مشكلة اللغة السريانية في صحافتنا"
في الذكرى 160 لعيد الصحافة السريانية في الأول من تشرين
الثاني"
أكد مراد
تشكل الصحافة العمود
الاساسي في مسيرة تغير المجتمع اذا ما استمتعت بالحرية الكافية.. كونها
مرآة الواقع.. وصورة للافاق الجديدة..الشعب الكلداني السرياني الاشوري الذي
كان الرائد في مجال تأسيس الصحافة حيث يعود لاواسط القرن الثامن عشر
الميلادي.. نلاحظه اليوم لايملك صحافة ترتقي الى مستوى هذا التاريخ
ولاتأثيرها وفعلها يناسب الواقع الذي نعيشه..
والاسباب في ذلك عديدة لكن الاهم فيها تلك الاوضاع الصعبة التي عاشها
ولازال ووجود الضائقة الكبيرة في مساحة الحرية التي ادت الى تراجعها..
واليوم محاولات اعادتها إلى المكانة التي تستحقها تحتاج الى الكثير من
الجهد والبرامج العملية..
البداية الناجحة في الصحافة السريانية
بمراجعة بسيطة لظروف الشعب الكلداني السرياني الاشوري بداية القرن الثامن
العشر الميلادي في مناطق أورميا.. الاستقرار الجزئي في الاوضاع الامنية
ساعد وبشكل كبير في توجه الناس الى التعليم من خلال المدارس التي فتحتها
بعض المجموعات الاجنبية التي جاءت كبعثات تبشيرية منها "المبشرون
الامريكيون"... حيث استطاعت وبجهود القس جاستين بيركنز واسهيل غرانت اللذان
تعلما اللغة السريانية وباشرا في نشر التعليم من خلال تعاون اعداد من رجال
الدين والعلمانين المحلين الموهوبين.. "للمبشرين الاميركيين الدور في عصرنة
اللهجة الاشورية للسكان المحليين بعد الاستفادة من اللغة الكلاسكية".. وفي
اوائل 1836 باشر الفتيان والفتيات يتلقون تعليمهم الديني والعلمي في صفوف
ضمن مدينة اورميا وقراها المحيطة.. واصبح الرعيل الاول من المتعلمين ملاكات
للمدارس التي توسعت بشكل ملحوظ تعلم للغة الام والانكليزية والعلوم
الانسانية والاجتماعية وبحلول عام 1909 كان المبشرون يديرون 201 مدرسة حصلت
على سمعة اكاديمية عالية في سهل اورميا.. والتحق الكثير من الخريجين
بالدراسات العليا في مناطق اخرى منها الولايات المتحدة الاميركية.
هذه الارضية المناسبة ومع وجود مطابع خاصة باللغة السريانية ساعدت في توسيع
الاصدارات المختلفة لرغبة الاعداد المتزايدة من القراء وفي 1 / 11 / 1849
كانت الانطلاقة الاولى في مسيرة الصحافة السريانية مع صدور" زهريرى بهرا"
باللغة السريانية والتي لقيت الترحيب والاهتمام الكبير من القراء لما كانت
تحمله من مواضيع ثقافية مختلفة ومعلومات واخبار العالم الذي يحيطهم.. وعليه
كان صدورها في البداية شهريا بعدها تحولت الى نصف شهرية وعدد صفحاتها من
اربع الى ثمان ثم الى 12صفحة واستمرت 68 عاماً.. كما اعقبت الصحيفة
المذكورة العديد من الصحف والدوريات المهمة..ولولا الحرب العالمية الاولى
وما اعقبته من كوارث على الشعب الكلداني السرياني الاشوري لكان لاستمرارها
دور كبير في تطوير المنطقة..
- اذا ماتميزت به المرحلة التأسيسية للصحافة السريانية في اورميا هو.
* وجود الاجواء الامنية والمناخ المناسب من حيث حرية التعبير.
* انتشار التعليم باللغة الام بشكل واسع.
* استخدام اللغة الدارجة مع الاستفادة من الكلاسيكية في الاصدارات العديدة
ومنها الصحافة.
* رغبة الناس لمعرفة المعلومات والاخبار الجديدة حول العالم من خلال الصحف
الصادرة.
* الاستفادة من ثقافة الغرب في نشر المواضيع المختلفة.
* وجود التنافس بين الاصدارات لتقديم الافضل.
* وجود اكثر من مطبعة سريانية.
* مساهمة الناس في الاصدارات وطرح الاراء والملاحظات حول مختلف الامور.
- الاسباب التي ادت الى عدم استمرار الصحافة رغم البداية الناجحة..
* عدم وجود وسائط النقل الجيدة لايصال المطبوعات المذكورة لجميع مناطق
تواجد شعبنا ومنها بشكل خاص هكاري وسهل نينوى والمناطق الاخرى.
* الاوضاع المختلفة من الناحية الامنية لم تساعد في تقارب مجال التعليم
وكذا الثقافة لجميع المناطق بنفس المستوى بل كان الاختلاف واضحاً.
* اغلب الاصدارات كانت بأسم الارساليات التبشيرية من اوربا واميركا لذا
لقيت المعارضة من المسؤولين في الكنيسة والمسؤولين من الشعب الكلداني
السرياني الآشوري متخوفين من اهدافهم المبينة في مناطق هكاري وغيرها.
