دردشة حرة مع خلية نحل كلدواشوريه في ديترويت

 

                                                                                      ثامر

              الحديث عن حُبٍ ينسجه وجدان الإنسان ويحكمه عقله هو غير الحب الذي تصوغه عوامل الجذب والميل الغرائزي لشهوة الانسان، فبوصلة حب الانسان لإنتمائه وأرضه وبني قومه تقوده بعقلانيه بإتجاه البحث عن الماكنة المنتجة لأدوات تقربه من شعبه وشــَد ِه ِ بأصوله ومفاخرأبائه وأجداده الخالدة.

أثناء زيارة شقيقي بولاية أوهايو الامريكيه، دعاني الصديق سلمان كساب من ديترويت  للمشاركه في حفل عشاء توديعي للوفود التي ستشارك في كونفرنس تنظيم الحركة "زوعا" في اميركاوكندا، لم تكن دعوة العشاء "الذي لم أحظَ به اصلا" سببا يستدعي للذهاب الى ديترويت التي تبعد عني خمس ساعات سياقة، لكن رغبة اللقاء بناشطي الحركة حثـتني على الإتصال بأصدقاء أخرين في الحركة لمعرفة إمكانية اللقاء بهذا الجمع المرتقب قبل جلساتهم وقبل دعوة العشاء، تعهد الإخوة بترتيب الفرصة قدر إمكانهم، وفعلا كان ردهم بان اللقاء ممكن مساء يوم 17 من حزيران اي قبل يوم من موعد الكونفرنس ويمكن تكرار ذلك في أمسيات ما بعد الانتهاء من جلساتهم.

كي يلتقي المرء بنخب من كوادر شعبه المبعثرة في أقاصي الدنيا، فهي تستحق عناء السفر، وهي فرصة مشرفة للتحدث معهم عن كثب، لذا قررت السفر الى ديترويت ولقاء الصديق زهير ككا الذي وافق على فكرتي بعد ان أعلمته بالامر.

 نحن نعتقد بأن مهام المناضلين المؤمنين بقضيتهم، تحتم عليهم الإستماع لكافة الآراء خاصة تلك الآتية من خارج تنظيمهم، وهذا ما حصل فعلا حين رحبوا بفكرة الإستماع الى آراء وإنتقادات ربما يتردد سياسيون آخرون  بقبولها، لا بل بدا الإخوه متلهفين لسماع ما قد يكون فاتهم من ملاحظات.  مساء السابع عشر من حزيران، أخذني الأخ زهير الى مقر الحركة في ديترويت حيث الوفود القادمة من مدن كندا و من شيكاغو و لوس أنجلس  وموديستو واريزونا وسانوزيه واماكن أخرى، كان من ضمن الحضورأصدقاء عدة وفي مقدمتهم الأستاذ يوسف إيشو مسؤول فرع أوربا للحركة الذي علمت لاحقا بأنه حضر خصيصا لمراقبة سير أعمال الكونفرنس، كالمعتاد بعد تعريفنا بالذين لم يسبق لنا معرفتهم تبادلنا التحايا، وبشكل عفوي إنساب الحديث حول احوال اهلنا ودورنا كمغتربين في مساندة بقايانا التي تحاصرها الاقدار على أرض الآباء.

في الوهلة الأولى، كنت أتوقع ردودا غير التي حظينا بها خاصة وأن بعض ملاحظاتنا كان فيها من القساوة ما يدل على ان همنا الاساس بعيدا عن اية مجاملات، هو حال شعبنا ومستقبله المجهول في وطنه العراق، ولكن ثبت خلاف ما توقعته، حيث ملامح الرضا بانت على الوجوه وهي تستمتع السماع الى إنتقاداتنا لا بل ردودهم الهادئة أغنت نقاشنا كي يتشعب اكثر، كإثارة موضوعة إستخدام صفة المسيحيين في خطابات الحركة وإنعكاساتها، وأهمية توسيع قاعدة العمل الجماهيرية من اجل مضاعفة تمثيلنا البرلماني، ثم تبعتها موضوعة تراجع نسبة المصوتين في مدينة شيكاغو ليجرنا الحديث الى أهمية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، كما تم الحديث عن أهمية مد الجسور بين مختلف تنظيمات شعبنا السياسية وهكذا ظاهرة تأرجح مستوى الإعلام المرئي والمقروء في أداء ما عليه، كما نالت ظاهرة الهجرة وآثارها حقها من النقاش وعلاقتها بسبل تعزيزالعمل القومي بخطاب وطني يتناسب وظرف العراق الحالي.

