قضية شعبنا بين الشأن الوطني وخيار التدويل

                                           يعقوب كوركيس

                   أصبحت قوة صناع القرار السياسي الوطني في عراق اليوم تقاس بمدى العلاقات والدعم والمساندة التي ينالونها من لدى قوى أقليمية وحتى دولية، بالرغم من الدعم والتأييد الشعبي الذي حققه هؤلاء القوم في الانتخابات الأخيرة، والتي تمخض عنها كتل سياسية قوية بحجمها البرلماني ولكنها أفصحت عن ضعف مزمن في صناعة قرار سياسي وطني يُجمع عليه في حده الأدني والذي يُمكن في الاخير من تشكيل حكومة ذات قاعدة سياسية وجماهيرية واسعة تكون قادرة على التصدي للمهام والاستحقاقات القادمة. ونتيجة هذا الوضع أصبحت قضية تشكيل الحكومة العراقية شغل شاغل للمحيط الأقليمي والدولي، ونرى تسابق الكتل السياسية العراقية لتدويل توجهاتها ورؤيتها السياسية الخاصة بالشأن الوطني الداخلي في محاولة لكسب التأييد والدعم بمختلف أشكاله. وهذا المفهوم السياسي الحديث نوعاً ما، يعني في جوهره كسر القاعدة الذهبية إلا وهي الشأن الوطني الداخلي والذي كان ولا يزال شماعة تبجحت بها أزمان طويلة دول وأنظمة شمولية، وأخذتها ذريعة لقمع وأضطهاد شعوبها.

ومن هذا المنطلق لابد لنا كشعب وكقوى سياسية قومية كلدانية سريانية آشورية الخروج من شرنقة الشأن الوطني البالية والأنطلاق نحو افاق أخرى بحثاً عن أصدقاء وداعمين لقضية شعبنا التي كانت الضحية الأولى للانظمة الشمولية في العراق، ودفعنا ثمناً باهظاً في أرضنا ودمنا التزاماً بالنهج الوطني، حيث أستبدت كل الأنظمة منذ العهد الملكي إلى اليوم في التعامل والتعاطي مع شعبنا وحقوقه، وهجر شعبنا وذبح وقمع وأعدم أمام أنظار العالم دون أن يرف لاحد جفن متذرعين بان القضية شأن وطني داخلي. واليوم أصبح هذا المفوم شيء هلامي غير محدد الملامح تتسابق فيه القوى السياسية العراقية إلى العواصم العالمية والأقليمية لبحث قضايا وشؤون عراقية خالصة دون أن تعير الشأن الوطني العراقي أي أهمية. وقضية حقوق شعبنا في العراق ليست بأقل شأن من بقية القضايا الأخرى، فقد بقيت هذه القضية عرضة للتعامل الدموي ولم يتم أنصافها خلال عمر الدولة العراقية المعاصرة وتم التعامل معها وكأنها أمر بسيط لا يسترعي أنتباه الساسه. وفي هذا المنحى وجب خلال المرحلة القادمة التي ستشهد نقلات نوعية في العملية السياسية العراقية أن نعمل لترجمة المواد والنصوص الدستورية التي تخص شعبنا وحقوقه على الأرض، وخصوصاً تلك المتعلقة بالإدارة المحلية في سهل نينوى والمطالبة بفيدرالية ثقافية ـ سنتحدث عنها بالتفصيل في مقال قادم ـ وهاتان القضيتان تمثلان لشعبنا طريق البقاء والتواصل وترسيخ الوجود في أرض الأباء والأجداد. وتطبيق هذه المواد الدستورية هي رهن بالإرادة الوطنية العراقية والتي أثبتت إنها لا تبالي كثيراً بما تعانيه الشعوب والأقليات العراقية الأصيلة في ظل المتغيرات التي عصفت بالعراق خلال العهود الماضية والأن ايضاً، حيث لم تول الحكومات الماضية الاهتمام الكافي بمعاناة شعبنا ولم ترتقي في معالجاتها إلى مستوى الهجمات والأستهداف المباشر لشعبنا الذي قتل وهجر لأسباب دينية وقومية. واليوم بات من الضروري أظهار معاناة شعبنا في صورتها الحقيقية وكسب الرأي العام والقوى المؤثرة دولياً في صناعة القرار السياسي العراقي إلى جانب حقنا القومي والوطني، والضغط باتجاه تطبيق المواد الدستورية المتعلقة بشعبنا على الأرض، وبالتالي تحقيق العدالة والشراكة الوطنية الحقيقية التان لم تتحققا في ظل حكومات المحاصصة الطائفية والحزبية التي اقصيت منها مكونات عراقية أصيلة على خلفية الأستحواذ الكامل على كل مقدرات الدولة العراقية، ما أدى بالتالي إلى تقسيم المجتمع العراقي إلى خلفيات طائفية وقومية من الصعب تجاوزها إلى هوية وطنية يعتز بها وتكون المرجع الاساس لحل كل الخلافات التي قد تظهر مستقبلاً. لذا فمن حق شعبنا أن يبحث على المستوى الدولي عن منابر لطرح حقوقه وكسب الأصدقاء إلى جانب قضيته والضغط باتجاه تحقيق كل مفرداتها على الأرض.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links