مستقبل
خريجي الأعوام السابقة
سعد تركي *
تخرجوا من المعاهد والكليات في اعوام الثمانينات والتسعينات من القرن
الماضي، وبدلا من أن يمارسوا اختصاصاتهم التي أعدوا لها وأنفقت الدولة
مبالغ كبيرة من أجل تأهيلهم لهذه الوظائف سيقوا لأداء الخدمة الالزامية
ليخوضوا -مرغمين- الحرب العراقية الايرانية التي ما أن تنفس العراقيون
"ومنهم الخريجون" الصعداء لانتهائها حتى طحنتهم حرب غزو الكويت وما تبعها
من حصار اقتصادي استمر الى العام 2003، وخلال كل هذه الأعوام لم تتح
لأغلبهم فرصة التعيين في دوائر الدولة ووزاراتها واضطروا -بعد تسريحهم من
الخدمة العسكرية- الى مزاولة أعمال ومهن بعيدة كل البعد عن اختصاصاتهم،
وانقضت زهرة شبابهم في اللهاث وراء لقمة العيش حتى اكتشفوا بعد 2003 أنهم
مازالوا يمارسون ذات الأعمال المرهقة، وأنهم بلا ضمانة ولا مستقبل يؤمن لهم
راتبا تقاعديا حين يعجزون عن العمل بفعل التقدم في العمر أو الاصابة بحادث
ما..
ولو ألقيت نظرة عليهم
لوجدت أن أغلبهم أصبحوا شيوخا محنيي الظهر هدهم التعب والكد والمعاناة
والألم على الرغم من ان أغلبهم لم يغادر الاربعين من عمره.
استبشر الكثير منهم
بالتغيير خيرا، واعتقدوا أن الحكومة التي ستتسلم مقاليد الحكم ستنصفهم
وتعيد اليهم بعضا من حقوقهم ومعها سنوات العمر التي ضاعت في الحروب
المجانية للنظام السابق والوقوف تحت أشعة الشمس اللاهبة صيفا والبرد القارص
شتاءا طلبا للقمة عيش مغمسة بالألم والعذاب والذل.. قدم أغلبهم طلبات
للتعيين بعد 2003 آملين أن الاجحاف الذي لحقهم وسنوات العمر التي ضاعت بلا
جدوى سينتهي، وأن حاضرهم ومستقبل أطفالهم أصبح مشرقا وضاءا لكن صدمتهم كانت
كبيرة حين علموا أن تعليمات التعيين تقتضي أن يكونوا من الخريجين الجدد أو
أن يكونوا من المنتمين للأحزاب التي جاءت بعد التغيير، وبعضهم استطاع
الحصول على التعيين عبر بوابة الرشوة أو الحصول على ما يفيد أنه كان مضطهدا
زمن النظام السابق وكأن النظام السابق اضطهد فئة صغيرة من الشعب العراقي
وليس مجمل أفراد الشعب.
أن الاسباب التي جعلت
خريجي الأعوام السابقة يعانون من البطالة كثيرة ومتعددة، ولكل خريج منهم
قصة عن سبب عدم تعيينه، ولهذا فأن على الحكومة والبرلمان أن يجدا حلا يرفع
عنهم معاناتهم ويوفر لهم ولعوائلهم ضمانة للمستقبل وينتشلهم مما هم فيه من
قلق..
نحن ندرك أن الوزارات
محقة في رغبتها بتعيين الخريجين الجدد لأسباب كثيرة ليس هنا مجال تعدادها
أو شرحها لكن الظرف الاستثنائي والأوضاع التي مرت بالوطن وما زالت تستدعي
حلولا استثنائية لحل مشكلة هؤلاء الخريجين وتصويب أوضاعهم.. ولا نعني هنا
أن الحل يكمن في تعيينهم فقط فأن هذا الحل على أهميته والحاجة الماسة اليه
لا يرفع الظلم والحيف عنهم لأنه يعني أن سنوات العمر التي انصرمت في كفاحهم
وكدهم ذهبت هباءً وأنهم سيتساوون مع الخريجين الجدد في احتساب سنوات الخدمة
لأغراض الراتب والتقاعد في حين ينبغي أن يتساووا مع أقرانهم في احتساب
سنوات الخدمة لأغراض التقاعد على الأقل حيث يعتقد بعضهم أن من المجحف أن
يتمتع أقرانهم بكل امتيازات الوظيفة لا لشيء الا لأنهم استطاعوا نيل وظائف
لم يستطع أقرانهم الوصول اليها لأسباب لا علاقة لها بالرغبة أو الكفاءة
علما أننا ندرك حجم الشروط القاسية والمواصفات الخاصة التي كان النظام
السابق يضعها أمام من يرغب بالتعيين.
أعادت القوانين الحالية
الكثير من المفصولين السياسيين الى الخدمة وأحتسبت سنوات الفصل خدمة لأغراض
الراتب والتقاعد في حين أن الكثير من خريجي الأعوام السابقة تقدموا للتعيين
زمن النظام السابق وتم رفض طلباتهم لأسباب سياسية ولم ترد في القوانين
الحالية فقرة تشير الى معالجة مثل هذه الحالة..
نعلم تماما حجم
المشكلات التي تعاني منها الحكومة وهي تحاول جاهدة ترسيخ الأمن وانشاء دولة
القانون لكن ذلك لا يعفيها من مسؤولياتها - كما نعتقد- في حل مشاكل
مواطنيها وتوفير فرص العيش الكريم لهم، كما أنه ليس من المعقول أن تذهب
الأموال التي أنفقتها الدولة على هؤلاء الخريجين بدءا من المرحلة
الابتدائية الى أن يتخرجوا في المعاهد والجامعات لتفرط بهم ويمارسوا أعمالا
يمكن لأي شخص ممارستها دون تحصيل دراسي.
* عن موقع كتابات
|