إذا كان
التجميع الخيار الوحيد
فليكن
في المحافظة العراقية بدلاً من العاصمة السورية
جورج هسدو
بعد تبني قيادات شعبنا السياسية لطرح استحداث محافظة
خاصة للمسيحيين، توقعنا أن تأتي ردود فعل الساسة وكبار قادة الأحزاب
الوطنية مصحوبة بنوع من التوجس والتحفظ.. وفعلا أدلى العديد منهم وأبرزهم
دولة رئيس الوزراء نوري المالكي بما فحواه أنهم مع طرح تشكيل المحافظة
لكنهم يرفضون أن تكون لتجميع المسيحيين فيها.. وسايرهم في ذلك قسم من
المرجعيات السياسية والدينية لشعبنا، في مقدمتهم سيادة المطران شليمون
وردوني المدبر البطريركي للكنيسة الكلدانية.. ومع احترامنا لمثل هكذا آراء
وتبريرنا لمنطلقاتها الموضوعية والذاتية، إلا أننا نرى ان ذلك ينم عن قصور
في الرؤية وابتعاداً عن نبض الشارع المسيحي الذي ارتفع حنقه وانخفض تفاؤله
بعد مجزرة كنيسة سيدة النجاة.
وإذا نظرنا
إلى الواقع الديموغرافي الذي تتميز به أغلب المحافظات العراقية الثمان عشر،
فأننا سنتلمس تجمعات بشرية مبنية على خصوصيات طائفية أو قومية تعرف بها كل
محافظة.. ولو تتبعنا حركة التاريخ ومسار الأحداث والتبدلات السياسية التي
شهدها العراق، لتيقنا أن ذلك لم يأتي عرضياً، بل كان نتيجة عوامل دافعة
وأخرى جاذبة أدت إلى تجمع لون أو مكون محدد ضمن رقعة جغرافية محددة.. وهو
ما ينطبق على الأخوة الشيعة في محافظات الجنوب والأخوة السنة في محافظات
الوسط والأخوة الأكراد في المحافظات الشمالية، حيث هي ذات أغلبيات معينة مع
نسب قليلة متفاوتة بين محافظة وأخرى من الاختلاط السكاني بين الهويات
العرقية والطائفية.. من هنا نرى أن حالة تجمع مجموعة بشرية تتمتع بخصائص
وعادات مشتركة ضمن رقعة جغرافية واحدة حالة موجودة أصلاً في الواقع
العراقي.. كما أن وجودها لم يشكل يوماً عائقاً أمام الإندماج الوطني بين
أبناء البلد الواحد، بل قد يكون ذلك من أهم العوامل التي ساهمت في استقرار
الأوضاع الأمنية وبالتالي تحسن الأوضاع الاقتصادية في محافظات بعينها
واستمرار الأزمات والإرباكات في محافظات أخرى.
وبالعودة
إلى جوهر موضوعنا فأن ما يؤسف له هو الإصرار غير المبرر على رفض تجمع
المسيحيين في محافظة واحدة، دون الاتيان ببدائل عملية تحافظ على ديمومة
بقائهم ضمن الدائرة الأوسع لخارطة الوطن.. بحيث بات الموضوع يأخذ منحاً
سياسياً مقيتاً عند البعض وإنعكاساً سلبياً لا أبالياً عند آخرين، وهو في
أحسن الأحوال لا يخرج عن إطار المزايدات السياسية والاستهلاك الإعلامي التي
شبع منها عموم الشعب العراقي والمسيحيين خاصة.. ثم على القادة الجدد الذين
رفضوا النظام السابق بسبب دكتاتوريته ويسوقون أنفسهم كضامنين للديمقراطية،
عليهم أن يحترموا خيارات شعبنا ويساهموا بالحفاظ على مصالحه ووجوده
بالتوافق مع الخيارات الوطنية والمصلحة العامة للعراقيين.
وقبل أن
نتهم بأننا من أتباع الإستعمار والإمبريالية ومن أنصار الأجندات الخارجية،
نؤكد أن رؤيتنا هذه ليست دعوة لتفريغ باقي المحافظات العراقية من المسيحيين
وتجميعهم في المحافظة المقترحة.. ولا هي تعبيراً عن قناعتنا الإستباقية
بوردية المحافظة المرتقبة وسوداوية باقي المحافظات فيما يخص تواجد الأقلية
المسيحية فيها وضمان أمنهم ومعيشتهم.. لكن بالتأكيد هو تشجيعاً للمواطن
العراقي المسيحي لدعم مطلب المحافظة الخاصة وتفهماً لخياره الأخير إذا ما
قرر الهجرة إليها مضطراً.. ولا بأس من تجميع المسيحيين في محافظتهم
العراقية الآمنة، لأن ذلك وبلا شك أفضل من تجميعهم في العاصمة السورية دمشق
وبعدها الهجرة البعيدة إلى منافي العالم.. أم ما زال لكم رأياً آخر يا دولة
رئيس الوزراء ويا سيادة المدبر البطريركي؟؟!!.
|