الخيار الصعب بين التهديد بالموت والانتحار في المهاجر
خوشابا سولاقا
انه
حقا خيار صعب للغاية لمسيحيي العراق لان يختاروا بين التهديد الارهابي
بقتلهم او مغادرة ارض الوطن ارض الاباء والاجداد وبين التعاطف الاخوي
الاسلامي العراقي مع بقائهم واستمرارهم في ارض الوطن من جهة وبين المغريات
التي تقدم لهم من خلال دعوات بعض الدول الاوربية والامريكية لاستقبالهم في
المهاجر على خلفية مجزرة كنيسة سيدة النجاة من جهة ثانية.. نحلل هذه
الواقعة الاليمة التي تثير الشجون والآلام في النفس بشيء من العلمية
والعقلانية لكي نتمكن من الوصول الى القناعة المطلوبة للوصول الى الخيار
الافضل بين الخيارات المطروحة على الساحة لكي لانظلم انفسنا اولا والاخرين
ثانيا...
من الامور البديهية
والتي لاشك فيها ولا يختلف عليها اثنان حتى ممن يحملون القليل من العقل
والوعي الانساني، بأن ما حصل في كنيسة سيدة النجاة هو بحق مجزرة رهيبة بشعة
ذهب ضحيتها العشرات من الابرياء العزل من المسيحيين من الاطفال والنساء
والرجال لا لذنب اقترفوه او لجريمة ارتكبوها بحق غيرهم، بل لمجرد كونهم
مسيحيين وكانوا مجتمعين يصلون للرب ويتوسلون في دعائهم ليحل على العراق
والعراقيين الخير والسلام بشكل خاص وللبشرية جمعاء بشكل عام، انها كانت بحق
جريمة نكراء اقترفها هؤلاء الشواذ عن الاخلاق والقيم والاعتبارات الدينية
والانسانية بدم بارد، جريمة يندى لها جبين الانسانية وفيها الكثير الكثير
من الاساءة والتشويه على قيم الارض والسماء على حد سواء وعلى مباديء وقيم
الدين الاسلامي السمح بحد ذاته اولا قبل غيره من الاديان، ولكن نقولها كلمة
حق يجب ان تقال وعلى رؤوس الاشهاد وبصوت عال ان هؤلاء الشواذ الناقصين
لايمثلون الاّ انفسهم المريضة والحاقدة على قيم وثقافة الانسان ولايمتون
الى الاسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، وان التاريخ الطويل للتعايش
الاسلامي المسيحي في هذه البلدان وبالذات في العراق منذ صدر الاسلام الى
يومنا هذا خير دليل على ذلك، وهذا ما يؤكده ويظهره بجلاء القرآن الكريم في
الآيات الواردة في السورة الاولى منه الا وهي سورة البقرة حيث يظهر من
خلالها العلاقة التكاملية الجدلية بين الاسلام وغيره من الاديان السماوية
الاخرى، وهذا ما يجعل المرء في حيرة من امره ليقول الى اي قرآن يستند هؤلاء
الشواذ ليسوغوا سلوكهم الاجرامي هذا بحق غيرهم من ابناء تلك الديانات التي
يذكرها القرآن الكريم في سورة البقرة...؟ واي اسلام يعتنق هؤلاء القتلة
المجرمون...؟ هل هناك اسلام اخر غير الاسلام الذي يعبر عنه القرآن
الكريم...؟
ان وجود هؤلاء بهذه
الصورة البشعة هو جريمة بحق الاسلام وقيمه ومنهجه القويم، هؤلاء لايمثلون
الاسلام بأي شكل من الاشكال ولانكون منصفين اذا اعتبرناهم غير ذلك. ان من
