فريد نزها القومي الغيور والصحفي الجريء
يونان هوزايا
احتفاءا
بالعيد الـ 160 للصحافة السريانية، نقف أجلالا لأرواح شهدائها، ونفخر بذكر
رجالاتها، ومنهم الصحفي الغيور فريد نزها، الذي ولد في حماه (سوريا) 1894،
وكان جده قد نزح من خربوت (تركيا) في 1760، درس في مدارس الطائفة
السريانية، وفي 1911 هاجر مع عائلته الى اميركا الجنوبية وهو شاب يافع،
فأسس في 1934 مع صديقه الاديب سمعان فهيم النادي الافرامي السرياني، وأصدر
مجلته التي ضمها هموم شعبنا وخلاصة فكره، توفى في بوينس ايرس في 19 ت1-
1970.
* الجامعة السريانية:
أو مجلة فريد نزها، فأنها حملت بصمات نزها، فكانت مرآة حقيقية تتجلى
فيها افكاره ومواقفه، لا بل وحتى خلجاته، صدر العدد الاول في بوينس آيرس
(الارجنتين) 1934، والعدد الاخير في 1958، دوريه شهريه وبواقع عشرة اعداد
سنويا.
ويجدر الذكر ان اللغة العربية المستخدمة في "الجامعة السريانية"، سليمة
ورصينة وسلسة في التعبير، مقارنة بتلك المستخدمة في الدوريات العربية
المتزامنة معها، ونرى ان السبب يكمن في معرفة محرريها للسريانية، أضافة
اللغة العربية، ومن ابرز من ساهم في المجلة: جبرائيل ربز وابراهيم كوركجي
والياس جرجس طراد و جبرا ابراهيم جبرا وانطوان رسام ويوسف مالك .. والشعراء
الكبار خليل مطران ورشيد سليم الخوري وجبران خليل جبران
الاضطهادات .. والاصلاحات:
* اتسم النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والعقود الاولى من القرن
العشرين، باحداث كبيره فعلت فعلها في تشكيل خارطه الشرق الأوسط، واثرث سلبا
وبقوه في ديموغرافيا امتنا الكلدواشوريه، أذ أشتملت على اكبر حرب كونية،
وطالت شعبنا– وكذلك الارمن– سلسلة من المجازر وحملات الابادة، استهدفت سلخه
من ارضه والاستحواذ على املاكه، فمورست ضده شتى صنوف التنكيل والمذابح،
وسادت سياسة فرق تسد، وبسبب المآسي والويلات فأن شعبنا فقد مساحات كبيرة
جداً من اراضيه في اكاري وآمد (ديار بكر) وطورعبدين وبوتان، ولينحسر
تدريجياً في داخل حدود الدولة العراقية والدولة السورية واللبنانية، او
يهاجر الى الاصقاع البعيدة .
* يرى الدارسون أن هذه مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخ شعبنا، فخلالها بدأ
الفكر القومي بالتكون والتشكل، وكان لرواده اليد الطولى في ذلك، حيث نقرأ
اسماء كثيرة تتوزع على الخارطة الديمغرافية لشعبنا، ففي اورميا وحواليها
نتعرف على اسماء تمتعت بمواصفات القيادة ومارست دورها المتميز مستندة الى
ثقافتها العالية وغيرتها وأخلاصها لمبادئها.. ومن هذه الاسماء المطران
الشهيد توما اودو والقائد الجنرال آغا بطرس الذي توفي منفيا في فرنسا 1932،
والسياسي العسكري فريدون آثورايا الذي اغتالته الـ (KGB) في1927، والاديب
المفكر بنيامين ارسانس المتوفي في طهران 1957.. وفي مناطق آمد وبوتان وطور
عبدين المعلم الكبير نعوم فائق الذي توفى في الاغتراب الامريكي 1930، وشهيد
الصحافة السريانية آشور يوسف الذي اعدم في طورعبدين 1915، والمحامي ديفيد
بيرلي، والمطران العلامة ادي شير الذي استشهد في سعرد (جنوب تركيا) 1917..
