بين "كوتة" الاقليات.. والقائمة المفتوحة والمغلقة..

والدائرة الانتخابية الواحدة والمتعددة.. ماهو الافضل..؟

 

 

                                            خوشابا سولاقا

               عند قراءتنا للخارطة الديموغرافية والسياسية للعراق معاً وترابط بعضهما بالبعض في سبيل اختيار ماهو الافضل للاغلبية من ابناء الشعب العراقي بكل مكوناته المختلفة من حيث توسيع قاعدة التمثيل النسبي لهذه المكونات في مجلس النواب من جهة، ومن حيث اعطاء كامل الحق وتوفير الفرصة للمواطن الناخب للتعبير عن رأيه وارادته الحرة في اختيار من يشاء ويراه الافضل والانسب لان يوليه ثقته ليمثله في مجلس النواب، وان يكون صوته الناطق مستقبلا من جهة اخرى.
ان قراءتنا للواقع العراقي وفق هذه الاسس والرؤى وفي ظل سيادة ظروفه الامنية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وفي ظل سيادة ثقافة المحاصصة الطائفية والقومية والدينية والعشائرية والمناطقية السائدة حاليا على حساب غياب الثقافة الوطنية والتي لم يبق منها سوى الجانب الرمزي والشكلي الذي يتاجر به ويزايد عليه الجميع من تجار الوطنية المارقين ممن هب ودب من كل طيف ولون لاغراض الدعاية والمزايدة الرخيصة في حملات التنافس والصراع عبر مختلف وسائل الاعلام لاجل الكراسي والمناصب والسلطة والمصالح الشخصية، هؤلاء الذين يمارسون سياسات تدمير الوطن باسم الوطنية وبأسم الدفاع عن الشعب والوطن والمصالح الوطنية والقومية والدينية والطائفية، ولكنهم في الحقيقة يفعلون ذلك من اجل المصالح الفردية الانانية وهذا ما اثبتته التجربة المرة والمأساوية للسنوات الست الماضية من تاريخ العراق الجديد بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق على ايدي القوات الاجنبية المحتلة للعراق. في ظل هذه العوامل وغيرها الكثير المضطربة والمتناقضة وغياب الشعور الحقيقي بالمسؤولية الوطنية تجاه الوطن والشعب وضعف الوعي والثقافة الوطنية لدى البعض من القادة للنخب السياسية ممن يتحكمون بمصير الوطن والشعب حاليا، ومدى اولوية هذه المسؤولية عندهم على غيرها من المسؤوليات تجاه خصوصياتهم المختلفة، يتطلب الامر اعادة النظر في قانون الانتخابات الحالي جملة وتفصيلا واعادة صياغة مواده وبنوده من الفها الى يائها بالشكل الذي تجعله اكثر تعبيرا واوسع تمثيلا للجماهير العراقية بكل مكوناتها المختلفة قوميا ودينيا وطائفيا واكثر تجسيدا لحرية الرأي والارادة الحرة والتعبير الصادق عن الاختيار الافضل لممثلي الشعب في اعلى واكبر مؤسسة للسلطة التشريعية في البلاد بصورة ديمقراطية، لان هذا هو اقل ما تعنيه الديمقراطية السياسية بابسط اشكالها ومعانيها ومضامينها الفلسفية والفكرية واليات عملها في الحياة الديمقراطية للشعوب الحرة. ولاجل تحقيق هذه الاهداف وتضمينها كحق قانوني ودستوري لجماهير الشعب بمختلف مكوناته يستوجب ان يتضمن التغيير في قانون الانتخابات الجديد المزمع تشريعه والمصادقة عليه واعتماده كقانون اساسي لاجراء الانتخابات بموجبه الاتي:
اولا: "الكوتة" بالنسبة للاقليات القومية والدينية في ظل ظروف العراق الحالية والتي تم ذكرها وفي ظل سيادة ثقافة المحاصصة بكل اشكالها، وطغيان ارث التعصب القومي والديني منذ زمن طويل في العراق وغياب الثقافة الوطنية والحقة وثقافة قبول الاخر والتعايش السلمي بين مختلف مكونات الشعب على ارض الوطن الواحد، وفي ظل ظروف انتشار ابناء هذه الاقليات جغرافيا في عموم مناطق البلاد حسب مصدر المعيشة، ارى ان تخصيص "كوتة" من المقاعد لابناء هذه الاقليات بما يحقق شراكتها في المؤسسات الوطنية الدستورية، هو الحل الامثل والمناسب حاليا لتمثيلها في مجلس النواب العراقي،على ان لايقل التمثيل عن مقعد واحد للاقلية التي تقل عدد نفوسها عن القاسم الانتخابي لتحديد عدد مقاعد مجلس النواب مهما كان عدد نفوسها، وان يتم انتخاب نواب "الكوتة" من قبل ابناء الاقليات وفق القانون وعلى اساس القائمة المفتوحة والدائرة