المؤرخ الآشوري الدكتور هرمز ابونا يحاضر
في الأسرة الجامعية بالقامشلي
الدكتور أبونا في معرض رده على الكاتب إبراهيم
محمود :
على الجاني أن يعترف بخطأه ويقدم أعتذاراً
عن الجرائم التي إقترفها ضماناً لمستقبل افضل

زوعا - كميل شمعون
مثل حلم طويل . . مرت مئات السنين . . مثل قرية صغيرة أصبح هذا العالم
الواسع . . في مكان ما من هذا العالم وجدت أمة من أعظم الأمم .
ربما يكون للتاريخ سطوته وحتميته اللتان تفرضان على الشعوب الإختلاف ، لكن
أمةً كأمتنا لا يمكن حتى للتاريخ أن يصهرها في بوتقة شعوب أخرى . . بل تبقى
دائماً متفردة في وجودها . . في لغتها . . في إنجازاتها وحتى في مآسيها ،
فبابل ونينوى ومن بعدهما نصيبين والرها . كأسٌ في يد الله . . سقى منها
الأرض فشربت الأمم خمرها حتى الثمالة . . لذا علينا أن نأخذ من الماضي
عظاته ، ونترك قبور المهاترات القديمة التي سببت ضياعنا . . فطوبى لمن
يستوعب دروس التاريخ وعبر الماضي ، ولمن يقف غير مبال عندما تداهمنا الحياة
، فنحن لا نملك من ترف الوقت الكثير لنهدره .
بهذه الكلمات المعبرة الحالمة ، استهلت عضوة الأسرة الجامعية
الملفونيثو ريتا موصللي ، فعاليات النشاط الثقافي المميز الذي أقامته أسرة
مار أفرام السرياني الجامعية بالقامشلي مساء 18 / 11 / 2007 في أخوية مار
كبرئيل ، تحت رعاية نيافة الحبر الجليل مار اسطاثيوس متى روهم مطران
الجزيرة والفرات للسريان ، إحتفاءً بالكاتب والمؤرخ والباحث الآشوري هرمز
أبونا الذي ألقى محاضرة تاريخية قيمة بعنوان ( أتباع كنيستي المشرق
والكنيسة السريانية ) .
وفي مستهل المحاضرة أعرب الدكتور هرمز أبونا ، عن بالغ سعادته
لوجوده بين أبناء القامشلي ، وقدم جزيل الشكر للقائمين على هذا النشاط
الثقافي الذي أفسح له المجال للقاء شعب حي في القامشلي ، وإلقاء محاضرة عن
شعب عظيم ملأ صفحات التاريخ الإنساني بالمجد ، وخط أنصع صفحاته على مدى
قرون طويلة . وتابع إنني عندما اقول إنني من أتباع الكنيسة الكلدانية ،
فإنني أعني السريانية وأعني الشرقية ، وأعني امةً واحدة وشعبٌ واحد لأن
رابطة الدم تجمعنا ، فقد وحدنا الألم . والأمل سيوحدنا في المستقبل كي
نواجه تحديات الزمن .
وقد تناول الدكتور أبونا في محاضرته هذه ما تعرض له شعبنا من
مآسي في عصر تيمورلنك ، الذي حول الأراضي الخصبة الى قاحلة ، فقد دمر فيها
الشجر والبشر على حد سواء . مروراً بالنكبات والمجازر التي تعرض لها ابناء
شعبنا في القرن التاسع عشر ، على ايدي السلاطين العثمانين واتباعهم كبدرخان
وابناءه وغيرهم ، وبتفاصيل موثقة . اذهلت الحضور لما تضمنته من تفاصيل عن
الحياة المعيشية للكلدوآشوريين السريان في تلك الفترة العصيبة من تاريخهم ،
وعن الدور المقيت الذي لعبته الدولة العثمانية في تغذية الصراعت الطائفية
والقومية في ظل امبراطوريتها المترامية الأطراف ، ومن ضمنها تغذيتها لحرب
بدرخان بك على ابناء شعبنا ، وقد قضى عشرات الآلاف منهم نحبهم على نصال
سيوفه حتى عام 1846 ، وأشار إلى الدور الذي لعبه المبشرين الغربيين في
تفتيت كنائسنا وشعبنا 0 كــ ( بيكيت ) قنصل فرنسا في حلب الذي لعب دوراً
كبيراً في تقسيم الكنيستين الشرقية والسريانية كلٌ منها الى قسمين ، وتطرق
الى الصراع الفارسي التركي في تلك المرحلة . وكان تلك بذور الصراع الشيعي
السني في المنطقة حسب تعبيره .
