الحركة الديمقراطية الأشورية ومفهوم الأمن القومي

 

 

                                         هرمز طيرو

                         سيبقى السؤال الأساسي يدور دائماً حول ما هي سياسة الحركة الديمقراطية الأشورية تجاه اشتداد الفوضى الفكرية والأجتماعية والثقافية لدى جانب من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الأشوري ، وهل في وسع الحركة - زوعا أن تتبع سياسة حكيمة ومسؤولة ، سياسة تتجنب فيها مخاطر ذهنية الفوضى وكذلك تتماشى مع المكانة التاريخية والفعالة للحركة بوصفها القوة الحقيقية لهذه الأمة . 

     أنني دائماً أوكد أن دور الحركة الديمقراطية الأشورية يتسم بالبساطة على تأكيد بشكل بارز على استقلالية قرار الأمة الذي هو أساس فاعل للتضامن والأستقرار ، مع ذلك هنالك عناصر تحفز مجتمعنا للميل على جعل هوية الأمة تسير نحو الفوضى والأضطراب .

   مع أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين ، نجد أنه لا مثيل لقوة الحركة الديمقراطية الأشورية من حيث مداها السياسي على الصعيدين الوطني ( لقد مثلت الحركة - زوعا شعبنا الكلداني السرياني الأشوري في كافة المؤتمرات التي عقدتها المعارضة العراقية سابقاً من مؤتمر بيروت 1991 وحتى مؤتمر صلاح الدين 2003 ) والقومي ( حيث أن الحركة الديمقراطية الأشورية فازت بنسبة 80%  من أصوات شعبنا في اول انتخابات ديمقراطية في أقليم كردستان ـ العراق عام 1992 وفازت بنسبة 84% في انتخابات عامي 2004 و 2005 في عموم العراق وبلدان المهجر ) وكذلك في مداها الجماهيري داخل الوطن وخارجه ، أضافة الى محورية النشاط القومي النموذجي المتمثل في فكر وفلسفة وثقافة جديدة لم يوازيها الأخرون في طرحها أو ممارستها ، لذا فأن كل هذه العناصر وفرت للحركة الديمقراطية الأشورية نفوذاً سياسياً وجماهيرياً عالمياً لا نظير له ، مما جعلها في المركز الصدارة في ضبط الايقاع القومي وما من منافس لها على المدى المنظور .

     ربما يكون المجلس الشعبي الكلداني السرياني الأشوري الذي تاسس حديثا منافساً على الصعيد الاقتصادي ، لكن هذا المجلس يحتاج الى وقت طويل جداً لكي يحقق ( أو لا يحقق ) قدراً من الوحدة التي تمكنه من المنافسة على الصعيدين السياسي والجماهيري ، ولكن افتقاره الى الهوية الفكرية ( ولا نعني هنا الطرح الشعاراتي مثل الحكم الذاتي او غيره ، أنما البرنامج السياسي لتحقيق الاهداف ) وكذلك افتقاره الى البناء التنظيمي تشير الى عدم استناده الى الأسس المتعارف عليها التي تمكنه من المنافسة على المدى الطويل.  كما أن الحزب الوطني الأشوري الذي كان يعتبر نفسه منافساً للحركة الديمقراطية الأشورية يوماً ما ، قد خرج من السباق السياسي القومي لأسباب باتت معروفة للجميع ، وتتلخص في افتقاره للأسس التي طرحها بنفسه واعتمدها وتتمثل في النخبة الثقافية حيث توضحت هذه الرؤية أكثر بعد سقوط النظام السابق ، هذا الى جانب ما يعانيه من الالتباس منذ تأسيسه الذي يرجعونه الى عام 1973 ومؤسسه الأن في قفص الاتهام في الولايات المتحدة الأمريكية لعمالته للنظام السابق ، والالتباس الأخر ظهورهم بهذا الاسم عام 1996 بعد توسع نفوذ النظام السابق في مناطق الاقليم . اما حزب بيت النهرين الديمقراطي فقد خرج هم الأخر من المنافسة منذ مدة طويلة لأنه عانى الانشقاق وعدم نجاح محاولاته المتكررة للتوحد . في  حين يرجح أن يظل حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني وحركة تجمع السريان المستقل بتقديم نفسيهما ضمن شرائح محددة من أبناء شعبنا ،  فقيران نسبياً لحين انقضاء فترة لن تكون قصيرة رغم الجهود والدعم المتقدم اليهما ، لأنهما يواجهان مصاعب سياسية وفكرية ولا يقدمان حلولاً لها سواء للمرحلة الحالية او المستقبلية ، بأختصارلا يوجد ند سياسي قومي للحركة الديمقراطية الأشورية.

