|
إبن المعلٍم وإبن الفقير والانتخابات والكوتا النسائية
د.وديع بتي حنا
المشهد الاول
اتذكر جيدا كيف كان نعت ( إبن المعلم ) يثير الحرج احيانا عندما يقترن
وصفه بتصرف منسوب الى المعلمين , او ابنائهم , يعبر عن التمييز , بل والظلم
, تجاه الاخرين , سواء كان ذلك التصرف بقصد او بدون قصد . نعم فقد كان بعض
الناقمين على ابناء المعلمين ينطلقون في نقمتهم تلك من غريزة الغيرة
المشروعة , ولكن لايمكن ان ننكر ان قسما مهما من الناقمين كانوا يبصمون
نقمتهم بحوادث وشهادات من الواقع لايملك الانسان تجاهها إلا ان يتفهمها ,
ويحاول امتصاصها , ودعوة المقابل لعدم تعميمها كحالة تصح على الجميع . ما
ان كان جرس الفرصة الكبيرة يدق , حتى نخرج الى الساحة ورائحة الشواء تسود
في فضائها فقد كان عمال المدرسة ( الفراشون ) قد باشروا بإشعال ( منقلهم )
, و كان المعلمون يشترون لابنائهم ايضا ( اللفات ) , وكانت عملية هضمها
امام جمع من الاصدقاء الذين ليسوا ابناء معلمين عملية عسيرة حقا , فكنت ,
ويشهد الله ليس دعاية , احرص على تقاسمها مع الاخرين او منحها لمن يريد ,
حتى تمكنت من اقناع ابي بعدم حاجتي اليها . ويبقى امر ( اللفة ) هينا
مقارنة مع يوم النتائج وانتهاء الفصل الدراسي , فحينذاك كانت النقمة في
اقصاها خاصة عندما كان يبدو واضحا للعيان كيف تم اقصاء احد الطلاب من
المركز الاول , وكان استحقاقه , لصالح احد ابناء المعلمين . لاندعي هنا ان
مثل هذه الحالات كانت تحدث دائما وبدرجة كبيرة وان جميع المعلمين كانوا غير
عادلين في تقييم طلبتهم , كما لايصح اطلاقا القول انه لم يكن من بين ابناء
المعلمين من كان جديرا بالتفوق , بل نؤكد وجود علامات كثيرة مضيئة وامثلة
ساطعة لانتصار المعلم , وهو الاب والمربي , لضميره و طالبه وتلميذه , و
اصراره في منحه مايستحق بناء على جهده , دون ان يضع حسابا لاي اعتبار اخر
. لكن هذا لاينفي حصول حالات في الجانب المقابل , ويقينا لازالت تحدث اليوم
, حيث يجد المعلم او المدرس نفسه , احيانا , غير قادرعلى الوقوف امام
الضغوط , فيتقدم غير المستحق الى المرتبة الاولى ويُمنح المستحق والجدير ,
في افضل الاحوال , مرتبة ( الاول مكرر ) , وتكون الطامة كبيرة حقا , والجرح
اعمق بكثير عندما يجد المستحق نفسه بعيدا عن المرتبة التي هي حصته بمشوار
طويل . وهكذا كان البعض الذي يشعر بظلم كبير قد وقع عليه ينتظر (
البكلوريا ) على أحر من الجمر , فيجدها فرصة ذهبية لاحقاق الحق , بينما كان
( بعض ابناء النستلة ) يجدون في البكلوريا كابوسا يُفسد نومتهم الهانئة
الرغيدة .
المشهد الثاني
ظهرت النتائج الاولية لانتخابات مجالس المحافظات , وفيما يخص شعبنا فقد
أُعلن عن فوز قائمة عشتار بمقعد الكوتا في محافظة نينوى , ونشرت المواقع في
الايام الاخيرة سيلا من المقالات التي يدعو فيها البعض الاخرين الى عدم
الامتعاض وتقبل النتائج بروح رياضية , بل ذهب البعض حتى الى استصراخ القيم
المسيحية في النفوس لتهيئتها لقبول هذه النتائج . ان هؤلاء يتوهمون حقا
عندما يعتقدون ان المعضلة هي فقط في فوز هذا وخسارة الاخر , ويغفلون او
يتغافلون , سهوا او عمدا وقصدا لدوافع عديدة , عن التأشير عن الخطأ وفضحه
والتنبيه الى اثاره المستقبلية ,فيكونوا جزءا من حالة التأسيس لبناء صحيح
سليم متعافي . فاذا كان هؤلاء الكتاب يكتبون مقالاتهم وهم يعيشون في
صومعاتهم دون ان يكلفوا انفسهم مشقة السؤال والتمحيص والتدقيق فيما حدث
فتلك مصيبة , اما اذا كانوا حقا على علم ودراية بكل التفاصيل ويصرٍون على
تسويق الخطأ سواء بشرعنته او بالدعوة الى التغاضي عنه عن طريق جبر الخواطر
, فالمصيبة حقا في هذه الحالة هي اعظم !. ان استعمال المنشطات في
المسابقات الرياضية خط احمر يتقاطع مع قوانين الالعاب , وحتى مارادونا ,
بجلالة قدره , لم يسلم من العقاب وحكم القانون عندما تم ضبطه بجرم تناول
المنشطات ! ان الذي لايختلف عليه اثنان في سهل نينوى , في السر او في العلن
, يشير الى استخدام القائمين على حملة قائمة عشتار لانواع مختلفة من
المنشطات ,غطًت رائحتها الشوارع والباصات والموبايلات والموائد والجيوب !
