هل نستسلم لمكيـــدة الكاريزمة الكاريكاتيرية  

                                     

                                                             ثامر

           يَحارُ المرء متسائلا إن كان باع القدر أم فعل قوة الفيزياء وأذرع مقاومتها هو الذي يُلهي بعض العقول كي يـُلقى بشعبنا الكلدواشوري السرياني في غياهب تكرار التجارب ومتاهاتها التعيسة، حالٌ حُكِمَ على هذه الأمة أن تقاسيه  ومثقفها  منزويا ً مع دور ٍ يعود عليه بالنفع والمال، ويا ليته إكتفى عند هذا الحد، إنما  ساقت به اللامبلاة  إلى إستباحة  خواصرأهله لتصبح هدفا سهلا لخناجر سمومه ,أمــّا دمــاء أهله الممزوجة  بالدمـــوع فـــبــها يزيّن المدارج ويلــّونها كي  يعتلي الضاحكون منصات الخطابة ومن ثمّ يســلــّـم أمرنا لرحمة نكرات تنفرد في تقريرمصير أمتنا و رسم مستقبل شعبنا.

معروف عن حديّة التاريخ بأنه الفيصل الذي لا يرحم أحدا ً، ومعروفة لدينا القصص المخزية التي ستحكيها صفحاته عن (المبدعين) الذين بثوا في حارتنا طباع التبعية المذلّة , أولئك الذين لو جادوا  أجادوا حفظ تعويذة التزمير للقائد الكارتوني المصطنع عن ظهر غيب، ولأن ثقافتهم  بالكاد تسعفهم  في معرفة أنفسهم فلم يعد أمامهم أفضل من إمتهان  حرفة  وعّاظ ٍ للسلاطين ومطربيهم على نغمات أنين شعبنا في هذا الظرف العصيب،  فقد أقسموا اليمين على أنفسهم بأن لا تتعدى ثقافتهم حد  جرأة التملّق  لفاتح الخزنة  ووعدوا ذاتهم المريضة أن لا يرقصوا إلا على جراح أهلنا وصوت خرير الدراهم يطرب شهواتهم ، كما أصرّوا أن لا ييكتبوا  لتنظيراتهم إلا وكانت دماء أهلهم حبرا لأقلامهم المعكوفة حيث تمتزج مشاهد الذل والخذلان في صور أحرف كلماتهم و معاني نوطات مدائحهم.

إن ّ كثرة الأزمات التي يمر بها شعبنا وتشابك عقد مشاكله, جعلت وسطنا المتعلّم يطنب في مناقشة المسببّات والعلل لحد إختلاق مشاكل جديدة يصنعها تيهانه وهو يزعم  البحث عن حلول القديمة منها، فينا صنف المثقف الذي  رفع الراية البيضاء مستسلما للأمر معتبرا مأساتنا  إستحقاقا واجب الدفع لا يستدعي الإعتراض، وآخر ينقر بمعوله على عجز النخبة عن إنجاب قيادة جموح  تقلب الطاولة على رؤوس المتنكرين، و صنف آخريهتدي في القول بأن تبعثر سواعد شعبنا  وعدم إرتكان العقول لقرار سياسي أو ديني جامع  شكلــّت سببا ً يستدعي  بزوغ شخصية أو ولادة منظومة كاريزمية تتولى أمر لملمة السواعد  وترتيب طريقة تحريكها,وفيهم من يحلــّق في العلالي طارحا فكرة تشكيل ميليشيات  لمقاومة القائم من الظلم  ، إذن بقدر كثرة مسببــّات المأساة  تتعدد الإراء لتتضارب حينا وتتوافق حينا أخر، أما إطلاقها من أجل حفظها في الرفوف والأرشيفات  فهوسبب آخر يضاف غلى تلك ألتي ألحقت بشعبنا الكلدواشوري السرياني المزيد من الخسائر , و لحد هذه اللحظة ,ما من متعظ يجمع  الفرقاء ليجتمعواعلى مناقشة العلّة و يستهدوا بالرحمن لدراسة الحل المفيد  رأفة ً بهذا الشعب المُنــكــّب على مائدة عشائه الأخير.

 نعم  نقولها بأسى وألم , و بحسب كل الأعراف السياسية والفلسفية الإجتماعية , بأننـــّا طريق الضياع طواعية ً سالكــون إن لم نبحث عن مسلك  آمن  في زمن يفتك بعقول من نحسبهم مثقفينا ومتعلمينا وباء الإنهزامية والإنطواء، وباء تغذيـــّه علبة حلوة من حضرة السلطان ولكن لن تعالجه آيات  نازلة من السماء ما لم تطبق عليه  يد نخبة تنتفض من رحم معانات أهلها فتلك هي  أنجع العلاجات .