 وهذا خلل خطير في ديالكتيك  تطور المجتماعات في التاريخ ، الذي يقوم على المنافسة والندية في الطروحات الفكرية والثقافية المترجم الى عمل نوعي يؤدي الى التطور والارتقاء ، عليه فأن من مصلحة شعبنا ومن أجل تطور قضيته أن يكون في الساحة قوى تنبثق من واقع شعبنا وتكون صميمية غير مرتبطة بأطراف خارجية تتنافس مع الحركة – زوعا تنافساً فكرياً حضارياً برنامجياً وممارسة نضالية ينتج عنها تنامي الوعي العام لدى شعبنا ويزج طاقات اخرى جديدة الى ميدان العمل والمشاركة .  ومع ذلك تواجه الحركة الديمقراطية الأشورية مفارقة فريدة : فهي من ناحية تملك القوة السياسية والجماهيرية الاولى الى جانب القاعدة التنظيمية والمؤسساتية الاوسع بين أبناء شعبنا وأمتنا ، ومن ناحية اخرى تواجه وبشكل مستمر ومتزايد تهديدات نابعة من قوى سياسية داخلية هي اضعف من الحركة – زوعا  وقوى سياسية خارجية هي الأقوى من الحركة من الناحية البشرية والاقتصادية والاعلامية وغيرها . كما أن الحركة الديمقراطية الأشورية تمتلك نفوذاً سياسياً وطنياً لا مثيل له خلال العقود الماضية مما جعلها في موقع الحسد والاستياء وكذلك في محل الكراهية الشديدة لدى البعض ، حيث تم استغلال هذه الكراهية والتحريض عليها من قبل اكثر منافسي الحركة سواء كانوا قوميين ( عرب او اكراد ) او وطنيين ( ليبرالي – يساري – محافظ) او مذهبيين او عشائريين ، وأن تلك الاطراف شديدي الحذر في القيام بالتصادم المباشر مع الحركة، وأكثرهم اختار الطريق الثالث للتصادم ، ومثال ذلك استبعادها من التشكيلة الوزارية ومن الممثليات الدبلوماسية وغيرها .

     اذن أن الحركة الديمقراطية الأشورية تواجه في هذه المرحلة مخاطر أمن حقيقية ولها الحق أن تكون قلقة وحذرة على أمنها الخاص ، لأن أمن الحركة مرتبط جدلياً بالأمن القومي الكلداني السرياني الأشوري ، وعلى قادة الحركة الديمقراطية الأشورية بوصفهم الممثلين الحقيقيين لشعبنا ضمن ضوابط اللعبة الديمقراطية والقيمين على مقدرات أمتنا ، أن يسعوا الى تحقيق توازن دقيق بين الأمنيين الخاص والقومي . وهكذا نجد أن السؤال الاساسي الذي يواجه السياسة المركزية للحركة - زوعا : هل للحركة أحقية في المزيد من الأمن ، ولماذا الخوف المطلق من الحركة على الأمن القومي . ومن أجل تسليط الضوء على ما اعتبره تسأولات رئيسية نحتاج الى الاجابة الشاملة من الناحية الاستراتيجية وكما يلي :