الانتخابية الواحدة لعموم العراق، بهذه الطريقة وحدها يمكن تمثيل وانصاف هذه الاقليات بحق التمثيل في مجلس النواب وبالتالي مشاركتهم في ادارة شؤون البلد كمواطنين بكامل الحقوق والواجبات حالهم حال بقية الاكثريات القومية والدينية من ابناء الشعب العراقي. وغير ذلك يعني التهميش والاقصاء بل وحتى الغاء الوجود القومي والديني لها، وفي نفس الوقت يعني عدم انصافها خرقا للدستور وشرعة اعلان حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير وفق اللوائح والمواثيق الدولية وبشكل مقصود ومتعمد. وتعتمد هذه الالية على الاقل في المرحلة التاريخية الحالية، وعندما تزول وتنتهي مرحلة ثقافة المحاصصة بكل اشكالها وتحل محلها مرحلة الثقافة الوطنية الحقة، عندها يكون الوضع القانوني والاجتماعي لهذه الاقليات في الوطن مماثلاً لوضع الاكثريات متساوون معهم في الحقوق كما هو الحال في الواجبات امام القانون، عندها يكون الاختيار لعضوية مجلس النواب على اساس الكفاءة والاقتدار والنزاهة والاخلاص والولاء الوطني وليس على اساس الانتماءات والولاءات الخصوصية بكل الوانها واشكالها، عندها تنتفي الحاجة الى اعتماد مبدأ "الكوتة" كما هو الحال في المجتمعات الديمقراطية المتقدمة التي لاتفرق بين مواطنيها على اساس الخصوصيات بل تعمل على تقوية الوحدة الوطنية ورص صفوف ابناء الشعب على اساس الولاء الوطني وحب الوطن والاحترام المتبادل وحماية وصيانة حرمة الخصوصيات المختلفة للجميع على حد سواء وبالتالي خلق مجتمع انساني متجانس.
ثانيا: بخصوص افضلية اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة على اعتباره دوائر انتخابية متعددة وخصوصا في ظل ظروف المحاصصة بكل اشكالها والتقسيم الطائفي والقومي وسيادة ثقافة التهميش والاقصاء والاستئثار والانفراد بالسلطة والقرار السيادي بكل مستوياته، وسيادة ثقافة تضليل الناخب والتشويش على افكاره لتغيير قناعاته الوطنية التي يبنيها على اساس مضامين البرامج السياسية للكتل السياسية المتنافسة، وممارسة سياسة غسل الادمغة الساذجة لبسطاء الناس من ابناء الشعب باستخدام خصوصيات الولاءات المذهبية والدينية والقومية والعشائرية والقبلية والمناطقية مستغلين في ذلك ضعف وهشاشة الوعي والثقافة السياسية والوطنية لدى الناخب البسيط، فضلا عن ممارسة الكثير من وسائل الترغيب والترهيب النفسي والفكري والعقائدي والمادي في شراء ذمم المستضعفين والفقراء من ذوي الدخل المحدود من ابناء الطبقات الفقيرة والمعدمة وما اكثر هؤلاء البائسين بسبب الوضع المعاشي المتردي والمزري للغاية، وانتشار البطالة في المجتمع في الوقت الحاضر. في ظل الواقع المرير يكون اعتماد النظام المختلط لدوائر الانتخابية بنسبة اكثر من 75% ودائرة واحدة بنسبة 25% لضمان تمثيل الاقليات القومية والدينية والسياسية والمشردين من الوطن في الخارج هو الافضل من الدوائر المتعددة او الدائرة الواحدة بالكامل، حيث هذا النظام يضمن حق المواطن الناخب في ايصال من يراه مناسبا لتمثيله الى مجلس النواب دون ان يذهب صوته الى من لم ينتخبه اصلا، وهذا يعتبر مصادرة لحق وارادة الناخب وفي نفس الوقت منافي للديمقراطية السياسية. وبالتالي فان اعتماد الدوائر المختلطة يساعد على توسيع قاعدة التمثيل الشعبي في مجلس النواب لاوسع المكونات السياسية والاجتماعية من مختلف شرائح وطبقات المجتمع من المشاركين في عملية الانتخابات لاختيار نواب الشعب. وهذا هو اقل ما تعنيه الممارسة الديمقراطية السياسية الحقة، اي بمعنى اخر ان نظام الدوائر المختلطة يأتي باوسع تمثيل لمكونات المجتمع في مجلس النواب، وهذا هو الهدف المطلوب ديمقراطيا اذا كنا نبغي من الانتخابات الحصول على افضل الادوات ان صح التعبير لبناء دولة حديثة عصرية ديمقراطية، دولة يسود فيها القانون، دولة المؤسسات الدستورية يكون فيها القرار للشعب من خلال مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية المنتخبة ديمقراطيا، وليس القرار فيها للفرد او لفئة معينة حصرا يفرض بوسائل ديمقراطية شكلا وديكتاتورية استبدادية في المضمون والممارسة الفعلية.
