نتائج الانتخابات المحلية في العراق .. بين المتفائلين
والمشككين
نبيل
شانو
خلال
إعلان نتائج الفرز الأولي للانتخابات المحلية العراقية ، احتشد الكثير من
العراقيون أمام شاشات التلفزة لتـَلقي نتائج الانتخابات التي جرت في اليوم
الأخير من الشهر الأول من هذا العام ، لتختلط المشاعر وتتوزع بين فرحة
الفوز أو الحزن لخسارة أو الألم لفقدان أغلبية سابقة لهذه القائمة
الانتخابية أو تلك ؛ عموماً نقول أن هذه الإنتخابات وللوهلة الأولى هي
الأفضل من نواح كثيرة من المناسبات السابقة ، وذلك بإجماع تقريبي للرأي بين
المهتمين والمتابعين للشأن العراقي ، وبذلك شكلت خطوة مهمة في رحلة الألف
ميل نحو ترسيخ ثقافة الديمقراطية ، تلك الثقافة الجديدة (الانتخاب الحر)
على المجتمع في الزمن الحاضر على أقل تقدير ، والتي من المؤمل أن تصبح عما
قريب أسلوباً للتعامل فيما بين العراقيين للانتهاء من عهود سيطرة المكون
الواحد والحزب الواحد والشخص الواحد . على الرغم من ردود الفعل الإيجابية
السابقة لهذه الانتخابات .
إلا أن هناك بعض الملاحظات المهمة لا بد من إيرادها لتكتمل صورة
فهم الوعي الانتخابي لهذا المجتمع ، وهي ليست نقيصة بحق المجتمع عموماً بل
هي واقع حال للمنظومة القيّمية المتوارثة عبر أجيال ، وجموداً لواقع التطور
الحضاري والمؤسسي وانعكاس لحالة التخندق التعصبي والولاء لما يُعتبر الصواب
بعينه ، بالنتيجة فقد شكلت هذه ثلمة كبيرة بحق هذه الممارسة ، حيث كان
يفترض بها أن تبقى بعيدة عن كل ما يمكن أن يوسخ رداءها الناصع البياض من
أذى ، فلم يستطع البعض حتى الآن الخروج من رداء الطائفية المقيتة والمصلحية
الضيقة ، وقد تأتى ذلك من أمرين مهمين ، أولهما هو احتياجنا جميعاً
(مواطنين ومسؤولين) إلى ثقافة الديمقراطية وقبول للآخر دون محاباة لأحد أو
لجهة ما وتحت أي عنوان طمعاً بمركز أو بمال ، وإنما بالأعمال التي تصب في
النتيجة في خدمة الجميع دون استثناء وتمييز ، لكن ذلك ليس ما هو موجود على
أرض الواقع ، فمن المستبعد وعلى ضوء النتائج المتحققة في الانتخابات
الأخيرة في المستقبل المنظور (على الأقل) أن نحظى بأسس الديمقراطية ألحقه !
، ومن ذلك محاولة بعض الجهات "المتنفذة" والمكونات "الكبيرة" الاستحواذ
بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى لتجيير أصوات الناخبين البسطاء والفقراء
المحتاجين لحسابها ؛ والأمر الآخر هو افتقار الكيانات المرشحة لنظرة واقعية
لما تروم تحقيقه خلال مدة توليها المسؤولية ، صحيح إن كل منها قد طرح برامج
اقتصادية وسياسية واجتماعية جيدة ، لكن ذلك يبقى حبر على ورق ، ففور تسلم
المسؤولية تبدأ ماكنة المصالح الفئوية والذاتية بالعمل ، حيث تترك المصلحة
العامة جانباً للعمل على حصد أكبر قدر من المكاسب الشخصية ، في تصرف بعيد
كل البعد عن روح الوطنية الحقـّة المرفوعة كشعارات فقط يساعدها في ذلك ضعف
المسائلة القانونية حالياً أو بالأحرى انعدامها ، فالمهم في نظر هؤلاء هو
جني "الأرباح" وكأنما ما يسرق ليس أموال العامة من الناس ، وإنما شعرة من
جلد خنزير !! .
