الديمقراطية وعبادة الفرد في العمل السياسي

                                                              

                                                 خوشابا سولاقا

                      اغداق المديح والتبجيل والرياء لفرد على نحو مبالغ فيه، ووصفه بصفات تعلو على قدرة الانسان الفرد والاقتراب به من مرتبة التقديس المزيف ووصفه بمميزات خارقة ونعته بصفات عالية تفوق قدرات الانسان وترفع به الى مصاف التأليه والتعظيم كل ذلك يؤدي الى عبادة الفرد.

هذه النظرة تجافي الايديولوجية الديمقراطية كفكر وكممارسة تلك التي تنادي بسيادة الشعب، وتؤمن بانه يستحيل على الفرد مهما اوتى من قدرة وفطنة وذكاء خارق ان يكون القوة المحركة للتقدم والتطور الاجتماعي، فتطور التاريخ يكشف بوضوح تام وكامل ان الفرد مهما كان عظيما في ذكائه ومقدرته يعجز عن تحديد مجرى تطور التاريخ والمجتمع وان الشعب وحده بكامل شرائحه وطبقاته وقدراته الكامنة هو الذي يصنع تاريخه، وهو الذي يخط تقدم البشرية بما يبذله من جهد في انتاج الثروات المادية والروحية للمجتمع وهو الذي يرسم افاق المستقبل ويحدد مسار تطور التاريخ وتقدمه.. مع ان الديمقراطية بطبيعتها تتعارض مع عبادة الفرد الا ان التجارب البشرية فيها عرفت هذه الظاهرة خلال سنوات طويلة من حكم الشعوب قديما وحديثا فكان مثال ذلك الحكم النازي الهتلري والحكم الفاشي لموسليني في ايطاليا والحكم الفاشي لفرنكو وسلزار في كل من اسبانيا والبرتغال وحكم ستالين في الاتحاد السوفييتي السابق خير دليل على ظاهرة عبادة الفرد في العمل السياسي وهناك نماذج مماثلة في شرقنا العربي ابتداءا بحكم جمال عبد الناصر في مصر مرورا بحكم صدام حسين في العراق الذي كان مثالا بارزا لعبادة الفرد وتأليهه وتقديسه. ونتوسع قليلا في تجربة ستالين في الاتحاد السوفييتي لا لسبب بل لكونها قريبة جدا من تجربة صدام حسين وكان حكم صدام حسين هو امتداد لحكم ستالين في الممارسات الدكتاتورية وتجسيد ظاهرة عبادة الفرد. ففي الاتحاد السوفييتي انتشرت هذه الظاهرة انتشارا واسعا بين ابناء الشعب السوفييتي بل بين اعضاء الحزب الشيوعي انفسهم بما فيه القيادات العليا، ويقول الزعماء السوفييت ان عبادة الفرد وتقديس شخص ستالين اديا الى التقليل من دور الشعب، والى انتهاك خطير للقوانين الاشتراكية وبالتالي الى طبيعة النظام الديمقراطي، وجرت الى عيوب كبيرة في التطبيق في ممارسة الحكم. وهذا ما كان يحصل بالضبط في العراق في المرحلة الصدامية كأن الاحداث كانت تتكرر في العراق على نفس المنوال بالرغم من الفارق الزمني بين المرحلة الستالينية والمرحلة الصدامية، وكذلك بالرغم من اختلاف طبيعة المجتمعين في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها. فقد كان يعزى الى ستالين كل نجاح يحرزه الشعب في بناء الاشتراكية من اكبرها الى اصغرها، وفي الذود عن البلاد ضد اعدائها، حتى اصبح ستالين يتصور انه معصوم من الخطا، وانه فوق مستوى الزلل، وان في استطاعته ان يقود البلاد بمفرده دون الرجوع الى قيادة الحزب ودون العودة الى الشعب.