ثالثا: بخصوص افضلية القائمة المفتوحة على القائمة المغلقة هي ان الناخب سوف يصوت باعتماد القائمة المفتوحة لمن يعرفه ويعرف عنه الشيء الكثير، وان اقل ما يمكن ان يعرفه عن المرشح في القائمة المفتوحة هو السيرة الذاتية له والمؤهلات والتحصيل الدراسي، بينما ذلك غير ممكن في القائمة المغلقة اي القائمة العمياء ان صح التشبيه، ويكون التصويت من خلال القائمة المغلقة تصويتا للمجهول بكل معنى الكلمة. وعليه يبقى المطلوب من الانتخابات ان صوت المواطن الناخب وبالتالي صوت الشعب هو المعيار النهائي الذي يعول اليه لاختيار عضو مجلس النواب وتقييم مدى ديمقراطية الانتخابات من عدمها، وليس التسلسل الذي يحتله المرشح في القائمة كما هو الحال في القائمة المغلقة والتي يتم إعدادها من قبل عدد محدود من أصحاب القرار في المكونات التي تكون هذه الكتلة الانتخابية أو تلك. في إعداد مثل هكذا قوائم يلعب في الاختيار للأسماء المرشحة في القائمة القناعات الشخصية والعلاقات الاجتماعية والمحسوبية والمنسوبية والمذهبية والعشائرية والمزاجات والولاءات السياسية الحزبية دورها الفاعل والحاسم في تحديد تسلسل شخصية المرشحين في القائمة المغلقة على حساب الكفاءة والاقتدار والنزاهة والولاء الوطني. إن القائمة المغلقة بحد ذاتها تلغي عملياً المعنى الديمقراطي لعملية الانتخابات وتفرغها من مضمونها الوطني والانساني والأخلاقي في نفس الوقت، وهي بالتالي أقرب إلى التعيين منه إلى مفهوم الانتخاب الحر بأبسط مضامينه الديمقراطية وتصنف ضمن أكثر أصناف الانتخابات تخلفاً والتي لا تؤدي في نهاية المطاف إلاّ إلى إستدامة واستمرار العضو المنتخب بهذه الطريقة في عضوية مجلس النواب، وقد تتحول العملية إلى توريث عضوية مجلس النواب إلى الأبناء والأحفاد كما يحصل اليوم في محاولات توريث رئاسات الجمهورية في بعض البلدان العربية، بحكم الامتيازات الكبيرة التي يتمتع بها عضو مجلس النواب الحالي، ويبقى هذا الاحتمال قائما إذا لم نتصد له، وبالتالي يتحول المجلس بأعضائه إلى طبقة إجتماعية ثرية في المجتمع.
لهذه الأسباب ترفض الجماهير الشعبية بكل فصائلها القائمة المغلقة جملة وتفصيلاً، وتقول نعم نعم للقائمة المفتوحة، القائمة التي يستطيع الناخب من خلالها محاسبة المرشح وحتى إقصائه في حالة الفشل والاخفاق في أدائه لمهامه في الدورة النيابية السابقة على عكس القائمة المغلقة التي تتستر على عورة الفاسدين والفاشلين وغير اللائقين الذين لا تتوفر فيهم من الصفات اللائقة التي يجب أن تتوفر في عضو مجلس النواب.
هكذا وعلى ضوء ما استعرضناه تكون إجابتنا الصريحة على ما تساءلنا بشأنه في عنوان مقالنا هذا نحو ما هو أفضل في ظل الظروف العراقية الراهنة والتي استعرضناها في معرض حديثنا في هذا المقال... نقول
1- الأفضل هو... نعم نعم "للكوتة" للأقليات القومية والدينية... كلا كلا للتهميش والاقصاء وإلغاء الوجود القومي والديني والاستئثار والانفراد بالسلطة في حكم البلاد على حساب الشراكة الوطنية.
2- الأفضل هو... نعم نعم للنظام الدوائر المختلطة بنسبة 75% متعددة الدوائروبنسبة 25% دائرة واحدة لكل العراق لتوسيع قاعدة التمثيل وحماية حقوق الناخب من المصادرة... كلا كلا للدوائر الانتخابية المتعددة او الواحدة بالكامل لكل العراق.
3- الأفضل هو... نعم نعم للقائمة المفتوحة المعرَّفة والناطقة... كلا كلا للقائمة المغلقة العمياء والصامتة والمجهولة الهوية.
4- الأفضل هو... نعم نعم لإعطاء المقاعد الفائضة في المجلس لاكبر الخاسرين لتوسيع قاعدة التمثيل في مجلس النواب... كلا كلا لمصادرة أصوات الناخبين وإرادتهم في إعطاء أصوات القوائم غير الفائزة إلى اكبر الفائزين لأن ذلك يشكل إستخفافااً بارادة وحقوق وكرامة الناخب وهذا مخالب للديمقراطية.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links