هل
للتاريخ رائحة الباذنجان ....؟
وسام
يوسف
كنا ونحن صغار , نستمع الى جدتي وهي تحكي لنا حكايات تزيدها دفئا النار
التي كانت تتوسطنا , لنخلد للنوم في منتصف الحكاية , ونصحو عند الفجر على
كابوس الجنية التي تطاردنا , وصوت نجدتنا مخنوق .
نفس المشهد كان يتكرر دائما بعد كل حكاية تقصها علينا جدتي ,
تساءلت يوما مع نفسي يا ترى لماذا لا يظهر صوتي وانا مكبوس في نومي,لا صحو
مختنقا والكلام واقف في حنجرتي يابى الظهور, جائني الرد من جدتي انه بسبب
الباذنجان الذي نشويه على النار وناكله اثناء الحكاية .
انه الباذنجان اذا من يقتل الصوت ويعطي الفرصة للجنية ان
تطاردنا في نومنا بعيدا عن اي منجد , انه الباذنجان اذا من يكتم الصوت ويشل
حركتنا .
اردت ان اسوق الحكاية السابقة لانها حضرت امامي وانا افكر
بحالة الاقليات او المكونات الصغيرة في المجتمعات عندما يراد سلب حقوقها
ودون ان يتمكن احد منها من ايصال صوته وشكواه للخارج. ان صوته لايظهر
مهما حاول ولن يظهر طالما انه ياكل الباذنجان قبل ان ينام .
كثيرة هي قصص الجرائم التي ارتكبت بحق المكونات الصغيرة في
مختلف الدول التي فيها اقليات اثنية ودينية وقومية وغيرها , وخاصة في منطقة
الشرق الاوسط
نفس المشكله والمعاناة مع اختلاف المكان تلاقيها هذه الاقليات
فصوتها نادرا ما يصل الى المحافل الدولية لان المكون الكبير الذي يملك
السلطه والمال هو من يسيطر على جميع الاصوات في الداخل, وما يضهرمنها
خارجا, لان السلطة هي من يملك "الفلتر"اوالمصفاة التي تقرر من اكل
الباذنجان ومن لم ياكل , حتما فجرائم حدثت وتحدث ولا احد يشعر بها , تختلف
في بشاعتها باختلاف الصراع ابتداءا من سلب الحقوق الى التهجير ولا تنتهي
بالقتل .
ما حدث في العراق وما يحدث في مختلف مناطق العالم من هضم
لحقوق المكونات الصغيرة, بمختلف الطرق والحجج التي تسوقها السلطة والتي
غالبا ما يمثلها المكون الكبيربشعارات رنانه مثل الديمقراطية والحفاظ على
وحدة البلد, بقانون الطوارئ وقوانين اخرى ما انزل الله بها من سلطان .
عشت في العراق ولم اكن ادرك معنى ودواعي الصراع الحكومي مع
حركة التحرر الكردية, كنت اتسائل مع نفسي مذا يريد هؤلاء الناس من الحكومه
لماذا يقاتلون السلطه , ماهي الحقوق التي يطالبون بها بعد ان اعطتهم السلطه
الحكم الذاتي في مناطقهم . كنت اظن كما كل الناس انهم مجرد مجموعة من
العصابات المخربة او بالاحرى هذا ما ارادت السلطه ان تفهمه للاخرين ولاننا
لم نكن نسمع صوت هؤلاء المخربين او ان صوتهم لم يكن يظهر ,حسب نظرية جدتي
في اكل الباذنجان قبل النوم ,الى ان ظهر صوتهم اخيرا بعد مذبحة حلبجا وضرب
قراهم بالغازات السامه مما خلف مجزرة مروعة ,انقلبت حينها قناعتي وقناعات
الدول الكبرى.... مما يجري ومن حقيقه الصراع داخل العراق .
فتساءلت هل ان صوت الاقليات والمضطهدين لا يظهر الا اذا
تعرضوا لمجزرة مروعة , وخاصة اني كنت احتفظ بذاكرتي صورا للمذابح التي تعرض
لها اليهود بعد الحررب العالميه وكيف ان صوتهم لم يضهر الا بعد "الهولو
كوست" .
وصور اخرى من الصراع الفلسطيني الاسرائلي والمذابح التي وقعت
على الشعب الفلسطيني في صبرا وشاتيلا ولا زالت المذابح قائمة واخرها كان في
غزة . وما حدث ولا زال يحدث في دارفور من جرائم حصدت ارواح الالاف من
الابرياء وشردت عشرات الالاف الاخرين وتركتهم دون ماوى .
ومئات الامثله الاخرى في العالم والتي لم يعرف الكثير منها
لانها لم تصل بعد الى درجة الابادة الجماعية , وهي الدرجه التي عندها يتوقف
مفعول" الباذنجان" في كبت الاصوات .
وبالعودة الى العراق فبعد الاحتلال الامريكي عام 2003 ,
تغيرت موازين القوى بالعراق تبعا للاكثرية والاقلية فتعرضت الاقليات فيه
الى مختلف انواع الاضطهاد والتهميش والقتل مثل الليزيدية والاالصابئة
والمسيحين الذين تركو العراق ولجئوا الى دول الجوار حفاظا على ارواح
عوائلهم من "الجنية اللعينه ", وكيف ان العالم لم يسمع صوتهم الذي لم
يظهرالى حدالان رغم عمليات التهجيرالقسرية والقتل التي تعرضوا لها في
مدينة" الموصل" و"بغداد" وكم عليهم ان يدفعو ويضحوا لكي ينتبه العالم الي
صوتهم , والذي لازال يغيبه اكلهم "للباذنجان" وخاصة قبل ان يلوذوا الى
الفراش وهم يسمعون قصص "الخوف " والتهديد والقتل .
مع التاريخ تتكرر المشاهد والقصص باختلاف الامكنة , لكن
يبقى السبب في كبت الاصوات وا حد وهو" الباذنجان" اللعين بعد ان كثرت
اسماءه وصيغ تقديمه للضحية ,فاصبحت السلطات تتفنن في طبخة الباذنجان التي
تقدمها للمجموعات المضطهده , لكي تتماشى مع التطور الكبير في انتشار وسائل
الاعلام التي لم تنتبه اغلبها الى اكله تقدم مجانا للشعوب المضطهده تسمى "
الباذنجان المشوي " .
|