اولاً : هل أن الحركة - زوعا تواجه تهديدات رئيسية حقيقيقة ؟

ثانياً : هل يحق للحركة الديمقراطية الأشورية الحصول على أمن أكثر نتيجة المكانة التي تحتلها وطنياً وقومياً ؟

ثالثاً : كيف يمكن أن تواجه الحركة الديمقراطية الأشورية التهديدات التي تصدر من عناصر ضعيفة من داخل صفوف شعبنا ومنافسين أقوياء من خارج شعبنا ؟

رابعاً : هل تستطيع الحركة الديمقراطية الأشورية أن تدير علاقاتها وبشكل بناء وأيجابي مع القوى الرباعية الأساسية في العراق ( السنية – الشيعية – الكردية – اللبيرالية )

خامساً : هل يمكن للحركة – زوعا وفي تناسق مع تحالفها الثنائي الراسخ مع المنظمة الديمقراطية الأثورية -  مطاكستا  ضم حزب الأتحاد الديمقراطي الكلداني وحركة تجمع السريان المستقل الى تحالف ينجم عن ذلك الى تأسيس شراكة أستراتيجية حقيقية ؟

سادساً : هل هنالك احتمال أن تؤدي تطور الاحداث الى ولادة فكر مختلف يتغذى من منافس قوي يواجه رسالة وفكر وثقافة الحركة الديمقراطية الأشورية ؟

اذن ، أن الإجابة على هذه التسأولات الرئيسية هي مجرد اجابات تدخل ضمن اطار الاستقراء والاستنتاج من المعطيات الموجودة في الواقع ، ونقطة انطلاقه هي في قدرة الحركة الديمقراطية الأشورية في تحديد أي من الأمرين سيتحقق :

اولاً : قيادة الأمة من أجل الاستجابة للمسؤولية التاريخية التي وضعتها الجماهير واصوات الناخبين على عاتق الحركة – زوعا .

ثانياً : الفوضى في الفكر القومي المتصاعد نتيجة تزايد التهديدات داخلياً وخارجياً ، وعدم وجود بديل واقعي لقوة ومكانة الحركة الديمقراطية الأشورية ، بأعتباره الطرف الذي يتحمل اعباء الأمن القومي الكلداني السرياني الأشوري .

                          مكانة زوعا والأمن القومي

لقد احتلت الحركة الديمقراطية الأشورية مكانة فريدة لدى كافة القوى الوطنية والقومية التي كانت تعمل من أجل جعل العراق بلد الحرية والديمقراطية ، وأخذت هذه المكانة تتوسع وتحظي بأعتراف على نطاق واسع ، يمكن لنا أن نجملها في :

قومياً : ألتفاف كافة القوى السياسية والأجتماعية والثقافية والكنسية حول الحركة الديمقراطية الأشورية والمنظمة الديمقراطية الأثورية  في مؤتمر بغداد القومي الذي عقد بتاريخ 22 / - 24 / تشرين الأول / 2003 ، والأعتراف بمقدار قوة ومكانة الحركة سياسياً واجتماعياً وثقافياً ، وتأثيرها في صياغة النظام القومي الأستراتيجي الجديد ، الذي يقوم على المصالح القومية العليا في الدرجة الأولى .

وطنيا ً : أختيار ممثلي الحركة الديمقراطية الأشورية بعد سقوط النظام السابق في نيسان / 2003  كممثلي لشعبنا الكلداني السرياني الأشوري في كافة مؤسسات الدولة ( التشريعية – التنفيذية – القضائية ) بعد أن كانت تمثل شعبنا في سلطات اقليم كردستان العراق منذ انتفاضة 1991 .

