القاص والمصور بهجت درسون

تراثنا مادة خصبة نستمد منها آلاف الحكايات والموروثات

اجرى الحوار سامر الياس سعيد

                     انطلق من( بعشيقة) مستمدا من أغصان زيتونها المكللة باللون الأخضر على الدوام مادة إبداعية متجددة جعلها شارته التي يستلهم منها بادرة انطلاقه في مجالات متعددة  يدخل في تركيبها وامتزاجها عنصرين مهمين هما الظل والضوء ، ففي التصوير  انطلق مع الكاميرا ليروي بفضل ما رصدته  سيرة إبداعية أطرها بالعديد من الجوائز والشهادات التقديرية،  كما انطلق من محور قصة الأطفال نحو مضمار الإبداع العربي متناولا موروثات شعبية كانت بصمتها الأساسية التنوع الحكائي ليحوز من خلالها على شهادات تقديرية وجوائز تعترف بجهده في هذا المجال وواصل مشوار الإبداع فانطلق نحو  ميدان الصحافة منطلقا في أولى المحطات عبر مضمار النقد السينمائي ليكمل مع هذا المجال ومجالات اخرى سيرة إبداعية مكللة حلق بفضلها  كطائر موصلي  لايعرف الوهن والكلل .. بهجت درسون رحو ومن خلال حوار زاد على الساعة ترك لنا آثاره و تجربته في مختلف هذه المجالات وما علينا سوى  الانصات إليه :

*ليس في نمط سؤال تقليدي لكنه يلح علي ألان، ما هو الأقرب من مجالات التصوير والقصة والصحافة من أعماق بهجت درسون ؟

-كل نمط إبداعي  يمارسه المبدع  يعبر عن شيء ما يختلف عن الأخر، يمكن أن اعتبر بدايتي مع النقد السينمائي أصل لكل الأنواع والأجناس الإبداعية الأخرى  حيث انطلقت في هذا المجال بعد عام من صدور جريدة الحدباء الموصلية أي في عام 80 ومن خلال النقد استنبطت علاقة السينما بالأدب من خلال السيناريو والتصوير عبر علاقته بالفوتغراف والمونتاج حيث له اتصال مع الفن السينمائي وهذه الخلطة العجيبة  جعلتني على اطلاع مباشر مع أكثر من مجال  واعترف بان النقد السينمائي رغم حداثته في مجال النقد لكنه جعلني على تماس مع الأدب والاطلاع على الأجناس الأدبية  من قصة ومسرح ورواية..

*ذكرت النقد السينمائي،فهل لك خلفية تستطيع من خلالها اكتشاف درجات الوهن ونقاط الإيجاب في الفيلم السينمائي ؟

-بدايتي مع النقد كانت على شكل رصد للأفلام المعروضة في دور السينما الموصلية وكانت تجربتي تشير لاكتشاف الأفلام التي لاترتقي بالمستوى الذوقي  والثقافة لدى المتلقي وشيئا فشيئا استطعت أن انقل كرؤية نقدية ما يعرض من أفلام عراقية أو عربية في فترة امتدت من منتصف حقبة السبيعينيات ..

*وهل لهذه الرؤية النقدية صلة بتحصيلك الأكاديمي كخريج كلية الزراعة والغابات ؟

-من خلال اهتمامي المضطرد بالسينما حاولت أن استفيد من دراستي الأكاديمية عبر منهج  الإرشاد الزراعي الذي يهتم بالتثقيف والإرشاد والتوجيه للفلاحين والمزارعين وحاولت أن امزج تلك الخبرة  بالوسائل الإيضاحية المطلوبة  ومنها ما يتفرع من وسائل اعلام متخصصة ..

*وماذا عن إبداعك في مجال التصوير الفوتغرافي ؟

-نظرا لتشعب ولعي السينمائي فاخترت مجالا اقرب لهذا المضمار عبر التصوير  فبدأت حركة دؤوبة في البحث عبر بطون الكتب العلمية  مع اختيار أجهزة حديثة في مجال التحميض والطبع فتكونت لي خبرة لاباس بها استطعت أن اصقلها بالمشاورة والبحث مع زملاء رواد  توطدت علاقتي بهم عن طريق العمل في المجال الصحفي اذكر منهم  المصور المعروف نور الدين حسين  وكوفاديس واينوف وكل واحد منهم اعتبره أستاذ في مجال عمله فالفنان نور الدين  فنان مجتهد جد حتى ترك بصمة فنية له في مجال التصوير الفوتغرافي ليس على مستوى المحافظة فحسب بل تعدت شهرته الأفاق وكذلك الأمر مع الفنان اينوف – رحمه الله –  فهو  إنسان رائع مليء بالعفوية  وأسس تجربته الإبداعية منفردا لأنه أحب العمل في الكواليس أو بأدق تعبير في الظل  لذلك استفدت من تجربته تلك  خاصة فيما يخص خدع التصوير  والمؤثرات الخاصة بهذا الفن ..

