الانتخابات  المقبلة........ بين النزاهة والمزاجية

 

                                                                                      رمزي أوراها

 

                       مما لا شك فيه ان الديمقراطية بمفهومها الأساسي تعني حكم الشعب لنفسه دون ان تستاثر طبقة أو جماعة او فرد بهذا الحكم ومن دون أن يصبح كل أفراد الشعب حكاما فيصبحوا بحاجة إلى سلطة سياسية يحكمونها. وبهذا تعتمد الديمقراطية الحديثة على الديمقراطية النيابية أسلوبا لها ونتيجة لذلك تبرز الانتخابات بوصفها الوسيلة الأساسية لتحقيق الديمقراطية النيابية وإسناد السلطة فيها. حيث إن مبدا الانتخاب يجد أساسه في نوع معين من الديمقراطية  وهو الديمقراطية   التمثيلية أو غيرالمباشرة وهكذا بدأ الانتخاب يمثل الرابطة الديمقراطية بين الحكام و المحكومين.

 إذن فالشعب هو صاحب السلطة لكنه لا يستطيع أن يمارس هذه السلطة بنفسه مباشرة بل يفوض ممارستها لممثلين ينتخبهم وهؤلاء الممثلون حين يمارسون السلطة يمارسونها بأسم الشعب ولمصلحته حيث انتخبهم لفترة مؤقتة. وهذا يعني أن ممارستهم للسلطة ليست مطلقة بل هناك قيدان على سلطتهم قيد داخلـي وآخر خارجي. فــالأول يتمثل في أن السلطة السياسـية في تصرفاتها الداخلية يجب أن تراعي مبادئ العدالة والمساواة والأخلاق واحترام حقوق وحريات أفراد المجتمع كافة بغض النظر عن جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو مكانتهم الاقتصادية. أما القيد الخارجي فيتمثل في احترام مبادئ القانون الدولي العام كاحترام المواثيق والاتفاقيات الدولية وتنفيذ التزاماتها الدولية .

 وكما هو معلوم فأن إحدى الركائز الأساسية للديمقراطية التمثيلية هي وجود برلمان منتخب من قبل الشعب ولمدة معينة فلا يجب الإسراف في إطالتها أو الإسراف في تقصيرها حيث أن إطالتها إضعاف لرقابة الشعب على ممثليه كما أن تقصيرها إضعاف لاستقلال البرلمان .

 وجدير بـالقول أن هنــاك ترابطــاً وثيقــاً بـين الديمقراطيـة والانتخابات أي أن بلـداً مـا يعتـبر ديمقراطياً إذا تم اختيار الحكام فيه عن طريق انتخابات حرة ونزيهة تؤدي إلى عملية تداول السلطة سلمياً وآنذاك تكون الحقوق والحريات فيه مضمونة إلى حد كبير، ولأن الانتخابات تعتبر الوسيلة السلمية لإسناد السلطة فأنها تستلزم  أن تكون دورية ونزيهة  وأن تجري في مناخ تسوده التعددية وتحركه منافسة سياسية حقيقية تعتمد على رأي عـام قوي ووعي سياسي بأبعاد وأهمية هذه الانتخابات.فالانتخابات ضرورية في كل بلد لانها تعتبر بمثابة دعامة شـرعية للحكومـة الـتي تنبثـق عنـها فشـرعية الحكومـة ومشروعية سياساتها وبرامجها وكافـة ممارساتها تأتي من الرضا والقبـول اللذيـن تحظى شرعية ومشروعية  الحكومة بهما أثناء انتخابها.وتعتبر ايضا الوسيلة المثلى لإقامة أية حكومة ديمقراطية. وانها وسيلة فعالة لتعميق نطاق المشاركة الشعبية فهي تعطي الفرصة للنـاخب لإبداء رأية والمساهمة في اختيار صانعي القرارات والتأثير في رسم السياسة العامة ومتابعـة كيفيـة صنع القرارات وتنفيذها. وتعتبر الانتخابات وسيلة هامة لحث المسؤول الحكومـي لكي يكون عنـد مستوى المسؤولية وأن يسعى بشـكل جدي لإرضاء ناخبيه  والذيــن يتوقـف مسـتقبله السياسـي علـى تقديرهـم لجديتـه وإخلاصه واستجابته لمطالبهم.وهـي تمـد جسـور الثقة والتفاهم بين الحاكم والمحكوم حيـث تفتـح قنـوات الحـوار بـين الطرفين قبلها وأثناءها في الوقت الذي يخضع الأول لتقييم الثاني بعدها .

وهذا مـا يجعل بـدوره أن تكون الحكومة للشعب وليس الشعب للحكومة حيث يتم تداول السلطة سلميا عن طريق الانتخابات ولمدة محددة يخضع فيها الحاكم أو النائب ضمن دائرته الانتخابية  لرقابة ناخبيه الأمر الذي يسمح بإجراء تغيير دوري منتظم عليه خلال فترات معقولة وبذلك يكون المحكوم محل تقدير واعتبار أمام الحاكم خصوصا عندما تجري إعادة الدورات الانتخابية.