عالمياً : اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية في شهر كانون الأول من عام 2002

بالحركة الديمقراطية الأشورية كأحدى فصائل المعارضة العراقية للنظام السابق ، وهذا الأقرار صادر من القوة العظمى الأولى والوحيدة في العالم . هذا الى جانب علاقات الحركة – زوعا مع اطراف سياسية ورسمية وبرلمانية من مختلف الدول الاقليمية والاوربية ومع المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني .

قد لا يروق للبعض هذه المكانة والقوة والتفوق للحركة الديمقراطية الأشورية داخلياً وخارجياً ، وربما أخذ قسم منهم يشعر أزاء هذه الحالة بالحسد والامتعاض ، بل وفي بعض الاحيان اخذوا يتأمرون على الحركة ، لكنهم لا يستطيعون ولإسباب سياسية الكشف عنها بشكل مباشر ، وقد شهدت السنوات الأخيرة بعد عام 2003 محاولات بين الحين والأخر لابداء مثل هذه الممارسات ( تهميش – اقصاء – تعتيم اعلامي .. الخ ) لكن بلا طائل في ازاحة الحركة – زوعا والنيل من مكانتها وتقديم بديل عنها ، وسرعان ما اظهرت الأحداث على أن ما كان يلوح لهم في الأفق هو خط وهمي يتراجع كلما اقتربنا منه .

التاريخ كما يقول المؤرخ الكبير " ارنولد توينبي " هو سلسلة من الاحداث المتتالية ، وكذلك يمكن أن يكون سجل للتغير ، لأنه يذكرنا بأن لا شيء يدوم الى الابد وكل شيء في زوال مستمر ، بالأضافة الى ذلك فأن التاريخ يذكرنا ايضاً بأن بعض الأشياء تدوم لمدة طويلة ، وهذا ما سيكون عليه أمر الحركة الديمقراطية الأشورية من حيث القوة والمكانة والجماهيرية ، لكن هذه الهرمية للحركة سوف تتلاشى في وقت من الاوقات ربما لن يكون مبكراً كما يتمناه البعض بل متأخراً وذلك ضمن سياقات حركة التحولات التاريخية وفعل قوانين التطور الأجتماعي . لكن السؤال الاساسي سيظل قائماً : ما هو الأن وفي هذا الوقت بالذت البديل القومي الذي سيحل محل الحركة الديمقراطية الأشورية في الهرمية الجماهيرية والوطنية والقومية وأخيراً في الساحة خارج الوطن ، وما هو حجم الدمار الذي سيلحق بأستراتيجيتنا القومية في حالة الزوال المفاجيء للحركة ، وهل سينطوي الزوال في قوة ومكانة الحركة في نهاية المطاف على اعادة الاحزاب أو التنظيمات مثل ( الاتحاد الأشوري العالمي ، اللجنة العليا لشؤون المسيحيين.. وغيرهم)  الى قوتهم التي كانوا يمتلكونها في الساحة السياسية في عقد السبعينات من القرن الماضي ، هذا مع المأخذ الموجود عليهما حينذاك. بكل تأكيد فأن هذه القوى لا تستطيع أن تحل محل الحركة –زوعا ، لأنها أضعف وأكثر اعياء من أن تتولى مثل هذا الدورالدور، لأن الحركة الديمقراطية الأشورية خلال مدة العشرين سنة الماضية حازت على تفوق سياسي وثقة الجماهير واستطاعت وحدها أن تحافظ على مركزها مما ادى الى اتساع الفجوة خلال ثلاثة عقود ،  حيث اصبحت الحركة في مركز الصدارة ، يليها  بون شاسع مع الأحزاب الأخرى .