كانت غالبية الردود والتعليقات تؤيد وجود الهفوات والمعوقات التي أربكت وما زالت تعرقل عمل الحركة في بعض مفاصل نشاطاتها على الصعيدين الداخلي والخارجي مما يستدعي برمجة سبل معالجتها، نعم الجميع وبكل تواضع أقر بوجود المآخذ، و تعهدوا  ضمن المتاح بالسعي في بحثها و ترحيل ما يتعلق بشؤون الداخل لمناقشته في مؤتمر الحركة المزمع عقده في العراق ,ومن ضمن ما سرّنا هو مضمون تعليق الاستاذ يوسف ايشو بما معناه "أن العمل المشترك ومثابرة الجهود كفيلان لخلق الأرض الصلبة التي لن تتقوى أسسها الا بالتعاون المشترك مع القوى الوطنيه وعبر تلاحم الايادي داخل مكوننا القومي".

 غادرنا المكان الى مطعم قريب لتناول وجبة عشاء خفيفة ومن هناك إفترقنا على أمل اللقاء مساء اليوم الثاني 18 حزيران بعد الإنتهاء من جلسة يومهم الاول.

  بدأت صباحي التالي مع قريب لي بزيارة الأخ اديب زرا الذي أعلمني بان الاستاذ العزيز فاضل بولا "ابن عمومتي"  يود رؤيتي، شعرت حينها بحرج تجاه رجل قدير يفرض علينا مقامه الإجتماعي و تاريخه النضالي المعطاء أن نزوره بأنفسنا وليس العكس، لذا كانت مبادرة الاخ اديب باصطحابي اليه مشكورة رغم بعد المكان.

لمن لا يعرف الاستاذ فاضل بولا، فهو رغم تقدم سنـّه أطال الله  في عمره، إلا أنه ما زال يعمل بحيويه مع نجليه الشابين ستة ايام في الأسبوع، ولأن عطلته هي السبت فقط إقترح علينا اللقاء في بيته في اليوم القادم، لكن الوعد المقطوع مع جماعة الكونفرنس حال دون تحقيق رغبة العزيز أبو يوري، لذا رجحنا إنضمامه إلينا في اللقاء المزمع مساء السبت، وبينما نحن في حضرة  أبو يوري، علمنا بوصول الصديق العزيزسعيد يوسف سيبو قادما من سندياغو للإطمئنان على صحة شقيقه الأكبر أسطيفو "تيفو".

غادرنا ابو يوري  على امل ان نلتقي به مساء اليوم التالي متوجهين الى بيت الاخ زهير، كان بود الاخ اديب مرافقتنا في لقاء المساء لكن إنشغاله بالتزام عمل تصويري  في مدينة ويدنزر الكنديه حال دون ذلك.

الأخ سعيد سيبو هو خال الصديق زهير ككا، لذا إستقر الرأي على زيارته اولا وتفقد شقيقه الأكبر"تيفو" ثم من هناك يمكننا الذهاب الى اللقاء المزمع، لكن حين علم الاخ سعيد ببرنامجنا المسائي، قرر مصاحبتنا الى مقر الحركة لنجد الإخوة بأنتظارنا بعد تعب ساعات جلستهم، رحبوا بنا وبالاخ سعيد أكثر، وبسبب إحساسهم بالجوع، فضلوا اصطحابنا الى نفس المطعم للجلوس في إحدى زواياه واستكمال الحديث اثناء العشاء، امضينا ما يقارب ثلاث ساعات  دون أن نحس بها الى ان غادرناهم على أمل اللقاء مساء اليوم التالي.