كهل فاضل عزيز يكبرني في العمر بفرق شاسع , استأنس بارائه طمعا في حِكم
الحياة وتجاربها , جمعتني وإياه دردشة على كوب من القهوة بعد قداس الاحد ,
ودار حديث عن نتائج الانتخابات فيما يخص شعبنا , فروى لي حكاية طريفة عن
نائب في البرلمان , في العهد الملكي , كان يسحب من البنك قبل الانتخابات
رزما حديثة ( تقدح ) من فئة الخمسة دنانير , ويشطر كل ورقة الى نصفين ,
فيعطي كل فرد من القائمين على حملته و ( للحبربشية ) وبعض الناخبين نصف
ورقة ويحتفظ بالنصف الثاني , وعندما تظهر نتائج الانتخابات ويبدو ان الجميع
قد ادى واجبه كما ينبغي , يعود كل اؤلئك اليه فيحصلوا على النصف الثاني من
الورقة الذي يتطابق مع ارقام النصف الاول , اما اذا كانت النتائج كالرياح
التي لاتشتهيها سفن مرشحنا العتيد فانه يعمد في هذه الحالة الى حرق كل
انصاف الاوراق التي بحوزته لكي لايستفيد منها اؤلئك ( الغادرون ) ! . لا
نسوق هذا الكلام بخلا بفوز عشتار او غير عشتار , بل انطلاقا من رغبة صميمية
في ان نمارس قواعد اللعبة مستقبلا بالشكل الصحيح فنكون نبراسا , كما هو
حالنا دائما , للاخرين , وكذلك اجتهادا , قد يصيب او يخطئ , في ان تكون
مصلحة شعبنا واهلنا هي التي تتقدم على كل ماعداها . ويبقى في السياسة كما
في الحياة , يضحك جيدا ذلك الذي يضحك اخيرا , وهاهي ( البكلوريا ) قادمة
لامحالة من خلال الملفات الموضوعة امام الاعضاء المنتخبين لمجلس محافظة
نينوى , وامنياتنا القلبية للاخ العزيز الفائز حظا جيدا ايضا في امتحانات
البكلوريا الصعبة وخاصة في امتحان الحراسات .
المشهد الثالث
خلال الاسابيع الماضية ملأ الاخوة الاعزاء في ( النخبة ) اذاننا طنينا
بقرارهم التاريخي في رفض ( الكوتا الدينية ) وخيارهم الصائب والامثل في
التحالف مع القوائم الوطنية للحصول على مقعد لايتفضل به عليهم احد , بل هو
استحقاقهم كتحصيل حاصل من قاعدتهم الشعبية العريضة والتي اعتقدوا , كما
تركوا الاخرين يعتقدون , انها ستتخم صناديق الاقتراع بالاوراق الانتخابية ,
واذا بنتائج الانتخابات فتشير الى ان الجهد المبذول لايساوي اطلاقا ( كقيمة
عددية ) تلك العشرات من الاصوات , مما يشكٍل انتكاسة كبيرة لقانون الفيزياء
الشهير في الكفاءة . وهكذا وجد الاخوة الاعزاء في ( النخبة ) , وكما خططوا
مسبقا , انفسهم يحصلون على مقعد على حساب ( الكوتا النسائية ) عوضا عن
(الكوتا الدينية ) . وتبقى الامنيات في ان يتمكن الجالس على هذا المقعد ,
وتبعا لظروف الحصول عليه , من التحرر , ما استطاع الى ذلك سبيلا , من فضاء
( الكوتا النسائية ) , ليحلق في فضاء قضايا شعبنا واماله ومطالبه . اللهم
لاشماتة بأحد , لان نتائج الانتخابات اظهرت ان في الجميع يوجد ما يُشمت منه
, ولكنها دعوة لنا جميعا لمراجعة الذات وجلدها طمعا في إداء افضل مستقبلا .
.
|
|
|