أن قوة كافة الأحزاب الرئيسية الموجودة في الساحة حالياً اضعف بكثير كما قلنا سابقاً من أن يملأوا الفراغ ، وكذلك من غير المرجح أن تحقق فيما بينها ( وأن دعت ذلك ) الوحدة السياسية التي تمكنهم من استقطاب الارادة الشعبية للتنافس مع الحركة الديمقراطية الأشورية في الميادين السياسية والفكرية والثقافي اضافة الى الميدان الجماهيري ، لأن قيام وحدة أو ائتلاف حقيقيين بين هذه الأحزاب ، هو احتمال ضعيف وبعيد جداً بحكم الصراعات التاريخية بين المرجعيات الروحية والفكرية لتلك القوى مضافاً اليها الصراعات التقليدية من النواحي المذهبية والفئوية والعشائرية والمناطقية ، مما سيولد حالة من الافتقار الى التماسك والقدرة اللازمة لإزاحة الحركة – زوعا عن موقعها ومكانتها والمحافظة على الأمن القومي .

على أي حال ، فأن بعض القوى البارزة والفعالة في مجتمعنا مثل ( الاتحادات الطلابية والشبابية والنسوية والمراكز الثقافية والأجتماعي اضافة الى القوى السياسية الحرة ) وقفت وستقف الى جانب الحركة الديمقراطية الأشورية في المنعطفات والتحديات الكبرى ، بل أن أي تراجع واضح في قدرات الحركة سيدفع هذه القوى التي تعتبر ركيزة مهمة من ركائز المجتمع المدني الى تكثيف الجهود من أجل تعزيز من مكانة الحركة وأدامة قوتها ، وهي وحدها المؤهلة لخلق بديل عنها ولن تترك الساحة لطرف ما ، هزيل ومنهزم او تابع .

    وأستناداً الى ما تقدم ، نجد أن الخلاصة نستطيع في أن نجملها في أمرين :

اولاً : لا يمكن وعلى المدى المنظور الأستغناء عن دور وقوة ومكانة الحركة الديمقراطية الأشورية من أجل الأقرار واستعادة الحقوق القومية المشروعة لشعبنا في سهل نينوى وباقي مناطق الوطن ، وكذلك في المحافظة على الأمن القومي الكلداني السرياني الأشوري .

ثانياً : أن التحدي الرئيسي الذي يواجه وسيواجه الحركة الديمقراطية الأشورية لا يمكن أن ينبع الا من الداخل وذلك لسببين :

  أ – عدم استخدام الحركة الديمقراطية الأشورية استراتيجية " الأمن القومي " وهو مصطلح يمكن تفسيره لحشد الواعين الخيرين من أبناء شعبنا افراداً ومؤسسات في جهد مشترك من أجل صياغة نظرية جديدة لصيانة مفهوم الأمن القومي .

  ب – عدم استغلال الحركة الديمقراطية الأشورية لمكانتها القومية والوطنية والأقليمية والدولية وقوتها الجماهيرية من أجل احتواء الأحزاب السياسية الأخرى التي تنهل من خارج البيت القومي .

               تعريف الخطر الجديد للأمن القومي

منذ مذابح بدر خان بك أواسط القرن التاسع عشر وبعدها احداث الحرب العالمية الأولى ثم مذابح سميل والخسائر البشرية والمعنوية والمادية الهائلة وضعف الديموغرافيا نتيجة خسارة الأراضي والقرى ومناطق شاسعة من اماكن السكن التاريخية لشعبنا وعمليات النزوح الكبرى ،  فأن الانسان الكلداني السرياني الأشوري يحس ويشعر بأن فقدان الأمن هو القاعدة ، والأمن الجزئي بين الحين والأخر هو بمثابة الشذوذ عن القاعدة ، عليه فأن الشعور بأنعدام الأمن يتصاعد وينتقل من جيل الى اخر ، وأن السعي الى حماية الأمن القومي بأعتبارها (أستراتيجية دائمة ) هو الاولوية في المسؤوليات والمهام   للحركة الديمقراطية الأشورية بوصفها القوة الفعالة في مواجة التحديات المركزية ، وكذلك الى ترجمة التأييد الجماهيري الواسع الى برمجة مسألة الأمن القومي الى استراتيجية بعيدة المدى ، أضافة الى تعزيز أمن الحركة الديمقراطية الأشورية الذي يعتبر مكون جوهري من مكونات الأمن القومي بالنسبة الى شعبنا وأمتنا.

