استهداف تللســقف ... ولعبة الأقوياء
نبيل شانو
للمرة
الثانية وفي غضون أقل من سبعة أشهر تـُستهدف القرية الآمنة الوادعة تللسقف
بانفجار سببته سيارة مفخخة ذهب ضحيته شهيدة كانت تعمل في إحدى رياض
الأطفال وكذلك إصابة عدد آخر من المواطنين .. وإذا كان الانفجار الأول قد
تسبب بعدد أكبر من الشهداء والجرحى وتدمير عدد كبير من الأبنية والممتلكات
والمحال التجارية والإضرار بأخرى وشمل ذلك أيضاً بعض المؤسسات العامة ، فإن
الانفجار الثاني قد تسبب بتدمير أكبر وأشد إضافة إلى ذلك فقد زرع عدم الثقة
في نفس المواطن البسيط الذي كان إلى ما قبل التفجيرين الإجراميين يتأمل
الأمن والسلام وينتظر الفرج بفارغ الصبر خصوصاً وأن القرية كانت قد أصبحت
ملاذاً "آمناً " للنازحين من مناطق مختلفة في الوطن .. فالتفجير الأول كان
صدمة غير متوقعة لأكثر أهلها تشاؤماً ، حيث كانت قد سبقته عملية بناء كبيرة
شملت بناء المساكن والمحال التجارية والكثير من المشاريع الاقتصادية
الصغيرة لإدامة زخم الحياة بعد عودة الكثير من أبناءها من المحافظات ونزوح
آخرين إليها ، نقول من الطبيعي أن تزدهر القرية مع قدوم رؤوس الأموال مع
القادمين .. ليفاجأ أهل تللسقف بتلك ( البهبهان) المحملة بكميات كبيرة من
المتفجرات وفي صباح يوم ربيعي مشمس انفجرت لتطيح بآمال المتفائلين والساعين
وراء رزقهم ولم يسلم الأطفال أيضاً في رياضهم ومدارسهم .. وكان من نتائج
ذلك العمل إيقاف الأعمال التجارية بشكل شبه كامل خصوصاً وأن القرية تعتمد
في اقتصادها على الأعمال الحرة والتبادل مع القرى والقصبات المحيطة بها ،
وكذلك توقفت تقريباً عمليات بيع وشراء الأراضي والعقارات حيث انخفضت
أسعارها إلى النصف تقريباً إلا أنه ليس هناك من يغامر ويشتري عقار في منطقة
أصبحت عرضة لهجمات انتحارية !!.. بسبب تفضيل الناس للهجرة و السفر خارج
البلد بدل الشراء ، بعد أن كانت الهجرة إلى الخارج قد خفت قبلها " قبل
التفجير الأول" حيث أخذ العديد من شبابها بالعودة إليها لغرض الزواج وآخرين
يحضرون لزيارة عوائلهم وأٌقربائهم أصدقائهم .. ليسير الحال على هذا المنوال
بين القائل أن ذلك العمل لن يتكرر وبين من يؤكد أن المستقبل يحمل بين طياته
كل مجهول ومفخخ !! .. ليفوز بالرهان أصحاب الرأي الثاني ، ويهز القرية مرة
أخرى انفجار آخر أمات أحلام المتفائلين وليحيل هذه القرية إلى ركام ليس
بأبنيتها فقط وإنما بالتكوين النفسي والمعنوي لأبنائها أيضاً .. بعد هذين
التفجيرين لم تعد تللسقف كما كانت سابقاً ، لقد أصبحت أشبه ما تكون بـ "
الأرض الحرام" رغم أنف أهلها المسالمين البسطاء ، هؤلاء المواطنين الذين
انتشروا في بقاع الوطن الكبير خلال التأريخ الحديث كما أشقائهم من القرى
المجاورة ليساهموا في عملية البناء والأعمار كأقرانهم في الوطن ليبدعوا
وليشكلوا ثقلاً نوعياً على الرغم من قلتهم عددياً ليكون شعارهم الأمانة في
العمل والنزاهة في التعاطي مع محيطهم الجديد ، ويشهد بذلك أهالي المناطق
ألتي حلوا ضيوفاً عليها ، حيث إننا كثيراً ما كنا نسمع البعض متفاخراً بأن
جاره أو شريكه في العمل من " المسيحيين" وكيف أن ذلك المسيحي يحمل كافة
الصفات الإيجابية من الصدق والأمانة والأخلاق العالية والالتزام بالعهود
والمواثيق.. لكن الأوضاع الآن قد تغيرت بسبب من تقلبات السياسة في الوطن
حالياً حيث أخذ الكل بجريرة البعض القليل من المسيئين من الذين لا يهمهم
مصير شعبهم ومستقبله ولا يقيمون وزناً سوى لمصالحهم الشخصية الآنيّـة ...
لا نريد أن نكون متشائمين هنا ولكن كافة الوقائع تدلل على صعوبة العيش ضمن
هكذا وضع، فمع غياب القانون الذي ينظم الحياة وانتشار العنف تتحول الحياة
إلى جحيم لا يطاق , فشعبنا لا يستطيع التكيف مع هكذا عنف حيث أصبح أصحابه
يتفننون بقسوته ، وهنا أصبح أصلاء البلد أمام ثلاث خيارات أحلاهما مر ..
الأول هو البقاء في أماكن سكناهم الحالية في المدن التي استقروا بها مع ما
يواجهونه هناك من عنف وخطف وقتل .. والثاني هو الهجرة خارج الوطن مع ما
يحمله ذلك من مجهولية المستقبل ، وهنا تعتبر هجرة المسيحيين إلى الخارج هي
الأكبر بين بقية المكونات وذلك حسب النسبة العددية .. أما الخيار الثالث
فهو التوجه من كل تلك المدن إلى سهل نينوى أرض أجدادهم ، مع صعوبة ذلك
حالياً لعدم توفر مساكن وأبنية يمكن أن تحتضن هكذا أعداد كبيرة ، لكن وبعد
استهداف تللسقف بهذه المفخخات أصبح هذا الخيار أيضاً غير مضمون النتائج ليس
لتللسقف وحدها إنما لكافة القرى الكلدوآشورية في المنطقة .
ما يبعث على الحزن هو الصمت
شبه المطبق على هذه الحوادث من قبل أولي الأمر والمكونات الكبيرة في العراق
.. لا نقول ذلك لأننا لسنا جزء من الحالة العامة في البلد وإنما لأن تأثير
ذلك علينا أكثر من الآخرين ، فمن يتخذ العنف سياسة يهدف من وراءه الحصول
على المكاسب السريعة وهو بالتالي يتوقع الخسائر كضريبة لما سيحصل عليه ..
أما هذا الشعب المسكين والمغلوب على أمره فليس في قاموس تعامله سوى السلام
والمحبة للغريب قبل القريب ، لذلك نقول يجب توقف هذه الأعمال ليس في
مناطقنا فحسب وإنما في كل أرجاء الوطن العزيز ، ومن يسكت عنها يكون كالساكت
عن الحق
|