ريشة في
مهب الريح
حازم زوري
منذ ما
يقرب الخمس سنوات وحتى الان يعيش العراق حالة من الفوضى والتشرذم وانعدام
الوزن لا مثيل لها بين اوطان الدنيا حتى كاد ان يستحيل الى ريشة في مهب
الريح تتقاذفها اهواء ومصالح الساسة ، فمن انعدام الامن والاستقرار والقتل
اليومي بكل الوانه ودوافعه والذي طال كل ابناء الشعب العراقي والحق افدح
الاضرار بمرافق البلد ومؤسساته الحيوية وبنيته التحتية الى الفوضى السياسية
وعدم الانسجام وفقدان الثقة بين رموزه وكتله السياسية والتي كان من ابرز
تجلياتها واوضح مظاهرها غزارة التحالفات وتنوعها وعدم استقرارها وثباتها
نظرا لإفتقاد اغلبها الى حسن النية والتجرد وبسبب عدم وضعها مصلحة العراق
وشعبه فوق مصالحها الضيقة ، الامر الذي افقدها اهتمام واحترام الشارع
العراقي من جهة واكسبها نظرة الريبة والشك في مدى فاعليتها وجدواها ، ما
ادى بالتالي الى محدودية فعلها وتأثيرها في الساحة الوطنية وهذا واضح من
خلال عجزها عن دفع وتيرة العملية السياسية المترنحة في البلد الى الامام ،
رغم النجاح النسبي المتحقق على الصعيد الامني .
فالتحالفات كثيرة ومتعددة العناوين ، فمن ثنائية الى ثلاثية ورباعية
.. وعشارية احيانا ، ومن قومية الى دينية ومذهبية ومناطقية وعشائرية ،
لكنها جميعا لم تخذ البعد الوطني المطلوب ولم ترتق الى مستوى امال المواطن
العراقي المنكوب بواقع مأساوي لا مثيل له في الكون ولم تقترن بالنوايا
الخالصة المجردة عن الغرض المسبق ولم تسمو فوق المصالح الانية والظرفية
ليكون خلاص العراق وشعبه هاجسها وهدفها .
ان اغلب هذه التحالفات تأتي في اطار المناورات السياسية وهي محكومة
بعناصر اللعبة السياسية القائمة مع الاسف على المساومة والمقايضة والابتزاز
بغية انتزاع موقف يصعب انتزاعه او تحقيق مكسب يصعب تحقيقه ولوان هذه
التحالفات وضعت نصب عينيها مصالح العراق واهله لكان العراق بخير ولكان قد
تعافى من جراحه والامه ، فكلما تأزمت الامور في محور من المحاور الشائكة
وما اكثرها اليوم في العراق انهارت التحالفات القائمة وتشكلت على انقاضها
تحالفات واصطفافات جديدة يتصور اطرافها ان فيها مكمن الحل ودواء العلة
والمخرج من المأزق ، لكن الذي يحدث في كل مرة ان العقدة تزداد تعقيدا ،
والمازق اتساعا ، وفي النهاية يدفع العراقيون الثمن غاليا من دمائهم
ومقدراتهم وفرصهم في الحياة والمستقبل الافضل .
فمتى يدرك سياسيينا واولي الامر فينا ( اصحاب شعارات الحرية
والمبشرين بالديمقراطية الجميلة الوارفة الظلال ) ان ليس بالتحالفات
المرحلية والمصلحية الهشة تنتشل الاوطان ويعمر البنيان وينقذ الانسان
وتتعافى النفوس من ادرانها والقلوب من شوائبها ، بل ان الخلاص يكمن في صدق
النوايا وفي نكران الذات والرقي فوق الخلافات وتغليب المصلحة العليا للوطن
على المنافع الصغيرة والضيقة ايا كان اسمها وعنوانها حتى يغدو هدف الجميع
تخليص الوطن المستباح الغارق في نجيع ابنائه من هاوية سحيقة تردى اليها ،
متى يوقفوا نزيف الوطن ويثبتوا للشعب انهم قادة وقدوة بحق ..
ان العراق خيمتنا جميعا وحصننا وملاذنا وواحتنا الخضراء
الكبيرة وهو اليوم مغمور بالحزن وغارق في الظلام حتى اذنيه وعلينا جميعا
واجب انتشاله من محنته وفي مقدمة من يقع عليه هذا الواجب الاقدس هم القادة
السياسيين وهوتكليف شرعي واخلاقي لا مناص من ادائه لأن في خلاص العراق
خلاصنا جميعا ،اما اذا سقط او تشرذم ( لا قدر الله ) فقد سقطنا جميعا
وانتهينا ولات ساعة مندم ....
|