عليه ، يتعين اعتبار أمن الحركة الديمقراطية الأشورية مرتبطاً بشكل وثيق بالوضع القومي ، لذا تشكل كيفية تعريف " الخطر الجديد " للأمن القومي قضية أساسية في فهمها  بدءاً بالأخطار الأستراتيجية وصولاً الى الأخطار غير المألوفة ، لأن مسألة تعريف الأنسان للخطر تحدد بعد ذلك طريقة الرد على ذلك الخطر وأن يفرق بين الشركاء التاريخيين والحلفاء الانتهازيين والعداء المكشوفين والمناوئين السريين .

ونظرأ لأن شعبنا الكلداني السرياني الأشوري يعتبر من الشعوب الواعية والمدركة للمجريات العامة ، لذا سيكون من السهل عليه فهم هذا التعريف ، وأن يكون مستعداً من تحمل التضحيات االلازمة لمواجهة التهديد . لذا فأن معضلات الأمن القومي في العقود الاولى من القرن الحادي والعشرين ستختلف من معضلات القرن العشرين المنصرم من حيث الاتصال والارتباط التقليديين بين السيادة الذاتية والأمن القومي ، في حين هنالك مشابهة من حيث العنف الاجرامي المتمثل بالأرهاب النفسي والسياسي والأجتماعي . وأن قدرة الحركة الديمقراطية الأشورية على الرد على الخطر قد تكون مقيدة وذلك :

اولاً : لعدم وجود وضوح في مصدر التهديد من قبل الأخرين .

ثانياً : عدم التقاء العامل الذاتي مع العامل الموضوعي في تعريف وفهم الخطر الجديد للأمن القومي .

ثالثاً : ما مقدار الأمن القومي الذي ينبغي للحركة الديمقراطية الأشورية من تحقيقه بشكل أحادي ، وما المقدار الذي يتوقف على التعاون بين الحركة والأطراف المتعدة الأخرى . ومع ذلك ، نجد أن العاملين الأستراتيجيين اللذين سيواجهان شعبنا الكلداني السرياني الأشوري على المدى البعيد هما :

اولاً : اعتماد شعبنا وبشكل اساسي على قدراته الذاتية .

ثانياً : الانخراط في عملية تحول مبدئي وعملي ودقيق لبناء شراكة استراتيجية مع المحيط الوطني العراقي .

وأن الرد الفطري لمعظم أبناء شعبنا على هذين الخيارين ، فهو تفضيل الجمع بين الذاتية والوطنية ، مع التركيز وبدون شك على الأحتفاظ بتفوق الحركة الديمقراطية الأشورية ، لأن قوة ومكانة وتفوق الحركة هو الخيار المفضل لدى الشرائح الواعية في المجتمع من أجل الحفاظ على الأمن القومي .

غير أن قوة ومكانة الحركة الديمقراطية الأشورية لا تعني القدرة على فعل كل شيء ومهما كانت الوسائل المفضلة ، فأن الحركة بحاجة الى اجراء دراسة متأنية لتلك القوى السياسية داخل المجتمع الكلداني السرياني الأشوري ، أضافة الى القوى السياسية والاجتماعية داخل المجتمع العراقي ، والتي لها دور فعال في بناء نظام راسخ وأمن ، ومعرفة أي من الخيارات المتاحة امام الحركة من أجل تحديد مصالحنا العليا ورعايتها بكفاءة ، وأي من هذه القوى السياسية يمكن التسامح معها ، قبل أن يغرق شعبنا بدون شك في ازمة من الفوضى السياسية ، لأنها تحتل ولا تزال الخطرالأكبرعلى مستقبل شعبنا ومن ثم الحاق الضررالكبير بأمننا القومي .