 نعم ربما نحتاج إلى شخصية( او منظومة) كاريزمية حقيقية  تحتضنها النخبة وتساندها  عامة الناس كي تشرع في إعادة الأمور إلى نصابها ووضع العربة على سكتها الصحيحة ،ولكن حذاري ثم حذاري  يا سادتي من ورطة فرض كاريزمة كارتونية تملأ الفراغ الذي صنعناه نحن بأيدينا، نعم  إن في خيار التعويل على كاريزمة حقيقية منظمّة فيه من الصواب والعقلانية القدر الكبير لو أخذنا بنظر الإعتبار حاضر حالنا الداخلي  مع الإستفادة قليلا مما سبق من تجارب ماضينا القريب والبعيد، ودواعي التفكير بهذا الحل ليس الهدف منه تسقيط أي جهد جمعي ناشط على الإطلاق , بل هي بسبب تعقيدات مشاكلنا الداخلية وتفاقمها  في خضم  وضع سياسي عام مضطرب بعد  أن أخفقت  كنائسنا في ممارسة دورها إيجابيا ، لا بل زادت من الطين بلـّة في تدخلّها ، وهكذا الحال مع تقلبات خطابات فصائلنا السياسية التي مازالت هي الأخرى تتعثر في توحيد جهودها وترتيب خطابها السياسي.

 ما من شك، إن غياب الشخصية الكاريزمية الحقيقية  عن ساحتنا السياسية المظطربة وتعقيدات تركيبة شعبنا المذهبية الدينية والفكرية السياسية المشتته ما بين ولاءاتها القومية والوطنية والدينية (الكنسية)، نتج عن هذا الغياب مضاعفة تدهورالحالة وتشتت القطيع في الوديان والأخاديد ، القصد من تسويق هذا الكلام ليس الهدف منه النيل من أحد كما أسلفنا ، ولكن لأن هذا الأحد، سواء كان متمثلا بالكنيسة أو بمثقفينا أو أي جهة سياسية، قد أخفق أو لم يتوفق في تأدية مهامه المفترضة على الوجه المطلوب، فباب الإجتهاد يبقى مفتوحا وحاجتنا إلى الكاريزمه المنظمّة  تبدو متزايده حتى لو يرى  البعض في ذلك تجني على إجتهادات الأخرين ومساعيهم.

نعم لقد غيّب عنــّا قدرنا النحس، شخصية ً كان لنا في درايتها وثباتها المجرّب أملنا الذي لم يتحقق قبل و بعد سقوط النظام، وعلى ما يبدو حتى فلسفة الطبيعة هي الأخرى قد حنـَت قامتها ولوَت رقبتها أمام المتكابرين  أزاء ما تتطلبه منها حاجة أبن الارض المسكين، لقد حرمته من تلك الأمنية حين خطف الموت شخصية ً وطنية  كلدواشورية شيوعية ممثلــّةً بالمرحوم توما توماس، الملقب بأبي جوزيف، ذلك المناضل الكاريزمي الذي جمع في شخصه صفات الرجل القيادي ، وفي الليلة الظلماء يُــفتـَقد البدر, غاب هذا الرجل في وقت شعبنا بأمس الحاجة إلى من يلم شمله، هذا الشهم الذي لم يمتلك ثمن خبزة قوته اليومي مدى عقود نضاله التي  واصل فيها الليل بالنهار دفاعا عن حرية الإنسان العراقي وعن وجود شعبه، هذا  البطل الذي بصق على كل العروض والإغراءات السلطوية البعثية لقاء تخليه عن مبادئه التي نذر لها حياته وكلّّفته هجولة عائلته التي فقدت إبنها الشاب منير وهكذا وفاة زوجته المرحومة  قبل وقتها.

 هذا الرجل التاريخي كسب تأييد الأعداء قبل الأصدقاء، ليس عبر توزيع المغدقات  ولا بترهيب الناس بالعنف أو بالتهديد، بل من شدة دماثة أخلاقه وثقته العالية بنفسه، لم نشهد له يوما  أن راوغ أهله أو إستغلّهم لمنفعته حاشاه، بل  مواقفه الصلبة وتحمله لتبعات متاعب الطريق الذي إختاره لنفسه  كانت هي  الصك  الذي لقى قيمته الحقيقية مفتوحة عند الجماهير التي من شدة حبها له باتت تتحســـّر كلما صادفها مأزق .

