الثورة تأكل....ثوّارها

 

 

                                                             نمرود سليمان

                 لقد فجّر الشباب العربي غضبه المتراكم منذ عشرات السنين على الانترنيت والفيس بوك، فأحدث ثورات عديدة في بلدان عربية، وأسقط منظومة الدكتاتوريات، وحلّ بدلا عنها منظومة التغيير التي تسعى جاهدة للبحث عن قطبيها، وأعطى الحدث في تونس ومصر وليبيا إضافة نوعية للعالم كله، وأسّس لمرحلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، واستطاعت التكنولوجية الحديثة أن تفرض واقعها على جبروت الأنظمة القمعية، التي قضت بسهولة لكل حركة تغييرية قبل عصر الانترنيت والفيس بوك.

لا نبالغ القول: بأن النموذج الذي قدّمه الشباب العربي لم نشهد مثيله في العالم، تغيير شامل ومختلف عمّا سبقه، تغيير سلمي وعلمي وحواري بين الشباب من جهة والدكتاتوريات من جهة أخرى، وكان الأخير يقدم التنازل تلو التنازل، بينما الطرف الأول "الشباب" تمسّك بشعاراته من البداية الى النهاية، يفاوض من خلال افكاره على طاولة الحوار، أي لا يوجد له قائد ملهم وحزب منظم، وفي النهاية سقطت الدكتاتوريات في فترة زمنية قياسية قصيرة جداً، فاجأت كل المحللين الاقليميين والدوليين، بحيث لم يتوقع أحداً في العالم هذا السقوط المريب.

لقد اعتمد شباب مصر وتونس على شعارات سهلة ومفهومة ومقبولة، كرامة-حرية-ديمقراطية-عدالة-محاربة الفقر والبؤس-نريد وطناً نشعر به ونعيش فيه بأمان، وطن للجميع دون تفريق في المذهب والدين والعرق، ذلك الوطن الذي يقيم جسور المحبة والثقة بين ابناءه، لا دهاليز ووديان التفرقة التي بناها المسؤولون.  بهذه الشعارات استطاع الشباب وبفضل التكنولوجي، العمل والتنظيم وتحديد المواعيد والخروج والبقاء في الساحات حتى تم تحقيق الأهداف، هؤلاء الشباب القادم من الطبقة الوسطى، لم يُفكر بوضعه الاقتصادي بل بحث عن كرامة وطنه الضائعة، لذلك صال وجال وجرّ خلفه البؤساء والمضطهدين، كما لحقت بهم أكشاك المعارضات العربية.

نعم: إنها بداية التغيير عواصفه لن تقف عند هذه الدولة أو تلك، بل ستغيّر المنطقة، والتداعيات ستقطع المحيطات الى بلدان أخرى.  لقد وحّدت حركة التغيير الشعوب العربية، بعد أن أسقطت الثورات التخندقات العامودية التي أقامها الدكتاتور بين أبناء شعبه، ونرى الشباب مُصرّاً على وضع دستور عصري يحمي حقوق الجميع، دستور يحمي الحرية والديمقراطية والعدالة وتداول السلطة، يرفض كل الايديولوجيات المغلقة، دستوريعتز المواطن بوطنه وكرامته.

بالرغم من كل الابتهاج والفرحة العارمين، فإننا نخاف أن تقوم هذه الثورة العظيمة بأكل ثوارها العظام وذلك للأسباب التالية:

1-  الثورة أسقطت الرئيس ولم تسقط النظام بالرغم من تجميلات هنا وهناك.

2-  استطاع الشباب المصري والتونسي أن يضع برنامجاً للتغيير، ولكنه فشل في وضع برنامج ما بعد التغيير.

3-  لقد وحدت الساحات العربية الشباب اثناء الثورة، ولكن لا توجد لديهم ساحات تنظيمية ما بعد الثورة، الخوف أن يتحولوا الى جماعات.

4-  المتربصون حاولوا ويحاولون خطف نتائج الثورة، تحت شعارات دينية أو قومية مغلقة، ما رأيناه يوم الجمعة ١٨/ ٢ في ساحة التحرير بالقاهرة يؤكد ذلك، بحيث القى القرضاوي خطاباً دينياً مطولاً، علماً بأن الرجل غاب عن مصر ثلاثون عاماً، وعندما أراد أكبر مهندس منظم لثورة الشباب وائل غنيم الصعود الى المنصَة تم منعه من قبل حراس يوسف القرضاوي، لقد إستفزّت هذه اللقطة مزاج الملايين من البشر.

نحن على ثقة تامة بأن الشباب الذي نظّم وقاد ونجح في التغيير، يستطيع خلق تنظيم سياسي جامع للطموحات كافة، يفرز عنها قيادة شبابية قوية تساهم في بناء الدولة الحديثة.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links