ومع ذلك ، فأن النخبة السياسية والطبقة الواعية والمثقفة من أبناء شعبنا تدرك هذا التحدي الأخير تماما ، وبالتالي يمكننا توقع استمرار الحركة الديمقراطية الأشورية في بذل جهود كبيرة في تحسين قدراتها الذاتية  والتي سوف تشمل حسب تقديري تغير في الأستراتيجيات مع الثبات في المبادىء وتطوير التكتيك مع التشديد على الترابط بينهم.

                               خاتمة وخلاصة

في العقود القادمة ستستمر الحركة الديمقراطية الأشورية في تفوقها وقوتها ومكانتها الجماهيرية وهذه احدى حقائق الملموسة ، فليس لأحد بما في ذلك الحركة – زوعا نفسها خيار أخر في هذه المسألة سوى القبول بهذه الحقيقة . أذن ينبغي على الحركة نتيجة تعاظم دورها أن تحدد لنفسها ولشعبنا وأمتنا الاهداف المحورية للأمن القومي ، مع تحديد التحديات الأستراتيجية الأساسية الذي يواجهها أمننا القومي . وادناه حسب تقديري اهم هذه التحديات :

اولاً : تدخل جهات خارجية وهيمنتها على القرار السياسي داخل مؤسسات وتنظيمات وصفوف شعبنا وعلى الشكل التالي :

أ – في العقدين السابع والثامن من القرن العشرين الماضي ، اوجد حزب البعث العربي الأشتراكي في العراق موطىء قدم مع اختراق واضح لجدارنا القومي من خلال بعض من مؤسساتنا الأجتماعية والعائلية ( نادي سنحاريب العائلي – نادي الأثوري العائلي – وغيرها من الاندية التي شجع على تأسيسها وكل منها خاص بقرية وعشيرة او منطقة ليزيد الفرقة والتباعد.. الخ ومؤسسات دينية وسياسية ( مجلس الطائفة الأثورية – حزب الأثوري الديمقراطي ) وغيرها ، اضافة الى نفوده وتدخله في امور الكنائس ، وهذه سياسة قديمة جديدة ومستمرة ومطبقة الأن في وضع رجال الدين في الواجهة ودعمهم مادياً وأبراز دورهم سياسياً .

ب – نتيجة المشاركة المكثفة لأبناء شعبنا في مساندة الحركة الكردية وفي الحزب الشيوعي العراقي المتحالف معها ، لعب الحزب الديمقراطي الكردستاني دوراً كبيراً في شؤون شعبنا كتأسيس اللجنة العليا لشؤون المسيحيين في السبعينات ، ودعم في الثمانينات جماعات اخرى مثل التجمع الديمقراطي الذي تحول الى الاتحاد الديمقراطي الأشوري ، وبعد الأنتفاضة ومن بعد سقوط النظام السابق دعم ظهور عدد كبير جداً من احزاب وجمعيات بعناوين – ثقافة – اعلام – فضائية – لجنة تنسيق – مجلس شعبي – مجلس خيري ..الخ ، وكلما سقط عدد منها ظهرت واجهات اخرى .

ثانياً : الصراع المذهبي المستتر والذي يتجلى بشكل صارخ في الموقف من التسميات ( المركبة أو الموحدة ) حيث تختفي خلفه الكثير من المشكلات الداخليةالأخرى والتي لا يفصحون عنها بشكل علني .

ثالثاً : وجود تنظيمات كلدانية سريانية أشورية متطرفة فكرياً ، تمكن الطرف الخارجي من تغذيتها وتحريك خيوط بعضها بشكل او بأخر ، مباشر او غير مباشر،  لتحقيق الغايات التي تسعى هذه الاطراف من الوصول اليها .