بعد إنتهاء المحاضرة أدارت الملفونيثو ريتا موصللي حواراً
جريئاً بين الحضور والمحاضر ، وشهدت هذه المحاورات أسئلة ومداخلات كثيرة
تشكل هواجس لأبناء شعبنا في ظل المناخ السائد في المنطفة ، أجاب المحاضر عن
مجملها بدقة وإيجابية ، ومنها مداخلة للكاتب إبراهيم محمود الذي تساءل عن
سبب حصر مجازر الاشوريين ببدرخان بك وابناءه وغيره من الآغوات وإغفال
أسماء أو جهات أخرى ساهمت بأفعال مماثلة بحق الآشوريين ؟ فاجاب الدكتور
أبونا إنه عالج في محاضرته فترة ومرحلة معينة من التاريخ ، ولكن الأهم في
رأيه أن يتم الحديث عن جناية حصلت و على الجاني أن يعترف بخطأه ، ويقدم
أعتذاراً عن الجرائم التي إقترفها ضماناً لمستقبل افضل .
وكان لنا كزهريرا وبهرا مداخلة تضمنت تساؤلات مشروعة وجاء فيها
( منذ سقوط نينوى وبابل ونحن كشعب أضحينا مادة إستهلاكية وحطب للتاريخ ،
ولم نكن صناع حدث فيه بالمفهوم السياسي ، كيف ستؤرَخ العقود الأخيرة لأبناء
شعبنا كوجود . في ظل هذا التشظي الطائفي والسياسي ، هل كمادة إستهلاكية
أيضاً . . أم كصناع حدث ؟ ) ، أجاب الدكتور : لقد مررنا كشعب بفترة
الإمبراطورية العظيمة بشخصية ذات طابع مادي ، وتركت شواهد تدل على العظمة
وهي شاخصة في مئات المتاحف ، وما تركه آباءنا تحت الأرض يلزمه الكثير من
الوقت كي يرى النور ، وتاريخياً مطلوب منا الآن أن نحدد أين نحن من تلك
الشخصية وأن نحاول أستعادتها، في ظل المسيحية أصبحت شخصيتنا مثالية روحية ،
فقد أضحينا نعلق مآسينا على شماعة الغيبيات وهذا ما اوصلنا إلى هذا الحال .
عقب ذلك أقيمت للدكتور هرمز أبونا مراسيم تكريم رسمية ، من قبل
كل من المحامي عبد الأحد خاجو نائب رئيس المجلس الملي السرياني بالقامشلي ،
وأمين سر المجلس السيد جورج يوسف ، ومشرف الأسرة عضو المجلس الأستاذ جوزيف
ملكي ، ورئيس الأسرة المحامي سهيل دنحو ، وقد كُرم بشهادة شكر وتقدير مع
درع تذكاري بأسم الأسرة الجامعية ، ونسخة من فلم ( آخر الآشوريين ) للمخرج
الفرنسي روبرت آلو الذي قامت الأسرة الجامعية بترجمته للعربية ودبلجته
للسريانية .
وعلى هامش هذا النشاط الثقافي كانت لنا وقفة قصيرة مع المحامي
سهيل دنحو رئيس أسرة مار أفرام السرياني الجامعية ، الذي افادنا ( بأن هذه
المحاضرة وهذا التكريم هو أقل ما يمكن أن نقدمه معنوياً لهكذا شخصية ، تقضي
جل وقتها في التفكير بقضايا شعبنا وإستذكار ماضيه وتأريخه بوعي وموضوعية قل
نظيرها ، وإن حضور الباحث أبونا هو مهرجان بحد ذاته ، حيث أضاء لنا جوانب
غائبة من شخصيتنا التاريخية ، ولأنه شخصية تجسد وحدة شعبنا في حديثه
وتناوله لكافة المواضيع التي يطرحها ، فهو يسرد ألم عانيناه سوية كطوائف
وهذا ما يشكل نقطة ارتكاز نحو الأمل في وحدة حقيقية ) .
وبهذا النشاط الثقافي المميز وغيره من التي أعتادت هذه الأسرة
أن تقدمها في القامشلي وغيرها من مناطق تواجد أبناء شعبنا ، تمكنت وأعضائها
من تبوء مكانة رفيعة بين المؤسسات المهتمة بالشأن الثقافي والأجتماعي
والقومي للمجتمع الكلدوآشور السرياني في سوريا ، وهي مكانة يلزمها المضي
قدماً بطبيعة الحال ، لشريحة يعقد عليها الأمل في كل المجتمعات الإنسانية ،
في البناء والمعرفة وإحداث قفزة في كل مفاصل المجتمع الذي تنتمي اليه ، وفي
ظل مجتمع وحالة إستثنائية كالتي نعايشها ، تعتريها الكثير من التصدعات
الطائفية والثقافية والسياسية ، يفترض أن يكون العمل بحجم التطلعات
المشروعة لأبناء شعبنا ، في إعادة البناء والسعي نحو البحث عن آلية ما
لإقامة وحدة حقيقية ، بين طوائف مشتتة . وكيانات سياسية غائبة ، وحدة
تعيدنا إلى واجهة الأحداث ، وتضمن حقوقنا في ظل أي أستحقاقات قادمة . .
وإلا فإن التاريخ سيعيد نفسه . . وإعادة التاريخ لنفسه هو من ضمن حتمياته
التي يغرم بها . . إذا لم يتواجد من يغير وجهته ويحد من جموحه وهواياته .
.JPG)
.JPG)
.JPG)
|