وخلق بذلك اساليب بيروقراطية في القيادة حالت دون النقد الذاتي وادت بالتالي الى سيطرة وهيمنة عصابة وزيرة الداخلية "بيريا" على اجهزة امن الدولة، تلك العصابة التي ارتكبت مخالفات مفضوحة ضد القانون، وفتكت بعدد كبير من ابناء الشعب وخيرة قادة واعضاء الحزب من الوطنيين المخلصين، وارتكبت جرائم بشعة يندى لها الجبين، كما ادت اساليب ستالين الانفرادية الى الوقوع في اخطاء كبيرة واضحة بالنسبة لبعض انواع العمل، كما حصل في المشكلة الزراعية على وجه الخصوص، مما عاق الى حد ما نمو المجتمع السوفييتي ابان سنوات حكمه الدكتاتوري. ونلاحظ عند مقارنة ما حصل في زمن حكم ستالين يتكرر في زمن حكم صدام في العراق انه حقا شيء لافت للنظر من تقارب تطابق الممارسات بالنتائج والوسائل وحتى مواقع الاشخاص المنفذة لارادة الدكتاتور، كما هناك تشابه بين "بيريا" و"علي حسن المجيد" انه امر غريب حقا!!!.

ويرجح الساسة السوفييت نشأة هذه الظاهرة "عبادة الفرد" في بلادهم الى ظروف تاريخية، موضوعية، شخصية معا. والظروف الموضوعية، بعضها دولي مرده ان الاتحاد السوفييتي بصفته اول دولة عرفت النظام الاشتراكي، ظل طوال سنوات عديدة موضع حصار البلاد الرأسمالية ومحلا لتهديداتها.. والبعض الاخر داخلي يرجع الى ان الصراع الطبقي الذي استمر مدة طويلة بعد قيام الثورة دون ان تخفت حدته والى انه كانت توجد داخل الحزب الشيوعي نفسه اتجاهات سياسية متضاربة وقد دفعت هذه الظروف الى وجوب قيام تنظيم قوي، وقيادة مركزة ومتمكنة وواعية وتولي بناء على تأمين متطلبات ذلك ستالين الى تصفية العناصر المعارضة في الداخل جسديا كما حصل ذلك لاغلب قادة الحزب الشيوعي، وتصدي بحزم وصلابة يجابه لمؤامرات الرأسمالية في الخارج، فاكتسب بذلك احترام وثقة وتقدير المواطنين، وحصل على نفوذ واسع وشهرة كبيرة.. اما الظروف الشخصية فترجع الى ستالين ذاته، وطبيعة شخصيته. ويرى هؤلاء الساسة انه كان انسانا يتصف بالصلف والكبرياء والغرور والتعالي وحب الهيمنة وفرض الذات وعدم احتمال النقد.

هذه العوامل مجتمعة ادت الى ظهور ونمو ظاهرة العبادة الشخصية لستالين.. مرة اخرى نرجع لاجراء المقارنة بين ستالين من حيث الظروف الموضوعية والظروف الشخصية مع صدام لنجد تطابقا كاملا في كل التفاصيل لنصل الى استنتاج ان كلا من ستالين وصدام كانا شخصين في شخص واحد وعاش في زمنين مختلفين وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد حين.

غير انه احقاقا للحق وانصافا للتاريخ ينبغي الا يغيب عن البال، ان عبادة الفرد وان تنافت مع المفاهيم الاشتراكية والديمقراطية معا، فانه من الخطأ الجسيم، الضرر البالغ، الخلط بينها وبين احترام الزعماء والثقة بهم. فالديمقراطية لا تهدد الدور الذي يمكن ان يلعبه القادة في بناء المجتمع، ولا تنكر اسهامهم الفعال في التطور والتقدم الاجتماعي لبلدانهم، ومن الواجب الحفاظ على سلطة الزعماء وهيبتهم ما داموا يكرسون انفسهم لخدمة الشعب ولا يدخرون وسعا في بذل جهودهم وتجاربهم وثقافتهم من اجل قضية الحرية والديمقراطية في العالم، ويزخر تاريخ البشرية باحتلال هؤلاء الزعماء الافذاذ العظام لا اريد ذكر اسماء البعض لكي لا يشكل ذلك تنقيصا بعدم ذكر اسماء البعض الاخر.. وخلاصة القول ان ظاهرة تكريس عبادة الفرد او الشخص مهما كان دوره وموقعه في العمل السياسي سواءا كان ذلك داخل حزب سياسي او في اسلوب ادارة الدولة هي ظاهرة سلبية لابد من تظافر الجهود لمكافحتها واستئصالها منذ اللحظة الاولى لظهورها قبل استفحالها وتحولها الى سرطان قاتل يقضي على الحزب السياسي او على الدولة في حالة ممارسة الحكم.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links