المراحل
التاريخية لتطور المجتمع البشري..
المرحلة الرأسمالية
خوشابا سولاقا
ابسط تعريف للنظام الراسمالي هو انه يسمى المجتمع راسماليا حين يملك
الافراد وسائل الانتاج فيه، كالارض والصناعات، ويكون الانتاج فيه لمصلحة
هؤلاء الملاك الافراد.. وهناك في النظام الراسمالي راسمالية فردية،
وراسمالية دولة.
وتعتمد اساسا
الراسمالية على الملكية الفردية لوسائل الانتاج الصناعي والزراعي وعلى
السوق الحرة وعلى الانتاج من اجل الربح. ويحاول الاقتصاديون الراسماليون
وضع نظرية شاملة لتفسير نمو الراسمالية، ولكن كارل ماركس كان اخطر من وضعوا
اسسا نظرية لتحليل نمو الراسمالية تحليلا علميا دقيقا وفسر آليات عمل وتطور
الراسمالية وهو من قال ان النظام الراسمالي نظام مغلق ومتناقض ومحكوم عليه
بالانهيار عندما يصل الصراع بين القوى الانتاجية وعلاقات الانتاج ذروتها
عندها تحصل الثورة العمالية العالمية وتمهد الطريق الى ولادة مجتمع خالِ من
الطبقات وتبدأ مرحلة النظام الاشتراكي العالمي.
وقد تطورت الراسمالية
لانها لم تنشأ على الصورة المعاصرة، بل ظهرت تجارية تعتمد على التبادل وبيع
السلع في الحضارات التجارية. ثم تطورت الراسمالية بعد ظهور الصناعة والطاقة
التجارية واستغلال الالة في النظام الانتاجي لزيادة ونمو الانتاج كما ونوعا
بعد الثورة الصناعية في البلدان المتقدمة، لتصبح راسمالية صناعية، حيث كان
مُلاّك وسائل الانتاج في البداية مجرد افراد يملكون الصناعات، ثم ظهرت بعد
عصر استغلال الالة الجماعات الراسمالية اي الشركات لتحل محل اغلب الملاك
الافراد في نهاية القرن التاسع عشر، وقد مهد ظهور نظام الشركات المساهمة
للتركيز الشديد لراس المال، والاتفاقات والاحتكارات التي اصبحت لها قوة
ضخمة هائلة للتحكم في الانتاج والسيطرة على الاسواق والاستهلاك. ثم تطورت
الراسمالية فاصبحت راسمالية عالمية اي تملك الاموال وتقرض الصناعات عن طريق
البنوك والاحتكارات واصبح المال يباع كذلك بالفائدة. والماركسيون هم واضعو
النظرية القائلة بان الاستعمار ليس سوى مرحلة عليا من مراحل نمو
الراسمالية، بل هي اعلى مرحلة في نمو الراسمالية، لان الاستعمار ليس سوى
هجوم على الاسواق والمواد الخام، وان الحربين العالميتين ليستا الا حربين
لاعادة توزيع الاسواق العالمية بين الشركاء الراسماليين.
وهذه المرحلة من
الراسمالية يطلق عليها بالمرحلة الامبريالية واوجز تعريف للامبريالية انها
مرحلة الاحتكار في تاريخ تطور الراسمالية، ولكي يتسنى ادراك المضمون
الحقيقي الذي تنطوي عليه هذه المرحلة انه يتضمن المعالم او المظاهر
التالية:
اولا: تركز الانتاج
وراس المال الى الدرجة التي تبعث على قيام الاحتكارات الضخمة التي تسيطر
على الحياة الاقتصادية عالميا وتلعب فيها الدور الحاسم.
ثانيا: يحصل في هذه
المرحلة امتزاج راس المال المصرفي براس المال الصناعي مما ترتب عليه ظهور
قلة قليلة من رجال المال تتحكم في مجمل النواحي للنشاط الاقتصادي العالمي.
ثالثا: القيام بتصدير
راس المال الى الخارج. بحيث يصبح اكثر اهمية من تصدير السلع، وهذا التصدير
لفائض راس المال القومي يتخذ صورة استثمارات مباشرة تنصب في الغالب على
الصناعات الاستخراجية او انتاج الخامات او انشاء بعض الخدمات كالكهرباء
ومشاريع المياه والاتصالات، كما يتخذ تصدير راس المال القومي الى الخارج
صورة قروض مصحوبة بفوائد عالية.
رابعا: قيام الاحتكارات
الدولية التي تقسم العالم بمصادر ثرواته واسواقه فيما بينها وتعقد
الاتفاقات التي سرعان ما تنقض او تغير ميزان بين هذه الاحتكارات ذاتها.
خامسا: اتمام التقسيم
الاقليمي للعالم بين اكبر واقوى الدول الراسمالية.