* اللهجة المستخدمة في الاصدارات كانت عائقا اخر في عدم رغبة المناطق
الاخرى التفاعل مع هذا الفعل الثقافي والاعلامي مع ردود الفعل الطائفي
والعشائري في المناطق الاخرى.
* عدم قدرة اغلب مناطق تواجد شعبنا في سهل نينوى وكذا في قوجا نونس وجنوب
تركيا عموما في نشر التعليم والمدارس بل بقيت بحدود بسيطة.
* تزمت البعض ومن مناطق سهل نينوى بشكل خاص في استخدام اللغة السريانية
الفصحى في الكتابات والاصدارات مما اثرت بشكل سلبي في عدم قدرتها في التطور
وتفاعل الناس معها. ومنها نذكر على سبيل المثال تجربة الاصدار الاول في
مناطق سهل نينوى مجلة "اكليل الورد" التي صدرت من موصل في اب 1904 "التي
تعتبر اول مجلة صادرة في العراق".
بسبب التزامها باللغة الكلاسيكية الفصحى بعد 1905 نلاحظ تراجعها في
المواضيع والمشاركات بسبب موافقة رجال الكنيسة على استخدام الفصحى فقط وعدم
استخدام اللغة الدارجة في المجلة تسببت في تراجعها الى حد عدم مساهمة
الكتاب فيها بل بقيت عام 1906 جميع المواضيع الصادرة فيها اما ترجمات او
كتابات القس حنا قريو الى تموز 1907 توقفت نهائيا المجلة.
- هذه الاسباب والاوضاع الامنية بعد الحرب العالمية ادت الى ايقاف جميع
الاصدارات السريانية وبهذا تعتبر المرحلة الاولى في مسيرة الصحافة
السريانية قد انتهت وانقطع العمل بفترة بسبب الاوضاع الصعبة التي عاشها
الشعب الكلداني السرياني الاشوري، وجاءت بعدها سياسة المرحلة الثانية بعد
تقسيم شعبنا الى عدد من الدول التي تأسست منها العراق سوريا جزء من شعبنا
في جنوب تركيا وايران وسياسات هذه الدول لعبت دورا جديدا في التعامل وحرية
العمل للاقليات المتواجدة منها وخير ما كان فيها الضغط وكبت الحريات وحرمان
الابناء من ابسط الحقوق الانسانية.. بل مجابهة الناس وخاصة في العراق
بالحديد والنار وافرزت المرحلة "مطالبات الشعب للحقوق المشروعة كما جاء في
اتفاقية العمادية عام 1932 وردت السلطة الحاكمة باعلان الحرب والعمل لابادة
الابناء في اكثر من 86 قرية وقتل المئات في مذابح كانت اولها مذبحة سميل
1933 والتي راح ضحيتها الآلاف من الابرياء.
اثارت هذه الاحداث وغيرها لم تكن سهلة على شعبنا وما عاناه طوال حياته في
ارض الاجداد حرمته من ابسط حقوقه المشروعة.. منها التعليم باللغة الام ومع
تعاقب السياسات الشوفينية التي مارستها الحكومات في العراق اصبح شعبنا ضحية
كبيرة حرم من التعليم باللغة الام ومنع من اي ممارسة ثقافية تربوية لها
علاقة بتراثه ولغته او تاريخيه اصبح فيما بعد غريبا في وطنه لايفكر بسبب
الضغوط بغير الحروب والخلاص من بطش الظالمين عليه..
سنوات مرة وهجرة المثقفين والادباء والكتاب الى بلاد الغربة اخذت الغالبية
منهم كما افرغت القرى والمدن لم يبق في سريانيتها غير الاسم والذي حرف فيما
بعد في ضوء ما كان يروق للحكام.. بهذا اصبحت حالة الشعب صعبة حتى في اعادة
التعليم باللغة الام وتعليم اللغة اولا في البيت والحياة اليومية لتعود
بعدها المارسات الثقافية والاعلامية بل اصبحت غي اغلب المناطق صعبة
الممارسة في الحياة اليومية الى مرحلة الانتفاضة المباركة 1991 والتي ولاول
مرة اقر برلمان كردستان المنتخب بمممارسة التعليم باللغة الام في المدارس
ومنها اعيد احياء اهم رافد في الثقافة الوطنية وريداً وريداً باشرت
النشاطات الثقافية والاعلامية الخاصة بالسريانية بالبروز في الساحة
الكردستانية.. كما تأسست المحطات الاذاعية والتلفزيونية في دهوك واربيل وتم
اصدار العديد من المجلات والصحف بين شهرية واسبوعية وبأكثر من لغة بهدف
العودة للجذور الثقافية السريانية العريقة..
مشكلتنا اليوم
بعد تأسيس العديد من المدارس والتعليم باللغة الام ونشر العديد من الوسائل
الاعلامية اذاعة تلفزيون جريدة محلية وغيرها، من الملاحظ ان اغلبها ان لم
نقل جميعها تصدر بصفحات محدودة بالسورث والبقية اما بالعربية او الكردية او
الانكليزية..
لان اللغة السريانية لازالت العائق بسبب التراكمات التي ذكرناها في مجال
معرفة الناس لها بل نحتاج الى اكثر من عقد من الزمان حتى تتخرج وجبات اخرى
واجيال جديدة متعلمة بالسريانية لتستطيع ممارستها بالشكل الذي يعيد لها
حياتها ووقوفها بين ابنائها لتكون مرة اخرى لغة الصحافة والاعلام للتفاعل
من خلالها لكل ما يخدم الغد الافضل لشعبنا.
|