد إعمالي المسرحية والمعنون بـ (حصار الموصل ) الذي كتب نصه المسرحي الدكتور حيدر محمود عبد الرزاق وقدم ثلاث مرات لأعوام غير متتالية وبصورة تختلف عن الأخرى فقد قدمناها لدائرة السينما والمسرح عام 84 وقدمتها نقابة الفنانين عام 90 فيما قدمنها في العام التالي في يوم المسرح العالمي في العاصمة بغداد وقد حصلت من خلالها على جوائز تقديرية خاصة إن فترة تقديمها ارتبطت بالحرب الثمانينية  وكانت ظلال الوضع تمنح العمل بعدا مختلفا كما قدمت أعمالا أخرى مستوحاة من تاريخ نينوى ذات الطابع الآشوري ومنها شعب الذرى  وكيف انتصر أهل نينوى على غزو العيلاميين  ودحرهم والإبقاء على عظمة نينوى بأصالتها الآشورية ..

*نقرا في سيرتك الذاتية ميلك المستمر للاطلاع على التجارب المسرحية وعدم اكتفائك بالمحلي بل تعدى التجارب الغربية ؟

-شخصيا سنحت لي فرصة الدراسة بأرقى الجامعات الفرنسية وهي السوربون لكن لظروف شخصية آلمت بي لم أكمل دراستي فتركتها عام 73كما إنني محب لكل الفنون الإبداعية وغير مكتف بالمسرح وشجونه فقد قضيت ليال في رحاب اللوفر أتفرس جمال اللوحات والأنامل التي تركت هذه الآثار المهمة فضلا عن إنني كنت قريبا من عرض بعض أعمال في فرنسا لكن ظروف الحرب الثمانينية أطاحت بقرب تحول اوبريت (سفر الأمواج ) إلى الصفة العالمية رغم انه بشهادة المتابعين حظي بالإشادة كما اعتبروه الأفضل من الاوبريتات المقدمة في العالم العربي خاصة في فترة عرضه التي كانت مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم ..

*وهل يعتري فن الاوبريت اليوم جملة من المعوقات ؟

-الاوبريت حسب ما يعرفه المشتغلون بهذا الجنس الإبداعي عمل فني له أدواته  وتقنياته كما يعتبر عملا جماليا موسيقيا إيقاعيا وهذا يقترب من صفة الإدهاش التي يملكها وهذا الفن ظلم هنا في العراق فهو حديث الظهور حيث عرفه العراقيون في ستينيات القرن المنصرم وقد تنوع بين فلكين احدهما مختص بالتشويق ومستمد من الفلكلور والآخر يستند على نص له بداية ونهاية ،سألتني فيما يواجه الاوبريت عوائق  وانا أقول انه كشأنه من الفنون يواجه تلك العوائق فقد شهد الفن المذكور في مدينة الموصل كمثال  ربيعا متزامنا مع أجواء مهرجان الربيع التي كانت تشهده المدينة في نيسان من كل عام ..

*وماذا عن توجهاتكم لإنعاش الاوبريت خاصة مع كونكم تشغلون  مسؤولية قسم الفنون المسرحية في مديرية النشاط المدرسي في تربية نينوى ؟

-فيما يتعلق بنشاطنا فإننا كل عام نقدم اوبريتا يعتمد في نسبته العظمى على الطلبة والتلاميذ فيما تبقى نسبة 10%مختصة بنخبة من الفنانين لكي تؤدي أدوارها المسندة بشيء من الحرفنة وقد قدمنا خلال الأعوام الماضية اوبريتات(شعب الذرى )و(القرية المسحورة )و(سفر الأمواج ) ..

*نقرا أيضا في سيرتك الشخصية تأسيسك مع نخبة من الفنانين المسرح العسكري؟

-كنت أؤدي خدمة العلم عام 70 فانتخبوني مع نخبة الفنانين لتأسيس المسرح العسكري واذكر من تلك النخبة الطيبة  الفنان الراحل راسم الجميلي  وعكلة علي وعبد الزهرة مناتي ومقداد عبد الرضا  وحازم جياد وكاظم الخالدي وآخرون ..

*لكن المسرح العسكري فيما بعد تحول إلى مجموعة من الأعمال التجارية التي تنافت مع فكرة تأسيسه فما هو رأيك؟

-انا ارفض الأعمال التي تبنى على صفة تجارية لكن أعمال المسرح العسكري وخاصة في فترة الثمانينات كانت ذات موضوع هادف لايتوازى مع فكرة الأعمال التجارية التي تستند على مجموعة من النكات التي لاتشكل موضوعا خالصا أو هدف معين ..

*ومارايك بواقع المسرح اليوم وما يعتريه من حالات شلل رهيب ؟

-انا ضد مصطلح الشلل الذي تنعت به المسرح فمسرحنا اليوم أشبهه بحالة صدمة حتى لو استطعنا استقطاب أفضل الفرق المسرحية فإننا قد لانقترب من الواقع الذي يعانيه المسرح أصلا وهو الوضع الراهن وانا بدوري اتسائل أين هي  فرقة المسرح القومي وبالمناسبة توليت إدارتها في عام 2002 واسترسل لماذا جمدت فسابقا كان ثمانية من أعضائها فقط من مجموع أكثر من 50 عضوا فيها  يتقاضون راتبا من وزارة الثقافة ..إذن الخلل الإداري هو  الذي نخر الواقع المسرحي  وجعله بالمنظر الراهن  وما يؤلم أكثر إن اغلب فنانينا باتوا يعملون مجانا دون إن تبادر جهة رسمية لرعايتهم وإبعادهم عن شبح العوز والفاقة ..هل تتصور إن الفنان العراقي هو الوحيد في العالم الذي يعمل مجانا أصبح عمري المسرحي خمسون عاما ولااتذكر إنني تقاضيت مبلغا عن أي عمل أخرجته ..

*وماذا عن تواصلك مع ما يقدم مسرحيا سواء داخل أو خارج القطر ؟

- لااتواصل مع أي منهم فمسرحنا اليوم إزاء ما يشهده الغرب من تطور وتقنيات ليس سوى (دكة )أو مكان مرتفع نسبيا عن الأرض ..نحن المسرحيين نبحث عن  الخط الرئيسي للحياة وهو المسرح لكننا للأسف لانجده عجلة مسرحنا الآن متوقفة أو تكاد تقارب فترة الأربعينيات لدى الغرب إما هم فقد تجاوزا بتقنياتهم فترة الألفية وماضون في أفق لايتحدد بزمانية محددة ..

*تبحث عن التجدد للمسرح فهل هو رغبة بثورية تنقلب على ظروف الروتين والبيروقراطية التي تجتاحه ؟

-كل عمل مسرحي  يندرج تحت خانة تصنفه لمدرسة معينة فإذا كان هذا المسرح لايمتلك من تقنية الإنارة أو الصوت شيئا مغايرا ..هل يمكننا ان نطلق على هذا الشيء مسرحا فحتى المسرح أصبح البعض يخطيء في تصنيفه ..عندما بني المسرح الوطني أطلق عليه خطا بالمسرح الدائري فيما الأصح هو المسرح الدوار حيث تتيح لمشاهديه فسحة لرؤية أمامية إما الدائري فمجال رؤيته تقترب بزاوية 180 درجة ..

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links