وفي نينوى واطرافها اسماء كثيرة منها السياسي يوسف مالك الذي توفي مبعدا في
بيروت 1959، واللغوي الغيور يوسف قليتا في الموصل 1952، وغيرهم امثال عميد
اللغة السريانية عبد المسيح قره باشي توفي في بيروت 1983، والعلامة مار
يوحنا دولباني المتوفي في طورعبدين 1969..
* ضروف صعبة وحرجة مر بها شعبنا بعد الحرب الكونيه الأولى وصولأ الى
أنتفاضة سميل 1933، حيث الاستعلاء القومي الشوفيني، وممارسة سلطات بغداد –
ضباط الجيش العثماني – شتى الضغوط على شعبنا، بتغذية التوجهات الطائفية
وتأليب هذا على ذاك.. وهذه كانت كافية لتحفيز المثقفين والغيارى عموما
للتكاتف حتى خارج الوطن، فقد تبلورت مواقف قومية واضحة منها تأسيس اتحادات
واندية وجمعيات قومية في المهاجر خاصة، كاتحاد الاندية والجمعيات الآشورية
الاميركية (Federation)، والذي تأسس على اعقاب أنتفاضة سميل .. وبداية صدور
مجلات وصحف عديدة تولى ادارتها نخبة من الكتاب القوميين امثال نعوم فائق
ويوسف مالك وفريد نزها وغيرهم .
* وقد طرحت مشاريع فكرية منها قومية وحدوية للمعلم نعوم فائق وآشور
يوسف وفريد نزها، ومنها مشاريع سياسية فدرالية كآغا بطرس وفريدون آتورايا
ويوسف مالك، ومنها قومية وطنية كمشروع انطوان سعادة (في سوريا)، وثم مشاريع
اممية كالمشروع الشيوعي الذي انخرط فيه الشهيد فهد ورفاقه، وهكذا يستخلص
الدارس في اكثر من موقع ملامح النهج الذي تبنته مجلة "الجامعة السريانية"،
خصوصاً وانها اتخذت اسلوب اجابات وافية بقلم محررها – نزها– على اسئلة
وتساؤلات– واحياناً هجمات– القراء، وبذلك فانها كانت على اتصال واضح
بقرائها الذين لم يكونوا في بوينس آيرس والجمهورية الفضية (الارجنتين) فقط،
وانما من مدن امريكية شمالية وجنوبية اخرى وكذلك من شرقنا، خصوصاً من سوريا
والعراق ولبنان .
القومية السريانية .. والتسميات:
ان الفهم العميق لموضوع "أشكالية التسمية" ضروري، فلاسباب منها التاريخ
الموغل في القدم ومرور اكثر من خمس وعشرين قرناً من غياب الحكم الوطني
بسقوط نينوى وبابل، برزت اسماء تدل على شعبنا او على اجزاء منه وفي مراحل
معينة من تاريخه، ولأسباب محددة جغرافية او ثقافية او غيرها ..
والفهم العميق يستند على اننا شعب واحد، وان جميع التسميات تضيء تاريخ
هذا الشعب من زوايا مختلفة، ويظهر فهم وادراك وايمان محرر مجلتنا "فريد
نزها"، فنرى استخدامات طبيعية لجميع هذه التسميات وبتلقائية على صفحات
"الجامعة السريانية" :
- فجاء في ص (34) من العدد الثاني – لسنة 1934 ما يلي :
"السريان"..انه ليذهلني تمادي بعض المتجاهلين المتلاعبين المأخوذين
بتعصبهم الاعمى في تآويلهم لأصل اسم سوريا، وان احدهم يجيز لنفسه ان يحمل
اسم بلاده مشتقاً من اصل اجنبي تفضيلاً منه على ان يكون اصله الحقيقي
(الآشوري) .. فاسم السريان يرجع الى الاصل الآشوري ومهما نقب الباحث ونقر
في ارجاع هذا اللفظ الى اصل غير الآشورية.." .