يمثل الاسلام الحقيقي هم من يمثلون الجانب الاخر الجانب المشرق من الصورة
ذاتها الا وهم اولئك المسلمون العراقيون من العرب والكورد والتركمان والشبك
الذين استنكروا هذه الافعال والجرائم الشنيعة التي ترتكب بأسم الاسلام زورا
وبهتانا ونددوا بها اشد تنديد وبأقسى الكلمات والعبارات وببلاغة عربية
فصيحة، وتعاطفوا مع اخوانهم المسيحيين على طول العراق وعرضه بعاطفة اخوية
جياشة صادقة ومن خلال كل الوسائل الاعلامية المتاحة المقروءة والمسموعة
والمرئية الرسمية والشعبية، وقالوا ما قالوه من كلمات المحبة والمودة
الخالصة والمواساة وعبروا عن مشاعر الاخوة التاريخية والجيرة الحسنة
والموقف الانساني النبيل ما فيه الكفاية، وأشعروا من خلاله اخوانهم
المسيحيين بالامن والامان والطمأنينة ودعوهم بصدق واخلاص للبقاء بجانبهم في
ارض وطنهم كسكانه الاصليين وفعلوا الكثير الكثير من هذا القبيل لاثبات مدى
حبهم وتعاطفهم وتمسكهم باخوانهم المسيحيين، شتان ما بين الاثنين من
الفروقات النوعية بين هؤلاء النبلاء الشرفاء رسل المحبة والاخوة والتعايش
السلمي واولئك القتلة الشواذ المجرمين القادمين من وراء الحدود المعبئين
بروح الحقد وثقافة نشر البغضاء والكراهية بين ابناء الوطن الواحد هؤلاء
الذين لايفهمون غير لغة القتل والذبح والحقد الاعمى والتعصب الهمجي البغيض،
هيهات لكم من ان تتمكنوا من زرع ثقافتكم السوداء هذه بين العراقيين
النجباء، ان ذلك سوف يبقى مجرد حلم يقض مضاجعكم دوما لايتحقق في هذا الزمان
لان ارادة العراقيين للعيش مع بعضهم كأخوان مهما اختلفت اديانهم ومذاهبهم
وقومياتهم في وطن واحد اقوى بكثير من إرادتكم الاجرامية الهمجية وسوف
لاتحصدون في النهاية إلا الخيبة والخذلان والخزي والعار وسوف لايكتب
التاريخ عنكم إلا بما لحقكم من عار وسوف لايذكركم باكثر من مجرد كونكم
مجرمين سفاحين قتلة لايعون ولا يفهمون ما يفعلون، لا دين لكم ولا إيمان
بالله وبقيم السماء التي بشر بها كل انبياء ورسل الله، حيث ليس هناك دين من
الاديان السماوية ولا دين من الاديان الوضعية يؤمن ويدعو الى قتل الانسان
وزهق الارواح البريئة لاي سبب كان، حيث ان الاسلام هو الذي يقول في احدى
ايات القرآن الكريم "ومن قتل نفسا بغير ذنب فكأنما قتل الناس جميعا" هذا ما
يقوله القرآن الكريم، فمن اين جئتم بشرعية القتل للنفوس البريئة الذي
تمارسونه بحق غيركم..؟ وعلى وفق اي دين واي قانون تشرعون أحكامكم..؟
الاسلام منكم براء الى يوم القيامة يادعاة الباطل والشعوذة بأسم الاسلام...
ولكن بالمقابل اقول لهؤلاء القتلة من جهة ولابناء شعبنا الكلداني السرياني
الاشوري من جهة ثانية ان مجزرة كنيسة سيدة النجاة لاتنتهي عندها الدنيا
وليست هي حدود نهاية الكون بل هي بالنسبة لشعبنا بداية الحياة وتجددها في
ارض الوطن وهي مقبرة الاحلام المريضة للقتلة الارهابيين المجرمين كما يؤكد
التاريخ.