فيما يتعلق بواقعنا الحالي، الغريب في أمر مثقفي عصرنا  (قسم منهم)  هو أنهم رغم معرفتهم الدامغة لواقع شعبية هذا الرجل(أبو جوزيف)  وشخصيته المتواضعة , فهم يتناسونه او ربما يسعون الى طمس حقيقته كنموذج كاريزمة  يقتدى بها ,لأنه صاغها  وحاكها بخصائله ومواقفه النضالية. كما أنهم يتجاهلون ظاهرة تدّني وضعه الإقتصادي  منذ لحظة إنخراطه في العمل النضالي في  بداية الستينات ، ويعلمون جيدا بأن مصدر عيشه أصبح ما يقرّه له حزبه من عوائد الإشتراكات والتبرعات  ، إلا أنه بإخلاصه وحرصه على خدمة شعبه تمكن من فرض نفسه على محيطه السياسي والعسكري والإجتماعي، هكذا تكون الشخصية الكاريزمية التي تستحق الإطراء والإقتداء بها يا سادتي، وإن شئنا أن ننبهر بكاريزمة ، فنموذج كالمرحوم أبو جوزيف ونخبته التي لازمت أفكاره لحد الآن  هي قدوتنا للكاريزمية الحقيقية ألتي يحترمها العدو قبل الصديق.

 كي لا نطيل في الوصول  إلى بيت القصيد من مجمل ما ذكرناه أعلاه, فصدمتنا كبيرة من الحالة التي نشهدها عند بعض مثقفينا  اليوم من قوميين مخضرمين ويساريين شيوعيين (أصبحوا قوميون الأن)  من الذين عاشوا مرحلة المرحوم ابو جوزيف وعرفوا ثقله ومكانته بعد أن عايشوه عن كثب، حيث كل المعطيات تشير إلى أن قسم  من أولئك المناضلين يحاولون الآن طي  تلك الصفحة النضالية البيضاء  ليطلقوا العنان  نحو رحلة إنبهار قاتمة السواد  ومنقلبة  بزاوية 180 درجة، إنهم في فعلتهم هذه ثبت أنهم يدوسون على كل قيم النضال والتحدي حين جاؤونا  طائرين مع سرب المغردين للدولار. يعرف حتى الإنسان البسيط ما سبب هرولة هؤلاء القلّة وراء كاريزمة مصطنعة أوكلها حزبها على صرف أموال هي أصلا حصة ابناء شعبنا، هذه الكاريزمة التي صنعتها عقول سياسية معروفة وفرضتها لتلقى صداها لدى عيون وقلوب محبي المال والمناصب الجاهزة.

 ولأن مكاتب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري  منتشرة في ارجاء المعمورة كفروع مصرفية تابعة للخزينة المركز( بيت المال)، فقد تفتقت شهيّة وشريحة محبي المال من قوميينا ورجال ديننا ويسارييّنا الأشاوس، وهبّ السادة  وكأنهم طوابير جيّاع إلى عتبات أبواب مكاتب فروع بيت المال ليعودوا وجيوبهم متخمة بالدراهم ، إذن  يا ترى هل يعقل أن يخرج الأخ وجيبه متخم دون ان يملأ أسطر مقالاته مدائحا  ودعاءات الى لله في العلن كي يطيل عمر الأستاذ أغاجان؟ أنا متأكد أنهم في دعائهم يقصدون ديمومة جريان النهيّر الدولاري وليس  إطالةعمر السيد أغاجان، ويبقى السؤال الروتيني الذي يرفض هؤلاء الإجابة عليه هو: أين أصبحت المبادئ يا رفاق العمل القومي والنضال اليساري الشيوعي؟ وأين هي قيم و تعاليم الحزب الذي قادكم فيه المرحوم توما توماس؟ وكيف لنا تصديق الطروحات والشعارات إن كانت تصوغها و ترتشّها رزم  الوريقات الخضراء ؟وهل حقا وعيكم الفكري والسياسي لم يسعفكم في كشف حقيقة ما يدور؟

  في مسك الختام  , نقول  ليس  لنا  سوى أن نشيد ونبارك لكل من يتخذ من الإخلاص والتواضع في عمله  سلوكا يعزز من إستقلاليته على طريق خدمة أهله,سواء كان فردا  أوجماعة منظمة سياسيا, فبين الإثنين ما يجمعهما أخلاقيا  و سياسيا  ليكوّنا لنا الكاريزمة الحقيقية التي يحتاجها شعبنا اليوم , وأترك بقية التفاصيل لحلم القارئ فهو جدير بتكملة المتبقي.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links