يتكلمون عن الديمقراطية والمساواة والعدالة

 بصوت عالٍ ولكنهم يفعلون العكس بهدوء

 

                                                      خوشابا سولاقا

               ان المتتبع والمراقب السياسي للخطاب السياسي للنخب السياسية العراقية من مختلف الاحزاب والفصائل والكتل السياسية العراقية خلال السنوات الخمسة والنيف المنصرمة من عمر العراق الجديد، يسمع صوت عال جدا الى درجة الصخب وبدون توقف يصدر من مختلف قادة ومنظري ومفكري عصر الديمقراطية العراقية الجديدة للنخب السياسية العراقية، وعبر مختلف وسائل الاعلام المحلية والعربية والاقليمية والعالمية بمناسبة وبدون مناسبة، ويتبارون عبر خطاباتهم واحاديثهم ومستغلين مختلف منابر الخطابة الرسمية وغير الرسمية بما فيها مجلس النواب العراقي الموقر والناطقين الرسميين باسم مختلف مؤسسات الدولة الدستورية، للمزايدة على الديمقراطية والحياة الديمقراطية الحرة وبناء مجتمع الكفاية والعدل والمساواة والحرية في العراق الجديد، عراق لا يختلف فيه عراقي مهما كان حسبه ونسبه وانتماءه القومي والديني والطائفي والجنسي عن اخيه العراقي الاخر، الا بالتقوى الوطنية وعمل الخير للوطن والشعب والاخلاص والنزاهة في العمل والتضحية بالمصالح الشخصية من اجل مصالح المجتمع، ويتشدقون بما ورد في مواد الدستور العراقي الجديد زورا ونفاقا، بخصوص مساواة العراقيين بكل مكوناته وتلاوينه المتعددة امام القانون.

ولكن عندما نغوص بين طيات عقول واعماق نفوس اغلب هؤلاء من اصحاب الخطابات الرنانة والمدوية والكلمات المعسولة المروجة لاقصى درجات الوطنية بملبسها الديمقراطي، نجد انهم لا يختلفون بشيء عن اولائك الذين سبقوهم في حكم العراق سابقا بعقلية عنصرية شوفينية قومية ودينية وعشائرية وطائفية مذهبية ان لم نقول انهم اسوء منهم بكثير من الامور والممارسات اللاوطنية، بل واكثر منهم نفاقا ورياءً وكذبا اذا اخذنا الفارق الزمني والتطور الحياتي في كل المجالات والحقول بنظر الاعتبار. ولذلك من حقنا القول عنهم انهم يتكلمون عن الديمقراطية والمساواة والعدالة بصوت صاخب ومدوي في الليل، ويفعلون عكس ما يقولونه في النهار بهدوء، متماشين في ذلك مع قول الشاعر العباسي المشهور "ابو نؤاس" رحمه الله "كلام الليل يمحوه النهار"، الله ما اصدق قولك في كل زمان العراق في ماضيه وحاضره، وكم كنت حكيما بقولك يا ابا نؤاس...!

كان اجماع الحاضرين من اعضاء مجلس النواب العراقي الموقر في اجتماعه يوم الرابع والعشرون من ايلول الجاري والذين غالبا لا يجمعهم جامع على تقرير ما يفيد جميع العراقيين يوما، بل يجمعون عادة على ما يزيد فرقتهم وما يكرس بقاء الثقافة والعقلية العنصرية والشوفينية القائمة على الاقصاء والتهميش ومحاولة الغاء الوجود الوطني للاقليات القومية والدينية، التي سادت العراق منذ استقلاله في العشرينات من القرن الماضي الى يوم سقوط النظام البعثي السابق، حيث انتعشت بعد هذا السقوط امال الاقليات القومية والدينية واستبشرت خيرا ببزوغ عهدا جديدا يتساوون فيه مع بقية اخوانهم من ابناء القوميات والاديان الكبيرة في العراق على اساس الولاء الوطني كما نص عليه الدستور الجديد الذي اقرته الملايين من ابناء العراق، بعدما حصل لهم من المظالم والاضطهاد خلال عقود طويلة بسبب اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية عن انتماءات الحاكمين.

كان اجماع اعضاء مجلس النواب على الغاء نظام الكوتة من المادة "24" من مسودة قانون انتخابات مجالس المحافظات لتخصيص تمثيل مقاعد محددة لهذه الاقليات في مجالس المحافظات التي يتواجدون فيها بمثابة توجيه الضربة القاضية لآمالهم التي انتعشت قليلا في تحقيق العدالة والمساواة والغاء كل اشكال التمييز واقامة النظام الديمقراطي في العراق الجديد. هذا القرار برهن بالدليل القاطع لابناء هذه الاقليات كما يقول المثل الشعبي العراقي قديما "عادت حليمة الى عادتها القديمة"... وكان الله في عون المظلومين من ظلم الظالمين.

واما ما صرح به السيد دي ميستورا ممثل مفوضية الامم المتحدة في العراق ووعده بأنه والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات سيسعون لايجاد آلية مناسبة لضمان تمثيل الاقليات في مجالس المحافظات ليس الا مجرد ذرَّ الرماد في العيون وتمييع للقضية من اساسها، لان اي اجراء يصبح من دون جدوى بعد صدور القانون، ما نطالب به من حق التمثيل في المجالس يجب ان يُضمَن في القانون نفسه ليصبح حقا قانونيا وامرا واقعا لا يجوز ولا يمكن لكائن من يكون، ولاي سبب من الاسباب من التجاوز عليه او التراجع عنه في المستقبل. هذه هي العدالة الحقيقية يا مستر دي ميستورا يا من أمنوا العراقيين الضعفاء لديه حقوقهم، وخصوصا نحن ابناء الاقليات سكان العراق الاصلاء وبناة حضارتها النهرينية "الميزوبوتيمية" في سومر وسهل شنعار واور بزقورتها واريدو واكد بسرجونها العظيم وكيش والوركاء وبابل ببرجها العجيب واسدها الرهيب وآشور ونينوى ونمرود وخرسيباد بثيرانها المجنحة العملاقة التي تملء متاحف العالم وحضر باعمدتها واقواسها الرائعة الجمال بفنها المعماري وأرباإيلو بقلعتها التي تحدت الزمن وكرخ سلوخ بدماء شهدائها الابرار بالآلاف. هذه الحضارة العظيمة التي لا تضاحيها حضارة اخرى في عطائها الانساني بما قدمته للبشرية، هذه الحضارة التي ابنائها هم اول من شرعوا اول قانون في التاريخ وهم اول من اخترعوا العجلة، هل من الحق والعدالة والانصاف والمنطق ان يعيش ابناء واحفاد بناة هذه الحضارة العظيمة كاليتامى في بيتهم "بيت نهرين" في عصر الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان الذي تعيشه الشعوب..؟

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links