العنف
والتطرف الحالي في المجتمع العراقي نتيجة لتأثيرات أجندة خارجية..
أم وضع
طارئ في طريقه للزوال ؟
نبيل شانو
العنف هو من الأمور السلبية في اي مجتمع، وفي حال استمراره لفترات طويلة
فأنه يخلق مجتمعاً مريضاً لا يؤمن سوى بالتطرف وفي كافة اوجهه وصنوفه، ومما
يؤسف له أن العنف والتطرف اصبحا والى حد بعيد مرض العصر وفي كثير من بقاع
العالم، ويُسعى من ورائهما تحقيق اهداف وسياسات خاصة عن طريق القوة
والاكراه، والمجتمع العراقي كجزء من الحالة الانسانية الاكبر، يؤثر ويتأثر
بالمستجدات الفكرية الاخرى سلباً أو إيجاباً، فخلال عصرنا الراهن لم يعد
بمستطاع احد اخفاء المفاهيم والأفكار الجديدة، من التي تدخل في صلب حياة
الناس وتؤثر فيهم، وذلك نتيجة للثورة المعلوماتية الهائلة وعولمة الأفكار
وتطور وسائل الاتصال السمعي والمرئي ووسائط النقل، ذلك التطور الذي لم يعد
بالإمكان حصره أو إخفاؤه.
والعراق-قدر تعلق الأمر
في موضوع العنف والتطرف- لم يكن سابقاً ساحة لهذين المفهومين وضمن أي
مستوى، أو تحت اي عنوان مجتمعي أو سياسي، شاهدنا على ذلك أنه وخلال تاريخه
الحديث لم يكن لديه احزاب أو منظمات متطرفة بالمعنى الشائع للكلمة "من التي
تحمل صفة الدين والقومية وحتى المذهبية كشعار لعملها"، بل كانت الاحزاب
والمنظمات العاملة في الساحة وطنية من ناحية العمل والهدف، حيث يعكس
أعضائها حالة التعددية المجتمعية، تلك التعددية التي لم تكن تمثل مشكلة
حينها، حيث كان يقتصر الولاء على المجتمع الاكبر كخيمة تبسط بظلالها على
الجميع دون استثناء، عليه فقد كان العراق وبحق بلد "الوسطية" المنفتحة على
الآخر، وهذا ما كان يميزه عن بلدان المنطقة الاخرى - باستثناء نموذج أو
نموذجين هنا وهناك- بصورة عامة.
ان العراق اليوم وهو في
طور الانتقال الى عهد جديد لم تتضح ملامحه بعد، محاصر بقرارات مجلس الأمن
الدولي وتحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، تجعله بالتالي عرضة
وساحة لمخططات الفعل ورد الفعل من قبل الجهات الفاعلة "دولية وإقليمية"
والراغبة في التدخل في شؤونه الداخلية، يساعدها في ذلك وضع أمني غير مستقر
ساهمت في تفاقمه عقود من المغامرات العبثية، وخير مثال على ذلك الصدام بين
القوى الخارجية على الأرض العراقية هو ما يجري من تصفية الحسابات بين
اميركا وإيران، مع ما يعنيه ذلك من تسويق لأجندات خارجية، تلك الاجندات
التي من الطبيعي أن تعتمد العنف والتطرف في عملها، كل لصالح أهدافه الخاصة
سواء القريبة منها أو البعيدة المدى، والوقود هو الشعب العراقي بصورة عامة
كأدوات وضحايا.
اما ما يخص الداخل
العراقي والعلاقة بين الفرقاء داخل المجتمع الواحد، فقد ظهرت وبشكل لافت
تيارات وأحزاب يصعب حصرها تعمل تحت يافطات دينية ومذهبية وقومية من ناحية
الفكر والممارسة في وضع لم يعهده البلد سابقاً "كما أسلفنا"، لكنها في
غالبها الاعم تشترك في مفهوم واحد وهو التطرف، حيث حب السلطة لديها اصبح
مرضاً مستشرياً، واستخدام العنف في بعض الأحيان كوسيلة لتحقيق غاياتها،
فهناك من يسعى الى كسب ودّ البسطاء وتأييدهم بدغدغة المشاعر بشعارات دينية
ومذهبية، وإسنادها بفتاوى تدفع المواطن لاعلان تأييده لمجموعة بعينـها دون
غيرها حتى لو لم تحمل تلك المجموعة من الوسائل والآليات الصحيحة والواقعية
للتعامل مع المواقع المتقدمة على الساحة السياسية!، فالمهم هو الوصول الى
تلك المواقع وبالتالي تحقيق الكسب "المادي" والاعلامي لادامة زخم تلك
المجموعة في الحياة العامة والرسمية.
وهناك من يسوق العنف
كشعار لمقاتلة "المحتل" أو من يتدخل في الشأن الداخلي من دول الجوار، كونه
اقصر الطرق وانجعها في الحصول على التأييد الشعبي، ومن ثم التأثير على
الشعوب المجاورة لتضخ الى الشارع العراقي بمن آمن بشعاراتها كقنابل موقوتة
تلهب الوضع غير المستقر اصلاً ، وكذلك من اشكال التطرف الاخرى وهو التطرف
العرقي أو القومي "الشوفيني"، حيث تحولت الحالة من تعايش سلمي مبني على
التسامح وعدم التفريق الى حالة مناكفة وصراع للتشبث بالمكاسب المتحققة بعد
عملية التغيير، هذه المكونات التي افرزت مسؤولين عمقوا من التطرف لدى
القاعدة لغايات تصب في مصالحهم ابتداءًا، ومن ثم تثبيت أقدامهم كرعاة
"سرمديين" لتلك المكونات، فكان من نتائج ذلك أن حصلت حالة التقوقع في اماكن
ومدن بعينها، بل وحتى شارع بعينه!، فأصبحت هناك صعوبة في التواصل بين
المكونات والضروري لفتح صفحة جديدة للقاء والحوار بقلب مفتوح، والاتفاق على
أن ما جرى منذ خمس أعوام لا يصب في مصلحة أحد على حساب آخر.
ان ما يؤيد صحة ما
اوردناه اعلاه هو فشل أو في احسن الأحوال جمود عملية المصالحة الوطنية التي
دعا ويدعو اليها الجميع، فعلى الرغم من عديد النداءات والندوات والمؤتمرات
واللقاءات، إلا أن المتابع يشعر بأن الأغلبية قد آثرت المشاركة
"البروتوكولية" من باب رفع العتب دون وجود نيّة صادقة في نسيان الماضي
المؤلم، ذلك النسيان الذي يمثل حجر الزاوية في المصالحة للوصول الى التسامح
والعيش المشترك وبالتالي نبذ العنف والتطرف.
في ختام مقالنا هذا
نقول أن العراق يتكون من فسيفساء ديني وعرقي ومذهبي وثقافي متعدد، ولأجل
ذلك فأن العنف والتطرف سيؤدي الى وقف تقدمه العلمي والاقتصادي والمعرفي
اللازم لتقدمه وتطوره، وبالتأكيد سوف يودي بالبنية التحتية المتهالكة اصلاً
ناهيك عن عدم بناء وعمل ما يوفر الراحة للمواطن البسيط، بل أن استمرار هذا
العنف والتطرف سيؤدي "لا سامح الله" بمستقبله ومستقبل أهله وشعبه، ولن
يستثنى أحد من هذه النتيجة الكارثية، كون الجميع سيجد نفسه وقد تحول إلى
وقود للآخرين شاؤوا أم أبوا، فكم نحن بأمس الحاجة في وقتنا الحاضرالى
المحبة والتسامح والتفاهم.
|