رسالة خاطئة…إلى عنوان صحيح…؟

 

                                          نمرود سليمان

           إننا نسمع هذه الأيام من بعض الكتاب ووسائل الاعلام نصائح بعدم إقامة الاحتفالات بالأعياد الميلادية، وهي نابعة من موقف إنساني نبيل هدفه تكريم ضحايا جريمة كنيسة سيدة النجاة. إن هذا الموقف الإنساني له مدلولات كثيرة، يقدم إليه الإنسان الحضاري والوطني الذي يشعر بقيمة كل قطرة دم تهدر في غير محلها، وهذا صحيح من الناحية الدينية والاجتماعية، ويوجه رسالة تشاركية في الإنسانية لا أجمل ولا أحلى.

ولكن ماذا لو تم تقييم هذا الموقف من الناحية السياسية.

السياسية لها موسيقى مختلفة عن النواحي الإنسانية والعاطفية، فهي تعمل لاستثمار الواقع من أجل تسخيره لتحقيق مصالح لها.

إن مرحلة ما بعد مجزرة كنيسة النجاة مختلفة جداً عما قبلها، وقد فتحت أفاقاً مستقبلية لأبناء شعبنا ووضعت الأسس السياسية والحقوقية لقضيتنا، إنها المرة الأولى منذ مئات السنين يسلط الإعلام العالمي أضوائه على مصير هذا الشعب، مما أدى بالجميع من حيث يدري أو لا يدري للأنخراط في إيجاد مخارج سياسية وقانونية لهذه القضية المتكلسة. لقد تفاعل الرأي العام العراقي بشكل إيجابي مع قضيتنا، بحيث أجبر أغلب المسؤولين الدينيين والسياسيين للتعامل الايجابي وكان التفاعل نفسه في الساحة العربية والمسؤولين العرب، وأصبحنا نسمع أصواتاً عربية مسؤولة وجادة، بأن هجرة المسيحيين من أكبر النكسات في تاريخ الأمة العربية والأسلامية كما أن الرأي العام العالمي أدلى بدلوه في هذه المعمعة التي زحفت في أرجاء العالم كله، وعجزت الأمم المتحدة الوقوف أمام ما يجري، فناقشت الموضوع وأصدرت تصريحات قوية بهذا الخصوص، دون أن ننسى المطالبات الحثيثة من أغلب الدول الأوربية للبحث عن طريقة لحماية المسيحيين.

ان الذين فتحوا معركة جادة ضد المسيحيين لهم أسبابهم السياسية، ثم إن التفاعل مع قضية هذا الشعب الأصيل من مختلف أنحاء العالم جاء هو الأخر لأسباب سياسية.

لذا علينا أن ننظر إلى مايجري من خلال الزاوية السياسية، فالمطالبة بإيقاف الاحتفالات الميلادية معناه باللغة السياسية ((الأستسلام)) أمام الواقع الذي يريد الأرهابيون فرضه ضد المسيحيين، ويوجه رسالة مفادها بأننا لا نستطيع الصمود أمام مايجري، وبالتالي يساهم هذا الموقف في إيقاف الدعم العربي والعالمي لقضيتنا.

الحياة لا تتوقف عند هذا الحدث الاجرامي أم ذاك، مهما كانت تكاليفه، وشعارات الرثاء والبكائيات والأهات والاحزان لها مفاعيل وقتية، ولكن مصير الشعوب له مفاعيل أخرى غير هذه، الصمود والتحدي والتفاعل مع المعادلات السياسية الجديدة وتسخير كل المناسبات الدينية والقومية من أجل الهدف السياسي.

علينا أن نميز بين ما هو ديني وما هو سياسي، ونسعى بشكل دائم على تسخير كل شيئ من أجل تقدير المصير من خلال المنظور السياسي.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links