ان التطورات التي طرات
على الراسمالية كانت لها اثار واضحة على سياسات الدول الراسمالية وبنائها
الداخلي فأنشأت الجيوش الهائلة وبنت البحريات الضخمة واشعلت نيران الروح
الوطنية العدوانية المتعصبة واستخدمت في هذا السبيل مختلف اشكال الدعاية.
واصبح التسلح ضرورة تعرض اتجاه الاستهلاك نحو الانخفاض وعمل الصراع الدولي
من اجل المصالح الراسمالية على تحويل الانظار بعيدا عن الصراع الطبقي في
داخل المجتمعات الراسمالية. وبعد ان اتمت الدول الراسمالية تقسيم العالم
فيما بينها دخلت في مرحلة صراع فيما بينها وكانت من نتائج ذلك الصراع نشوب
الحروب الكونية الاولى والثانية، وهكذا نجد ان الامبريالية هي وليدة
الاحتكار الراسمالي وان الحروب تكون وليداً حتمياً للامبريالية.
والامبريالية بحد ذاتها هي عقبة ضخمة في طريق التنمية الاقتصادية الحقيقية
في البلدان المتاخرة والمتخلفة لانها تعمل على ابقائها في حالة التبعية لها
ومصادرة ارادتها الحرة المستقلة وبالتالي سد الفرص امام المدخرات
والاستثمارات الوطنية.
ويرى المؤرخون للفكر
السياسي والاقتصادي ان معنى الراسمالية قد اختلف من بلد الى اخر وهكذا
تختلف ظروف كل بلد في طريقة ودرجة نمو الراسمالية. وتعاني الدول المتخلفة
التي كانت مستعمرة من ضعف الراسمالية الوطنية، لانها تزاحم راسمالية اجنبية
قوية، ولانها من جهة اخرى لا تملك الموارد ولا الخبرة لمواصلة المنافسة مع
الراسمالية الاجنبية، ولهذا السبب تعجز الراسمالية الوطنية في هذه البلدان
من تحقيق الثورة الصناعية فيها كما انها تعجز من تحقيق العدالة القانونية
والاقتصادية والاجتماعية اي العدالة بكل اشكالها.
وقد سعت الدولة
الراسمالية بكل ما تملكه من الامكانيات الهائلة بمختلف اشكالها في محاولة
منها لتاجيل الازمات الدورية التي تصيب النظام الراسمالي، كما ان كثيراً من
الدول الراسمالية بدات تطبق نظام التخطيط من اجل رفع درجة التنمية، وحتى
تخلص النظام الراسمالي من المتناقضات المهلكة او على الاقل تخفيف اثارها
السلبية عليه.
من الخطأ الظن ان في
الدول الراسمالية لا يوجد قطاع عام تملكه الدولة، لان الاتجاه الجديد في
الدول الراسمالية هو التخلي ولو بنسبة قليلة عن الراسمالية الفردية
الليبرالية وتشجيع نصيب راسمالية الدولة، هكذا نشأت ظاهرة راسمالية الدولة،
وهي تنشأ حين تملك الدولة جزءا من وسائل الانتاج.
وقد اعتبر الاشتراكيون
ان راسمالية الدولة قد تكون في المرحلة الاولى خطوة تقدمية لانها قد تفسح
الطريق للتحول الى الاشتراكية، لان راسمالية الدولة خطوة الى الامام
بالنسبة للراسمالية الفردية، ولكنهم في ذات الوقت يرون خطر بقاء راسمالية
الدولة حين تبقى علاقات الانتاج واجور العمال، وساعات العمل، والقيم
الانتاجية كما كانت في ظل الراسمالية الفردية.
ان من ايجابيات النظام
الراسمالي ان مفكري الراسمالية استفادوا كثيرا من نظريات كارل ماركس حول
جوهر الصراع بين القوى الانتاجية ومالكي وسائل الانتاج، مما ساعدهم ذلك الى
اجراء اصلاحات جذرية داخل هيكل النظام الراسمالي باتجاه تحقيق الكثير من
الانجازات لصالح القوى الانتاجية، بحيث تم تحييد طبيعة الصراع بين القوى
الانتاجية ومالكي وسائل الانتاج وظهور علاقات انتاج جديدة اكثر توازنا
وتقليص الهوة بين الطرفين، وبذلك استطاعت الراسمالية من تحويل هدف نضال
الطبقة العاملة لتدمير وتغيير النظام الراسمالي بالوسائل الثورية واقامة
دول ديكتاتورية البروليتارية كما توقع كارل ماركس الى نضال سلمي لتحسين
مستوى المعيشة بدفع الاجور وتحسين ظروف العمل وضمان مستقبل العاملين وتوفير
الضمان الاجتماعي والتامين الصحي، وهذا ما يطلق عليه في القاموس السياسي
بالاشتراكية الديمقراطية داخل اطار النظام الراسمالي كما هو الحال في معظم
بلدان اوروبا الغربية حاليا.
|