*ذكرت عن الفنان اينوف انه أسس تجربته منفردا عن الآخرين فما هو رأيك بما يختص بجماعات التصوير ومنها جماعة ابن الهيثم للفن الفوتغرافي التي أنت عضوا فيها ؟

- بعد عشرون عاما من تأسيس الجمعية العراقية للتصوير في نينوى رصدت نخبة من المصورين أن عمل الجمعية  لا يؤسس لنهضة في فن التصوير باعتبار انكماش الجمعية على نفسها وضعف أنشطتها لذلك بمبادرة من بعض الأصدقاء ومنهم الفنان أنور الدرويش  وطارق ألشبلي وبشار عدنان  وأنا حيث وجدنا الحاجة ملحة  للشروع بتأسيس جماعة للتصوير الفوتوغرافي  حاولت من خلاله تلك النخبة تحريك المياه الراكدة من خلال رمي حجر  وفعلا نلنا مباركة فنانين رواد منهم الفنان نور الدين حسين  واستطاع هذا الحجر أن يخترق الأفاق بحصول أعضاء الجماعة على جوائز منفردة تارة كما حصل مع الفنان بشار عدنان في المهرجان  العربي الأوربي في مسابقته الثانية  التي جرت في هامبورغ  كذلك أنا حصلت على جائزة المسابقة في نسختها الأولى عام 2006 عبر محور الإنسان والعمل  كما حصلت عددمن أعضاء الجماعة  على جائزة أحسن مجموعة في المسابقة العالمية للتصوير الفوتوغرافي في فينيسيا الايطالية عام 2005 كما فاز الفنان طارق الشبلي بجائزة الجمعية العراقية للتصوير  وجمعيات أخرى متخصصة في العاصمة  بغداد والآن يعاني مصوري المحافظة من وطأة العمل تحت ظل تعنت الأجهزة الأمنية ومنعها لنا من ممارسة هذا الفن الإبداعي بذريعة التحجج بأعذار شتى كما ضيقت أطراف أخرى الخناق على حرية المصورين مما اثر بالسلب على مشاركاتنا في المهرجانات والمسابقات العالمية ..

*لنلج مدخلا أخر هو  إبداعك في مجال قصص الأطفال فماذا عنه ؟

-في حمى وطأة الحصار الذي كان مفروضا على البلد كنا نسمع عن مسابقات ومهرجانات تحتفي بالأدب دون أن نلمس ذلك حقيقة فبدأت بذور البحث والتقصي بعد أن أينعت في الرغبة في المشاركة بتلك النشاطات الأدبية  وفي الوقت ذاته كنت اعمل  على نص مسرحي لإعداده من اجل العرض فتولدت لي حكايات  من الموروث الموصلي الشعبي ومن أقطار مختلفة في الوطن العربي فوجدت نفسي حائرا أمام خيارين  أما أن أتخلى عن النص المسرحي او الغي فكرة الاشتراك بالمسابقة عبر تلك المجموعة من القصص التي أسميتها بـ (أزهار العرب ) فطرحت الأمر للاستشارة  أمام زميلي القاص بشار عبد الله الذي كان قد سبقني بالمشاركة في المسابقة التي أقامتها دائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة الاماراتية في مجال الرواية المسرحية وفعلا  وجدت الفرصة سانحة لي بالمشاركة بأدب الطفل واستطعت الحصول على الجائزة الثانية مناصفة مع قاص من العراق أيضا في ظل حجب الجائزة الأولى خوفا من تكرار اكتساح العراقيين لجوائز المسابقة أو أمور أخرى ارتأت من خلالها الجهة المنظمة حجب الجائزة الأولى ..