رابعاً : غياب الخطوات العملية الملموسة على طريق وحدة الكنائس او حتى تقاربها ،  وانعدام الثقة المتبادلة بين جميع هذه الكنائس ( الكلدان الكاثوليك – السريان الكاثوليك – السريان الأرثوذكيس – المشرق الأشورية – الشرقية القديمة - وأخيراً الأنجيلية ) مع تنامي خشية بعضها من البعض الأخر ، ومن ثم انعكاس هذا الصراع المستتر على أمننا القومي من كافة النواحي السياسية والأجتماعية والثقافية .

خامساً : ما العمل ؟

هذا هو واقع أمننا القومي حالياً ، ولا يمكن لأي من أبناء شعبنا مهما طال الزمن أو قصر أن ينكر بأن أمننا القومي يجب ان لا يكون مستباح ومخترق ، وبشكل بات يهدد وجودنا وهويتنا . والسؤال المطلوب الاجابة عليه : ما هو دور المنظمات الجماهيرية والشبابية والطلابية والجمعيات الثقافية والأجتماعية والنخب الواعية في المجتمع ، بالأضافة الى القوى السياسية وفي طليعتهم الحركة الديمقراطية الأشورية في صد هذه الهجمة الشرسة ووقف المزيد من التدهور والخرق لنظام الأمن القومي الذي هو المصدر الأساسي والحاسم في تحديد هويتنا ووجودنا وحقوقنا المشروعة في وطننا . ولأجل تحسين وحماية أمننا القومي نحتاج الى :

اولاً : الشعور بأن الأمن الخاص ( فرد أو جماعة ) لا يمكن أن ينفصل عن الأمن القومي ، بل هما مكون واحد ، ويجب أن يشعر الجميع به من أجل أن يضحي الجميع من أجله .

ثانياً : نحن بحاجة الى مؤتمر قومي جامع وشامل يدعو له : الحركة الديمقراطية الأشورية – المنظمة الأثورية الديمقراطية – حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني – حركة تجمع السريان المستقل ، ولا يعقد المؤتمر في العراق أو اي بلد مجاور له دور سلبي في العملية السياسية الوطنية ، بل في بلد اوربي ، وعدم وضع أي شروط ملزمة على المشاركين سوى الشرط الوحيد هو أن تكون جميع الاطراف المشاركة لها الرؤية السياسية المستقلة ، لا تخضع ولا ترضخ لهذا الطرف أو ذاك ، وتلتزم بتنفيذ القرارات التي يتوصل اليها المؤتمرون ولها القدرة والامكانية في المساهمة في تنفيذ المقررات . وفي حالة عجز المؤتمر من تحقيق اي تقدم ، فلا بد أن يتحول الى مؤتمر اوسع يشارك فيه ممثلوا كافة القوى الفاعلة في المجتمع من الشخصيات السياسية المستقلة ، اكاديميين ، مثقفين ، اعلاميين ، فنانين ، ممن هم داخل الوطن أو خارجه ، بل ودعوة بعض السياسيين والخبراء الدوليين المتعاطفين مع قضيتنا ، والذين لهم الخبرة المتراكمة في سبل ووسائل حل المشكلات من أجل المساعدة في الوصول الى القواسم المشتركة نتفق عليها جميعاً .

ثالثاً : العمل على وقف نزيف الهجرة الذي بات يهدد وجودنا القومي على ارض الأجداد فلا معنى لمفهوم " الأمن القومي " ولا معنى لكلمة " الحقوق المشروعة"  بدون الوجود القومي على الأرض . وهذا الموضوع مرتبط بالظلم التاريخي على شعبنا من المذابح والتهجير القسري وخسارته لمناطق شاسعة من موطنه واختلال الديموغرافيا لغير صالحه ، فأن هذه العوامل مجتمعة هي من الاركان الأساسية للأمن القومي الأستراتيجي لشعبنا ، وتتطلب دراسة مفصلة ووضع الحلول والسياسات والخطوات  الناجحة ، وعلى الجميع الاطراف الالتزام بها والعمل بموجبها . 

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links