كشف حساب وطن

 

                                                                                     نبيل شانو                

 

                   من المعروف إنه وبعد كل عمل ، سياسي كان أو اقتصادي أو في أي حقل آخر يتوجب على القائمين عليه مراجعة وتقييم نتائجه ، فإن كانت نتائجه تلك إيجابية وجب الاستمرار بنفس الخط وتطويره ؛ وإن كانت النتائج سلبية أو معيقة لعملية التطور وجب إعادة النظر فيها وصياغتها مجدداً بطريقة تديم حالة التقدم ، فمن غير الواقعي والمنطقي الإصرار على الخطأ والتشبث به ، كون التقدم والتطور هو ديدن الحياة وسمتها . كذلك تختلف النظرة إلى أي فعل أو نشاط أو اتجاه ضمن مجتمع إنساني وآخر ، نقول تختلف باختلاف اهتمامات صاحب تلك النظرة وأهدافه وطريقة تعامله مع مستجدات الوضع العام للمجتمع المؤثر ؛ فهناك من يرى في حالة معينة بأنها ايجابية ، ونفس الحالة قد يراها الآخر سلبية ، هذه النظرة لا تخرج عن سياق طبيعة البشر القلقة والمكتسبة ضمن بيئة خاصة ، حيث كل يفسر التطورات من حوله حسب تفسيراته الخاصة والمنطلقة من مكنونات ما يختزنه من اهتمام ومعرفته بالأمور الجارية ؛ إن مبدأ الولاء لشخص أو لجهة أو لمجتمع معين يشكل ركن أساسي من اهتمامات الفرد ، وعلى أساس ذلك الولاء يتم إطلاق آراء تكون في معظمها مسبقة الرؤى ، حتى وإن خالفت منطق الثوابت الواجب ترسيخها ضمن أي مجموعة تنشد التطور وتبغي خلق عدالة لا تجتزئ وبصرف النظر قانونيتها من عدمه . عليه فمن الضروري لو أردنا معرفة واقع حال أي مجتمع إنساني أن نعرض تطورات مسيرته ضمن كشف حساب واقعي حقيقي دون رتوش أو إضافات ، بعد ذلك يترك للمهتمين وأصحاب الاختصاص إجراء تحليل بالاستناد إلى استقراء علمي أو استنتاج عقلي للوصول إلى الهدف النهائي الأسمى لخط سير ذلك المجتمع ، فتلك النتائج دائماً ما تكون قريبة وإلى حد بعيد للواقع المنطقي ، فالمشكلة دائماً ما تتمثل بـمن يمكن أن نطلق عليهم " المنجمين " ألمعروفي الرأي بنتائجهم المسبقة ، أولئك الخياليين في واقعهم والسرمديين بمنطقهم ! .

 في انعكاس على ما أوردناه أعلاه على العراق كوطن وشعب ، وبغية فهم التطورات الجارية طيلة السنوات الست الماضية أو ما يقاربها من عمر الزمن ، نقول يكفي أن نورد بعض الحقائق التي طبعت الواقع الحالي وشكلته بطريقة تمكن المهتمين من توقع النتائج المستقبلية كأقرب ما يكون إلى الحقيقة والواقع ؛ ففي الجانب السياسي نلاحظ ليس بوادر وإنما أزمة فعلية نتيجة شكل نظام الحكم وطبيعته ، وذلك بسبب قصور في الفهم للتجربة لحداثتها لدى البعض ، ونوازع المصالح الآنية والشخصية للبعض الآخر ، كذلك الدستور الذي يفترض فيه أن يكون حكماً نزيهاً لحل المشاكل ، ليصبح سبباً من أسباب الفرقة والنزاع وكل يجيّر مواده لصالحه ، وأيضاً التوافق السياسي المستند إلى مفهوم المحاصصة العرقية والمذهبية المقيتة والهدّامة ، حيث أصبحت لغة التفاهم مقتصرة على " هذا لي .. وذلك لك !! " ، كل ذلك انعكس مباشرة خلال جلسات مجلس النواب العراقي حيث يسيطر "أقطاب السياسة" على المشهد ، فلكي يقر قانون فيه خدمة ومنفعة للشعب ، يستلزم النقاش أشهراً عدة مع التهديدات والتشنجات و "خطوط حمراء" والجميع يعلن حرصه ووعيه ووطنيته الغير قابلة للتشكيك ، أما في الخفاء فالله وحده والراسخون في المواقع يعلمون حقيقة ما يجري ، حتى يخرج القانون المسكين وهو خال من قوته القانونية وفائدته للعامة من الناس ، كونه قد صدر بطريقة وبتفاسير قابلة للتأويل من قبل هذه الجهة أو تلك وفق مصالحها المسبقة ( كما هو الحال مع الدستور وفقراته) .