في اليوم التالي اي يوم السبت، وحسب إتفاقنا على مرافقة الاستاذ فاضل بولا والاخ سعيد لنا كما أسلفت، ذهبنا انا والاخ زهير لاصطحاب الأخير معنا الى مقر الحركة، واذا بالاستاذ فاضل يطل علينا في بيت العم تيفو، توجهنا نحن الاربعة الى حيث الإخوة بإنتظارنا، رحب الجميع فرحين بإطلالة الأستاذ فاضل بولا وهو الشخصية السياسية والادبية والفنية المعروفة في أوساط شعبنا، وبعد ان إستهل الاستاذ يوسف ايشو اللقاء بكلمة مقتضبة أشاد فيها بمثقفينا وبمواقفهم، إبتدا النقاش في مداخلة الأستاذ فاضل، إذ تناول فيها أمورا في غاية الاهميه، منها تأكيده على ضرورة تطوير القابليات الفكرية والثقافية لدى منتسبي وناشطي الحركة الديمقراطية الاشورية، معززا كلامه، وبشهادة بعض الحضور، بعمله التطوعي قبل سنوات حين كان يلقي محاضرات تثقيفية لمنتسبي الحركة الجدد. أما الأخ سعيد سيبو، بعد أنتهاء الاستاذ فاضل من حديثه الممتع، إسترسل في مداخلته مضيفا ومؤكدا على ما أثاره الاستاذ فاضل، حيث كان الصديق سعيد هو الأخر يتكلم بحرقة وألم حول  قصور في ثقافة البعض من منتسبي تنظيم الحركة خاصة في سندياغو التي يعيش فيها، كان الجميع ينصت بشغف الى ملاحظة الاخ سعيد، وحال إنتهائه، بادر الأستاذ يوسف بطلب السماح بالتعليق على الملاحظة موضحا من خلال تجربته وعمله في السويد واوربا لبعض الأمور ثم تمنى أن لا يكون الاخ سعيد قد قصد تعميم الحالة حيث أكد الاخ سعيد بانه لم يقصد التعميم، ثم تبعه إخوة أخرون بمداخلات مقتضبة لكنها كانت في غاية الفائدة، منهم  الاخ زهيرالذي كعادته  أثرى الحوار بتأكيده على فكرة الإهتمام بالتثقيف الذاتي وبضرورة العمل المشترك لابناء هذه الامة بعد ان سلب منها الزمان التعيس كل مفاخرها وأمجادها.

بعد نقاش تخلله نقد وتوضيح لأمور عديده و بروح منفتحة أجمع الحاضرون على أهمية التحديث والتجديد من أجل مواكبة التطورات، بصراحة وجدت في هذه الخلية التي تضم في عناصرها كافة مكونات ومسميات شعبنا، وجدت فيهم من يسمي نفسه كلدانيا وهم الغالبية أكثر الظن، كما فيهم من يسمي نفسه أشوريا او سريانيا، لكن الأجمل  فيهم  ان  قاسمهم السياسي المشترك هو حاجة العمل سوية من أجل شعبهم وبإسمائه المختلفة متوحدين في المصير، في ذات الوقت أحسست أكثر باننا فعلا بحاجة الى هكذا اجواء حوارية  وتوسيع مستوياتها ولا ضير ان تختلف الأراء في بعض مفاصلها، المهم ان تكون النوايا متجهة نحو الدعم الجاد لاهلنا في تجاوز محنهم دون الترنح فوق القشور التي تخلق شرخا يتسع بإتساع جروح اهلنا، أحسست فعلا أن بإمكان نخبنا المخلصة أن تخطو الخطوة الجريئة خاصة عندما نركن فعائل الأنا  جانبا ونمنح لقضية شعبنا ومستقبله الاهمية التي عندها تتلاشى النوازع الآنية و أمام العمل الجاد يتم تذليل الصعاب في رحلة نكران الذات.

ختاما، كما نوهت في متن كلامي، لم  لم أحظَ بدعوة العشاء في بيت الاخ كساب بسبب إختلاف توقيت إنتهاء جلستهم الختامية و ذهابهم الى بيت الاخ كساب في موعد لم نكن قد هيأنا أنفسنا له، لذا إستوجب الإعتذار وتقديم الشكر للجميع، لكن المهم أننا حققنا شيئا كنا نتمناه رغم تواضعه، بل خرجنا منه بفكرة تتطلب التوقف عندها قليلا، فالعمل بالسياسة يتطلب الفعل الجماعي كما هو حال خلية النحل في تأدية عملها الذي لا يأتينا بالعسل اللذيذ إلا حين تستجمع الرحيق من مختلف أصناف الأزهار وتقســّم ألأعمال بحسب الكفاءات. الى المقال القادم وتكملة الدردشة لكن في شيكاغو

الوطن والشعب وراء القصد.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links