- يبدو انه كانت هناك تساؤلات عن سبب تسمية المجلة التي نحن بصددها
بالجامعة السريانية، وكذلك النادي الافرامي السرياني .. ويجيب فريد نزها
على هذا التساؤل في ص (323) من العدد 11 و 12 لسنة 1943 :
" ان التسمية السريانية هي دخيلة بصيغتها اصيلة بحقيقتها .. هذا ما حدا
بنا عندما اسسنا النادي الافرامي السرياني وانشأنا هذه المجلة "الجامعة
السريانية" فقد خطر لنا اولاً ان ندعو النادي "النادي الافرامي الآشوري"
والمجلة "الجامعة الآشورية" ولكن اشتهار امتنا في الخافقين منذ اكثر من
الفي سنة بأسم "السريان" اضطرنا لآستعمال الاشهر مراعاة لمفهومية العامة ."
- ومن المعلوم ان فريد نزها وبتوقيع "الكاتب السرياني" كتب سلسلة
مقالات بعنوان "الامة السريانية"، يقول في العدد / 2/ لسنة 1934:
" متى قلنا الامة السريانية اردنا بذلك كل النحل والملل السريانية على
اختلاف نزعاتها واهوائها وهم بين نساطرة و يعاقبه وموارنة وكثالكة، يرجعون
جميعهم الى اصل واحد سرياني كلداني ارامي لا تشوبه عجمة ولا تدخله ريبة،
واما ما تراه بينهم من التباين فذلك الاختلاف في المذهب.. "
وفي ص 21 و 22 من العدد المركب 1و2و3 ولسنة 1958 :
" التسمية السريانية الاصلية باللغة الانكليزية هي Assyrian فهذه لا ولن
يمكن تبديلها.. هذه القضية لا نشك ابداً ان غبطة بطريركنا الحالي سيقضي
فيها بنظره الثاقب، ونحن نرى ان غبطته في مؤلفاته التاريخية يشيد بحقيقة
الاصل بارجاعه نسبتنا الى الاورمة الآشورية البابلية ..".
-البطريرك مار افرام برصوم العلأمه المعروف وصاحب اللؤلؤ المنثور, ترأس
في 1919 وفدا قوميا مشتركا الى مؤتمر السلأم في باريس اذ قدم مشروع الدوله
الاشوريه الكلدانيه,وحضي وفده بمقابله الرئيس الاميركي ويلسن صاحب مشروع
المبادىء الاربعه عشر والتي منها حق الشعوب في تقرير مصيرها, والذى خاطب
الوفد فقال : يا ابناء الامه الاشوريه الكلدانيه.
بين الدين والسياسة:
قد يكون شعبنا في مقدمة الشعوب التي ربطت بين حياتها كأمة وبين
معتقداتها الروحانية .. الى درجة نمو صراعات حقيقية في فترات مهمة من تاريخ
شعبنا وخصوصاً في المراحل العصيبة والمعقدة منها.. وحول تداخل هذه السلطات
تذكرنا مقولة القائد الكبير آغا بطرس للبطريرك مار شمعون بنيامين (قبل
استشهاد الاخير غدراً على يد سمكو الشكاكي)، عندما خاطب آغا بطرس البطريرك
قائلا:
"خذ الصليب لك ودع السيف لي".
ويقينا ان هذا الفهم كان واضحاً لدى محرر الجامعة السريانية .. ففي مقال
له بعنوان "الدين والسياسة" في ص (95) العدد (4) لسنة 1940:
"لقد آن ان تنفصل السلطة الدينية عن السياسة، بل ارى ان ذلك من دواعي
سلامة الدين وحفظ كرامته"
-وفي العدد 11- 12 لسنة 1958، يبعث القس يوسف سعيد (كركوك) والذي هو من
رواد الشعر العربي والسرياني الحديث في العراق، رسالة الى المجلة يقول
فيها:
"... طالما لا يوجد عندنا صحيفة اخرى غير مجلة – الجامعة السريانية -
فلماذا لا تكون رسمياً لسان حال البطريركية والطائفة .."