وبالعودة إلى نتائج الانتخابات نلاحظ بأن تلك النتائج كانت سياسية أكثر
منها حقيقية ، حيث لم تحض أي جهة بغالبية مطلقة في أي من المحافظات (ما عدى
نينوى إلى حد ما) ، مع إن كل المؤشرات قبل الانتخابات كانت تذهب إلى سيطرة
بعض القوى على القاعدة الجماهيرية وبالتالي المشهد السياسي لمحافظات بعينها
"كالصحوات في محافظة الأنبار على سبيل المثال" ، لتأت النتائج على مبدأ لا
غالب ولا مغلوب .. لكي تبقى بعض القوائم "المعروفة" فاعلة في المشهد العام
وذلك لعدم فقدان فرصة إكمال ما تم الاتفاق عليه سابقاً عند تشكيل الدولة
"الجديدة" ! والعودة بالتالي إلى المربع الأول لما تم التخطيط له وتنفيذه
لحد الآن ، مع ما يحمله ذلك من مفاجآت سارة للبعض ومفجع للبعض الآخر ؛
والرأي الآخر يقول إن تلك النتائج دليل على روح الديمقراطية الناشئة ، فلا
يمكن لأي جهة من الاستئثار بالمشهد وحدها على الرغم من الإخفاقات وعدم
الالتفات للمصلحة العامة ، وهي رسالة على أن ما جرى للقوى الرئيسية في
البلد ضرورة إعادة تقييم سياساتها "الغير ناضجة" والتي أثبت فشلها طيلة
الأعوام الستة الماضية ، حيث لديها فرصة عام لتعلم الدرس والتحضير
للانتخابات الأهم أي انتخابات مجلس النواب القادمة ؛ وكذلك فإن من النتائج
المهمة لهذه الانتخابات هو انحسار وضعف التيار "التعصبي" الطائفي لحساب
صعود التيار الأكاديمي والمستقل ، فمجالس المحافظات بحاجة ماسة إلى خدمات
تنتشلها من واقعها المتهرئ بسبب الفساد المالي والإداري ، وبالتأكيد هي
ليست محتاجة إلى فتاوى تبقي الوضع على ما هو عليه قروناً أخرى .
من
المعروف إن للديمقراطية الناشئة ضريبة باهضه يجب دفعها من دماء ودموع وعرق
من يبتغيها ويسعى لتطبيقها ، ولا يخفى على أي منصف ما دفعه هذا الشعب
المسكين وبكافة مكوناته وأطيافه على مذبحها ولا زال ، فمن العار والظلم أن
يتم استغلال تلك الضريبة ليتم تسييس نتائج أصوات أناس بسطاء تصوروا بأنهم
قد قاموا بواجبهم على أكمل وجه ، فالخوف كل الخوف من مستقبل يكتشف فيه
المواطن بأن صوته ليس ذا قيمة ، وأن مشاركته كعدمها ، كون هناك من اتخذ
القرار عنه مسبقاً حول كيفية توزيع الأدوار وتحديد المقدار بين اللاعبين
الرئيسيين ، عندها سوف تتجذر حالة اللا أبالية القاتلة ، لتجعل الجميع
بالتالي " أشباه بشر " تعيش لتأكل فقط وهي ترقب الفرج !؛ فما الذي سيحققه
من يدعوا باسم الدين أو المذهب لمن لا يستحق تصدر موقع المسؤولية ؟ أو ما
الذي سيجنيه من يغري الفقراء ويرهبهم للتصويب لقائمة أو شخص بعينه ؟ أليس
العراق الموحد الديمقراطي والقوي هو مكسب للجميع ؟ . كذلك يجب عدم إغفال
حقيقة مهمة وهي أن العراق الآن وخلال تجربته الماضية واقع تحت أنظار
ومراقبة دول العالم والمنطقة نتيجة أهميته الاقتصادية والجغرافية ، فهو
يؤثر ويتأثر بما يجري داخلياً من تطورات أمنية وسياسية واجتماعية ، فخلال
السنوات الماضية كانت التجربة العراقية تـُنتقد بسبب من العنف والفوضى
العارمة التي ضربت أطنابها البلد من الشمال وحتى أقصى الجنوب نتيجة الإرهاب
والفساد وغيره من مسببات أخرى ، فهل من المعقول الآن وبعد تلك التجربة
المريرة أن يلوّث أسم الديمقراطية عن طريق التزوير لفائدة هذه الجهة أو تلك
؟ ، حتى يقال في المحصلة أن شعوب هذه المنطقة لا تستحق الحرية ، بل ولا حتى
الحد الأدنى من المدنية الحديثة !! . إن الديمقراطية المنشودة يمكن أن
تتحقق في العراق في المدى المنظور شرط توفر حسن النوايا لدى القائمين على
الأمر في العراق ، بعكسه ستصبح تلك الثقافة كسراب يغشي البصر لكن لا يمكن
الوصول إليه فعلاً .
|