 أما الجانب الأمني ، فعلى الرغم من الاستقرار الملحوظ والتحسن الملموس ، إلا أنه تحسن غير مستقر ، وذلك ليس رأينا ، وإنما رأي القادة العسكريين الأمريكان ، واللذين يردفون خلال مؤتمراتهم الصحفية وبعد إشادتهم بالتطور الأمني بكلمة " ولكن .." ، أي أن الموضوع الأمني قابل للانتكاس في أية لحظة كانت ولأسباب شتى ، وهنا نود طرح نقطة واحدة حقيقية وهي حالة الهجرة داخلياً وخارجياً ، حيث أنه من المعروف أن اختلال حالة الأمن يدعوا المواطن البسيط وللحفاظ على نفسه وسلامة عائلته إلى الهجرة والهروب من التهديد والتصفية متأملاً العودة حال استقرار الأمن (كما يراد طرحه حالياً) إلى بيته وشارعه ومنطقته ، وهنا نتساءل : إذا كان قد هجر ما يقارب من الملايين الأربعة لحد الآن ، فكم عاد من هؤلاء إلى مناطقهم الأصلية ؟ وعلينا أن نقيس تبعاً لهذا نسبة التحسن الأمني المزعوم !! ، ولماذا يشكل العراقيين بالتحديد النسبة الأكبر من طالبي اللجوء في العالم؟ أليس هذا أيضاً دليل على مدى الاستقرار الأمني ؟ .

 أما الجانب الأخير الذي نود التطرق إليه فهو الجانب الاقتصادي ، فنزعم بأنه الجانب الأكثر إيجابية من الآخرين ، حيث نتلمس تحسناً ملحوظاً في المستوى ألمعاشي للكثير من المواطنين ، خصوصاً طبقة الموظفين ، هذه الشريحة التي ظـُلمت كثيراً إبان العهد السابق ، بل أنها وصِمت بالطبقة المسحوقة حينذاك ، وبعد التغيير زادت الرواتب وكذلك توسعت التعيينات ( التعيينات الجديدة أو إعادة من تم فصلهم لأسباب سياسية ) ، والتي يتوجب على طالبها وفي أغلب الأحيان أن يحصل على تزكية من أحد الأحزاب المتنفذة (أحزاب السلطة) للتعيين

 في إحدى دوائر الدولة ، نتيجة لذلك بقي الكثيرون ممن لم يرغب الانتماء لهذه الجهة أو تلك بدون عمل وفي انتظار رحمة الله ! ، وماذا عن من لا يملك أي مصدر أو مورد للرزق ؟ ، مما يخلق فارق معيشي كبير بين فئات الشعب المختلفة ؛ ولا ننسى في ختام مقالنا هذا الإشارة إلى أن الركيزة الأساسية والوحيدة للاقتصاد العراقي حالياً هي النفط ووارداته ، والذي بدأت أسعاره بالهبوط هبوطاً كبيراً منذ إشتياح الأزمة المالية للاقتصاديات الكبيرة في عالم اليوم ، حيث أشار أحد المسئولين في الحكومة على الموظفين بضرورة "شد الأحزمة" والادخار استباقا لتأثيرات تلك الأزمة في المستقبل ، وما يعنيه ذلك إجمالاً من انعكاس على الاقتصاد العراقي سلباً خصوصاً في قطاعات البناء والأعمار والاستثمار والخدمات ، عليه يجب العمل من أجل استحداث مصادر أخرى للواردات مثل الزراعة والسياحة والصناعة وغيرها  . إن النفط وغيره من ثروات هو ملك المجتمع بكافة أفراده وفئاته ، والمفروض أن يتم توزيع عوائده بعدالة ، وليس على أساس المحاصصة والولاء والكسب الحزبي ...       

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links