على اية حال ان موقف
الشعب المسلم في العراق كان موقفا نبيلا مشرفا ومنددا ومستنكرا لجريمة
مجزرة كنيسة سيدة النجاة وكان متعاطفاً الى اقصى الحدود مع اخوانهم
المسيحيين وكانت دعواتهم لهم بالبقاء في ارض الوطن ارض الاباء والاجداد
وعدم الهجرة قويه للغاية اي عدم الاستجابة الى تهديدات الارهابيين
المجرمين، انه في الحقيقة موقف نبيل ومشرف نتشرف به نحن ابناء الشعب
الكداني السرياني الاشوري لانه موقف رافض لتفريغ العراق من هذا المكون
الاصيل، ولكن ما يؤسف له اشد الاسف هو موقف بعض الدول الاوربية والولايات
المتحدة وكندا وغيرها من الاطراف المحلية على ما تقدمه من التسهيلات
القانونية لأستقبال المسيحيين الهاربين من الارهاب في مناطق سكناهم حتى وان
كان ذلك تعاطفاً معهم لدوافع انسانية بحتة الا انه عملياً يشكل دعماً
واسناداً مباشراً لتهديدات الارهابيين لتفريغ العراق من المكون المسيحي
الاصيل، اي انه هناك من يهدد ويجبر المسيحيين على مغادرة ارض الوطن العراق
وهم الارهابيون وهناك من يسهل عملية المغادرة والهجرة ويشجعها بتأمين
مستلزماتها وهو الدول الغربية وغيرها من الاطراف المحلية بدوافع انسانية ان
صدق القول وصفت النوايا وهناك من هم مستعدون للخضوع والاستجابة لكونهم
خائفين مرعوبين يبحثون عن النجاة والخلاص بحياتهم وهم المسيحيون من ابناء
شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في العراق والذين لا يعرفون ماذا ينتظرهم
في بلدان المهجر من صعوبات المعيشة والحياة وخراب البيوت وضياع الابناء
والبنات والسقوط في مهاوي العوز والرذيلة والغربة القاتلة ومن دون ان يعوا
اي مصير مجهول ينتظرهم، وماذا سيؤول اليه مستقبلهم كأمة ذات حضارة وماض
مجيد وكان لها اعتبارها ذات يوم، انه بحق انتحار امة بكل ما تعنية الكلمة
من معنى وزوالها من الوجود الى الابد..!!
عليه ادعوكم يا ابناء
شعبي الكلداني السرياني الاشوري الى البقاء والتشبث بالاستمرار مهما بلغت
التضحيات في ارض الوطن ارض العراق الى جانب اخوانكم من العراقيين المسلمين
الطيبين ممن وقفوا وتعاطفوا معكم في محنتكم، والدنيا لا تنتهي بكم عند
اسوار كنيسة سيدة النجاة بل هي اوسع افاقا ومساحة من ذلك بكثير مع فائق
اجلالي وتقديري للدماء الطاهرة للشهداء التي سالت على ارض هذه الكنيسة
المقدسة، فلتكن هذه الدماء ما يسقي شجرة الحرية والحياة الكريمة لبقاء
ابناء شعبنا في ارض الام ارض العراق الطيب ارض الاباء والاجداد ارض بابل
ونينوى وآشور، ان التضحيات هي ملح الارض وثمن الحرية وتكرم الانسان بالحياة
الكريمة، وهي طريق الخلاص لمن يبحث عن الخلاص من السقوط في مهاوي الفاقة
والظلم والبؤس والرذيلة، والا لماذا اختار ربنا يسوع المسيح له المجد ان
يضحي بنفسه على الصليب من اجل الخلاص الابدي للبشر وهو قادر على الخلاص
بنفسه من دون ان يصلب ويموت، انه فضل الموت على الصليب وفعل ذلك تضحية منه
من اجل الحياة الابدية ليعطينا درسا في معنى التضحية بالنفس ولانه اراد ان
يجعل من صليبه هذا رمزاً للتضحية والفداء في سبيل الحرية والحياة الانسانية
الكريمة ليقتدي به من يحمل هذا الصليب رمزاً له ويسير على دربه في الحياة.
ان تاريخنا الطويل
والعريق في العراق زاخر وحافل بمثل هذه التضحيات وهي التي مكنتنا من البقاء
والتجذر عميقاً في هذه الارض الطيبة المعطاء ومكنتنا من المحافظة على
وجودنا القومي النابض بالحياة الى يومنا هذا واغنينا تراث العراق بالعلم
والمعرفة والفنون والثقافة بالمستوى الذي اصبح العراق يزهو ويفتخر به الان
بين شعوب الارض قاطبة... لماذا لا نكون ابناء نجباء لأولئك الاباء والاجداد
الكرماء الافذاذ العظام الذين سقوا شجرة الحرية في ارض بيث نهرين بدمائهم
الزكية وسطروا تاريخ العراق الحضاري الزاخر بالعطاء الانساني بحروف من ذهب
عبر سبعة الاف سنة، ليورثوها لنا ولابنائنا واحفادنا من بعدنا وحملوها
امانة في رقابنا فما علينا نحن إلا ان نصون تلك الامانة ونرد لهم جميلهم إن
كنا أهلا لذلك.
|