يجيبه فريد نزها ... فيقول:
" الجامعة السريانية لم تقم لخدمة البطريركية والطائفة فحسب، بل قامت
لخدمة كل ما يشمله الاسم السرياني من شعب وتاريخ ودين وادب وعلم وفن و.. "
- وفي ص (44) من العدد الاول ك2 – 1945 يرد نزها على جورج جرجور:
" ان الجامعة السريانية تصدر باسم الامة السريانية وهي منها ولها،
ولكنها لم تصدر باجازة دينية صادرة عن دين او هيكل يتولاه زعيم روحي فيقدم
او يؤخر شيئاً في سيرها واسلوبها، وهي مع ذلك تتناول كل نواحي الاصلاح بما
فيها القضية الدينية ايضاً ..."
جاء في "الجامعة السريانية" ص (324) من العدد 11 و 12 لسنة 1943:
" .. الفرق السريانية الآشورية من حيث تقسيمها المذهبي ترجع الى :
" اليعاقبة وهم اقدم الفرق المسيحية اجمالاً والسريانية خصوصاً ويعرفون
بالسريان القدماء من باب الغلبة وتمييزاً .. ثم النساطرة ثم الموارنة في
جبل لبنان ثم الكلدان المنفصلون عن النساطرة التحاقاً بروما.. ثم السريان
الكاثوليك المنفصلون اخيراً عن السريان الارثذوكس القدماء بتدخل روما
وفرنسا في الجيلين 18/19 لغاية سياسية خبيثة المقاصد في افساد روح الشرق
والتدخل في شؤونه".
ثبات على النهج:
جاء في مقدمة العدد (1و2) لسنة 1946 :
".. ان الشيء الوحيد الذي لا يموت ولا يخشى عليه كساد ولا يدركه الافلاس
هو الفكر النبيل , المبدأ الاصلاحي الهدف الصحيح ..".
بعنوان "واجب الصحافي عند السريان" كتب نزها في ص (54) العدد (2و3)
1947:
".. ان الجامعة السريانية مجلة حرة، والدليل على ذلك تنكبها عن الطريق
التي يريدها عليها الكثيرون الذين يودون لها النجاح المادي ولكن عن طريق
المداهنة والملاينة والتضليل، وهي طريقة سهلة ولكنها نجسة حقيرة، لو كنا
نرمي اليها ما كنا لنزج بانفسنا في معترك الصحافة، فهناك مرافق حيوية عديدة
لتحصيل المال لو ان غايتنا مجرد الحصول على المال والمتعة الزمنية.. ولكن
ان نتجرد للخدمة عن طريق الادب بغية الاصلاح الاجتماعي وترويض الافكار على
الجرأة والصراحة واعدادها لأقتبال الحقائق واحتمالها ونبذ الاوهام وتسفيهها
ونشر الوية الثقافة في ربوعنا بالتبجيل .."
-وفي ص (7) من العدد (1و2و3) لسنة 1958 , يقول فريد نزها :
".. لقد قطعت الجامعة السريانية " ثلاثة وعشرين مرحلة تخطتها بصعوبات
جمة وصراع عنيف كلفها الصدور بصورة بطيئة وعلى شيء من الضعف .. ولكن المجلة
على كل حال داومت الصدور مؤدية الرسالة ما رسم لها مصدرها الطريقة والهدف
... هذه ثلاثة وعشرون سنة تمر من حياة المجلة وطريقها في البحث وتحليل
القضايا الاصلاحية التي ترمي اليها من متمنيات الرقي ورفع مستوى الامة
السريانية لم يطرأ عليها اقل انحراف..".
|