*وما هي أدواتك ومصادرك لقطف أزهار العرب ووضعها على مائدة الطفل العربي ؟
-(أزهار العرب )جلها مستوحاة  من حكايات تراث عربي ومن قصص إلف ليلة وليلة  وكليلة ودمنة فضلا عن قصص كنا قد توارثناها بلهجة عامية فحولتها بلغة عربية  رصينة  والحكايات اغلبها تحوي كما هائلا من الخيال الذي يحبذه الطفل  وينطلق معه فكريا   وقد استعنت بجدة  كراوية للحكايات وقد وجدت أن لها أصداء واسعة من خلال ما عبر عنه الأطفال الذين تلقوا تلك الحكايات وأحبوها وتعايشوا مع شخصياتها ..

*باعتبارك  تمثل جيلا من أجيال ميدان أدب الطفل ماهي رؤيتك إزاء أجيال  سابقة من الموصل استطاعت تحقيق تميز في المجال المذكور ؟

-بالطبع فكل مهتم في أي مجال عليه أن يطلع على تجارب من سبقه في هذا المضمار  وقد اطلعت على الأسلوب الذي تميز به القاص المعروف طلال حسن  واعتبره صديقي حيث تربطني معه علاقة  امتدت لأعوام كثيرة ومع ذلك فلم يتخصص حسن في مجال القصة فقط بل ولج معها المسرحية والرواية  مستلهما ما تركه أجدادنا منذ الحضارة الآشورية  ونينوى القديمة ومسرحياته التي استلهم أجزاء منها من خلال ملحمة كلكامش الخالدة أما قصص الراهن المعاش فحاول أن يضخ معه نمط الترميز  مولعا بالتراث الأسطوري كما قدم قصصا عن قضية فلسطين ..

* وماذا عن الراهن المعاصر ،هل لقصص الخيال العلمي موطئ قدم لدى الطفل المتلقي باعتبار الزمن المعاش عصر التقنية الحديثة والانترنت ؟

-قصص الخيال العلمي متنوعة  لكن برأيي فان الطفل العربي بحاجة أكثر ليكون على تماس مع تاريخه وتراثه  وبشكل يقدم كأساطير محكية  ومنها يستمد الطفل قيما دينية  وأخلاقية تحض على المحبة والاحترام  وردع العنف والظلم  واجد أن أدب الخيال العلمي قد لقي شعبية أوسع في الولايات المتحدة خاصة أن تراثهم محدد بفترة300 سنة أو أكثر ولا يملكون مثلنا تراثا موغلا في القدم تعرفنا من خلاله على آلاف الأسماء التي امتزجت إعمالها بين البطولة وفعل الخير أو بين الشر والعنف إما إذا تحدثنا عن أوربا فهنالك بعض الشعوب التي وجدت في تاريخها مصدرا ثريا لحكاياتها التي قدمتها لأطفالها ومعها نحن تعايشنا على إيقاعاتها واذكر منها الشعوب الاسكندنافية وأوجه رسالتي لأدبائنا العرب أن يستلهموا من تراثنا العربي ما ينفع أطفالنا ويرتقي بمستوى فهمهم والرقي بأخلاقياتهم  إلى أعلى المستويات ..

* مادمنا في جانب البيئة وتأثيراتها على تشكيل الطينة الأدبية ، ما هو تأثير( بعشيقة) على أدبك وحكاياتك الموجهة للطفل ؟

-كل شخص تحكمه مسالتين هامتين  هما البيئة الأولية والمعارف والعلوم التي يتلقاها في سني حياته  وأكثر الأدباء والفنانين هم الذين اختزنوا بلدتهم الأولى ومسقط رأسهم ليجدوا في ثناياها ما يعبر عن إبداعهم ابلغ تعبير  والنماذج لاتكفيها صفحات فهنالك الأديب النوبلي نجيب محفوظ الذي هام عشقا بحواري مصر فخرجت  عبر هذه السلسلة حكايات الحرافيش وما بين القصرين  وما إلى أخرها من النماذج الإبداعية وهنالك على مستوى العراق محمد خضير  ومحمود جنداري وفي الوطن العربي نجد عبد الرحمن منيف وحنا مينا إما بالنسبة لي فبيئتي أثرت  في بشكل كبير ففي أدب الطفل استنبطت بعض حكايات الموصل ومنها (جنجل ورباب) كما استفدت من المدينة في قصة (أمنية ) التي كانت إحدى النصوص الفائزة بمسابقة نجلاء محرم المصرية  كما حظيت قصة عنونتها بـ (المغارة ) بعلامات من الإشادة خاصة وان أحداث تلك القصة كانت واقعية  استقيتها من حادثة جرت لي في طفولتي التي قضيتها عبر هواية تسلق الوديان والجبال والمغارات المشهورة بها ناحية بعشيقة ..

