زيتونة خابور ... سقطت شامخة

 

                                          نمرود سليمان

                 لماذا تمر بنا كل يوم بعد غيابك، وكنت تمر كل سنة قبل غيابك، لماذا نحسُ بأن الزمن يتوقف ..؟ فيصبح غيابك حضوراً وحضورك غياباً، صدقني يا جورج هومه إنك اليوم أقوى منه، وأنت على قيد الحياة، لأنك زرعت في القلوب فناً رائعاً، ولحناً نيراً، يبدو أن نهايتك هي معمودية أبدية سرمدية، وقدمت نموذجاً لحلاوة الموت، لماذا رسخت فينا هذا المبدأ أيها المجنون العاقل.

الموت هو جسر العبور من الحياة إلى الفناء، وهو ضريبة تدفعها نهاية الحياة لبدايتها، ولكن للموت أنواع متعددة، فهناك من يموت بتقدمه في السن، وآخر نتيجة للأمراض الفتاكة، وثالث بفعل حادث طبيعي أو بفعل إنسان لإنسان.

أما أنتَ يا جورج فموتك مختلف عن الأنواع المعروفة، موتُ غدر بنا جميعاً لأننا لم نتوقعه، موتُ فاجأ الجميع، موت صلب الخابور مذبوحاً، موتُ جعل "ولطو" يتيمة الروح، موتُ وحد أبناء شعبنا الكلداني السرياني الأشوري، موت فتح جرحاً نازفاً ومضى، موت زاحف على قامة أشورية فنية في أوج عطاءها، أسست لوناً خاصاً للأغنية الأشورية.

نعم، لا، لاعم مات، لم يمت جورج هومه تاركاً الكمان صامتاً منعزلاً في سجن منفرد، وبجواره عود يقطر ألما، وبين صمت الكمان وألم العود، بقي أشوري الخابور مشدوهين، صدقوا لم يصدقوا.

موتك سرق الغذاء الروحي لشعبنا في غفلة من الزمن ودون سابق إنذار، وانتعش الحزن مرفرفاً في بيوتهم، فهل يستطيع شعب أن يعيش من دون روح؟

مات؟ لم يمت؟ جورج هومه حامل الخابور في ترحاله ورحيله، وحدث نوع من الزواج الروحاني مابين الإثنين جورج والخابور، هل مات الأول لموت الثاني، أم مات ليعيش الخابوريين، أم أن الموت أسقط الحدود بين الخابور والخابوريين.

زيتونة الخابور ماتت شامخة، لكن جذورها ممتدة من الوريد إلى الوريد، سترى النور من جديد لأن ما قدمه الفنان جورج هومه لم يكن نُزهة فنية، أو فن عاش ليومه ومات، بل قدم مدرسة تكاملت أركانها، ولها طلاب منتشرين في كل مناطق التواجد ....

الفن الجميل سيبقى أجمل، أما الهابط فإنه يقبض ثمنه ويموت.

إن موت هذا الفنان الكبير فتح جسور المحبة والثقة بالنفس لأبناء شعبنا في كل أنحاء العالم، نعم عمل شعبنا بطاقته القصوى من أجلك يا جورج، وشعر بوحدة أحزانه، لذا نم قرير العين.

"نتمنى أن نكرم مبدعينا وهم على قيد الحياة أيضاً"

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links