 وتعتبر الانتخابات ايضا الوسيلة الهامة تشجع التنافس السلمي بين الجماعات والطوائف وتمنع عليها الدخول في صراعات دموية طالما كان الأساس هو الرجوع إلى صوت الناخب وتوفير  الفرص أمام الجميـع وفق قواعد اللعبة الانتخابية دون قيود تحرم على البعض المشاركة ولكـن في مقابل ذلـك يتطلب من الناخب الذي يحسم العملية لصالح قضيـة الديمقراطيـة وحقوق الإنسان أن يكون على وعي تام وإدراك بأهمية وخطورة المسؤولية على عاتقه بحيث يـعبر عن إرادته بشكل صحيح لكي يضع الرجل المناسب في المكان المناسب هذا من جانب اما من جانب اخر والاكثر اهمية والأكثر صلة بموضوعنا سنتناوله في مستلزمات  الضرورية لانجاح الانتخابات القادمة في العراق مما لا شك فيه أن الانتخابات التي جرى في العراق منذ سقوط النظام في مارس 2003 كانت خارج الاطار القانوني والديمقراطي للانتخابات فقد سادت في اجواء غير ديمقراطية ومزاجية  وانحرافها الى مسارات غير ديمقراطية وغير نزيهة وبعيدة عن الارادة الحرة والمباشرة لاختيار الممثلين على الرغم من التنظيم الذي حظيت الانتخابات من لدى أطرف دولية مهمة ولكون الانتخابات تعد إحدى الوسائل المهمة لضمان حقوق وحريات الأفـراد عليـه يسعى كل مجتمع إلى تطويـر آليـات تنفيذهـا ومن هنا فمن حق المجتمع العراقي أن يتطلع إلى تطويـر تجربة الانتخابات من أجل تعميقها لحماية الحقوق والحريـات ومن هنـا نتساءل مـا هـي مســتلزمات  نجـاح التجربة القادمة...

للإجابة على ذلك نشير إلى النقاط التالية:

  1 – بما أن الانتخابات أفضل وسيلة لإسناد السلطة وبحكـم الواقع السياسي الراهـن للمجتمع العراقي الذي يتميز بالتعددية الحزبيـة والسياسيـة الأمـر الذي يجعل من ساحة الانتخابات ساحة منافسـة سياسية بـين هذه الأحـزاب والاتجاهـات السياسية المتعددة. عليـه لابد لمثـل هـذه التنظيمات أن ترتقي بدورها وبظروف نشاطها السياسي إلى مستوى المسؤولية والوعي الحضاري ومن ثم أن تقبل بنتائج المنافسة السياسية التي  تخوضـها أثناء الانتخابات والـتي لابد وأن تجعل أطرافا معينة فائزة على حساب أطراف أخرى.

  وهـذا الواقع يجعل الأحـزاب العراقية أمــام مسـؤولية تاريخيـة في توفـير جو ديمقراطـي والتـحلي بروح الوطنية ونكران الذات ويساهم في إنشاء مناخ سياسي سليم يفرز فيـه المراقب بـين من يحكم فعلا بحكم زخمه السياسي ومن يبقى في المعارضة بحكم خسارته في الانتخابات.

 2 – وهذا يحمل الأحزاب العراقية مسؤولية تاريخيـة لتربيـة وتوعية أعضاءهـا وأنصارهـا على روح الديمقراطية وكيفية تقبل نتائج الانتخابات برحابة صدر تمنعهم من اللجوء إلى الممارسات الاستفزازية والسلوك العدواني وأن ضمان الفوز يكمن في ضمان العمل الجيد والإخلاص ومضاعفـة جهود وكسب ثقة النـاخبـين من خلال ضمان حقوقهم وحرياتهم وهذا لا يتـأتى باستخدام العنـف ووسائل الإرهـاب.

 3 – ضرورة إخضاع الانتخابات إلى آليـات فنيـة تضمـن حسـن سـيرها وتوفـر تقييمــها بشـكل إيجابي بعيدا ن المزاجية وفرض النتائج الجاهزة أو إحصاءات خياليـة منـها اعتمـاد أرقام إحصائيـة صحيحة وواقعيـة سـواء لعـدد المشـاركين أو لنتـائج الأصـوات. وكذلك المحافظة على سرية التصويت وفرز النتائج وموضوعيتها بالاعتمـاد على مصادر موثوقـة ولجان نزيهـة ومحايدة. وإخضاعها لمراقبـة دوليـة ومراقبـة قضائيـة كليـة وصيانتها مـن مظـاهـر التأثير بالضغوط أو الانحراف بها إلى مسارات غير ديمقراطية تفقد المواطن إرادتة وحريته.

 4- ضمان تمثيل الاحزاب والأقليات السياسية والدينية في البرلمان فأن نظام التمثيل النسبي هـو النظام الأفضل نظرأ لأنـه يساعد الأحـزاب الصغيرة للحصول علـى مقاعد في البرلمـان وتمثيل مصالحها والدفـاع عـن حقـوق أعضائها وأنصارها والمساهمة في الحيـاة السياسية. لان الى جانب العرب والاكراد في العراق هناك قوميات اخرى كالكلدان الاشوريين السريان والتركمان وغيرهم اضافة الى وجود طوائف دينية مختلفة كالسنة والشيعة والمسيحية واليزيدية وغيرها من المذاهب الدينية.   

 5- إن المصلحة العامة تتطلب وجود معارضة في البرلمان ومن مصلحة الحزب الحـاكم أن يجـد أمامـه معارضـة قويـة تنتقـد سياسته وتمنعـه من إساءة استعمال السلطة. إذن فالنظـام التمثيل النسبي المأخوذ في الانتخابات يـهيئ الأرضية لقيام كتلة معارضة في البرلمان.ويتلائم مع ظاهـرة التعددية الحـزبية فيعطي المجال للأحـزاب الصغـيرة للوصـول إلى البرلمان وتمثيل مصالحها.ويساهم في تكوين  نوع من التوازن السياسي بين الأحـزاب الكبـيرة لأن ذلك النظام يساعد على وجود طرف ثالث المتمثل في الأحـزاب الأخرى الصغيرة في البرلمان..

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links