*ماذا يمثل لك نشر نتاجك الإبداعي عبر المنتديات الالكترونية ،هل هو بحث عن قارئ غير تقليدي ؟

-الثقافة عموما هي متجددة بحد ذاتها وعبر مراحلها الزمنية ، اذكر إننا حينما بدا ولعنا  يتشكل بالمنحى الإبداعي فتحنا أعيننا على  الكتاب ومن ثم التلفاز والسينما أما اليوم وفي خضم الانتقالة الرهيبة في نواحي التكنولوجيا والعصر الرقمي بقى الانترنت والفضائيات أصحاب القدح المعلى  ومن وحي هذين المجالين يتنوع سلاح الثقافة ذو حدين احدهما يبني شخصية إبداعية وأخر يحاول تهديم الذات عبر امور الضد كما إن أمر تلقي المعلومة من قبل شباب اليوم وهم جالسين في مكانهم هي غير ماكنا ننمو في اتجاهه عبر البحث الدؤوب عن وسائل الثقافة المتنوعة بفروعها السينمائية واختيار المسرحية الملائمة ..

*وماذا عن أدب الطفل الذي يبدو كعصافةفي مهب الريح ؟

-اعتقد إن جهات متعددة لها جانب من المسؤولية في القصور الذي يشهده هذا الأدب خاصة اللامركزية التي باتت تتعامل معها الحكومة حاليا تجاه هذا النوع مقارنة بالنشاط والحركة الدائبة التي عرفتها إحدى مؤسسات الدولة عبر دار ثقافة الأطفال حينما كانت تصدر بانتظام مطبوعتيها التي تحظيان بشعبية واسعة لدى الأطفال كمجلتي والمزمار خاصة في سبيعينيات وثمانينات القرن المنصرم مع اعتراف المثقف العربي بتأثير تلك المطبوعات على واقع أدب الطفل وما شكله من اثر واسع في أفق الإبداع العربي وألان يقع على عاتق الحكومة تبني تلك الثقافة والاهتمام بها بطريقة مضطردة لتوسيع ثقافة الطفل واجتراح نوع من التميز الذي حققه العراق في هذا المجال ..

*نقرا في سيرتك الذاتية محطات متعددة كانت فيها مشاركتك بالمسابقات والمهرجانات ذات بعد مثمر ،هل للجوائز والمسابقات اثر في دفع الأديب إلى أقصى حدود الإبداع أم له تأثير جانبي ؟

-كل الجوائز والمسابقات التي تجري في العالم  تخضع لمقاييس ومعايير معينة  كما تمنح محدودية للإبداع أو تخصص منحى معين لهالكن في المقابل هنالك مسابقات لا تتخصص بفئة أو مجال معين بل هي مفتوحة لمجالات عديدة وعموما فأكثر المسابقات منحت لأسماء أدبية تأثيرا في دفعها للارتقاء بإبداعها نحو مديات ابعد وفجرت فيها مكنونها الذي كان سيظل مكبوتا بالرغم من إن المسابقات والمهرجانات لها حدود احدها سلبية والأخر ايجابي ..

*نعود إلى تجربتك الصحفية،هل نعدها فرصة للكاتب في إن يتخذها محطة استراحة وتأمل قبل إن يعود لأجوائه الأدبية ؟

- اذكر إنني قد بلورت رأيي في هذه الحالة عبر استطلاع أجراه احد الزملاء حول تأثير الصحافة على الإبداع حيث ان السلطة الرابعة وأجوائها تضعك بمواجهة قاري أو متلقي عادي أو من عامة الناس فلذلك عليك  يقع عبء الكتابة بلغة سهلة ومبسطة  لإيصال المعلومة التي يحتاجها هذا القاريء بدون تنميق أو تزويق لذلك تبدو مجالات الإبداع في الفن والأدب ذات إبعاد نخبوية ثقافية أعلى من وسائل الإعلام التي تعتمد الشعبية في طرحها ومدياتها..

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links