في ذكراها الـ 160.. أين الصحافة السريانية المستقلة؟!

 

 

                                         جورج هسدو

             حرية أو إستقلالية الصحافة تعني حق نشر الحقائق والأفكار والآراء دون تدخل من الحكومة أو الجماعات الخاصة، وينطبق هذا الحق على الوسائل المطبوعة بما في ذلك الكتب والصحف والوسائل الإلكترونية التي تشمل المذياع والتلفاز والإنترنت.. وقد عبرت الصحافة الحديثة حدود الأداء المألوف والكلاسيكي في تعاطيها مع الأحداث بحيث لم تعد الواسطة الناقلة أو الناشرة للخبر فحسب، بل استطاعت أن تتحول الى شريكا فعالا مع جماعات الضغط الأخرى في صياغة الأفكار والتوجهات والتاثير في ميول ووجهة المتلقي من جماهير العامة.. وبهذا الخصوص فان الأكثر فاعلية من بين جميع أنواع الصحافة هي الصحافة الحرة المستقلة الخارجة عن سيطرة السلطة وخطابها الإعلامي، والتي تناصر وتدعم الحريات الخاصة والعامة في مواجهة التسلط بمختلف أشكاله، وطبعا وفق نظرية "المسؤولية الإجتماعية في الإعلام" التي تحمي حقوق وسمعة المجتمع حكومة وأفراد.. وليس تجنيا على الصحافة الحزبية الملتزمة والسلطوية الموجهة إذا قلنا أن الصحافة المستقلة في كل العالم تعتبر الأكثر فاعلية وقبولا من لدن المتلقي، وذلك بسبب مساحة حرية التعبير وإختلاف الرأي التي تفردها لمتداوليها (كتاب وقراء)، كما أنها تؤمن مستوى مقبول من الصحة والتنوع في المعلومة.. وهي هنا تتميز عن باقي أنواع الصحافة بكونها (وضمن المفهوم العام) لا تنحاز إلى إتجاه معين بل تتعاطى مع مختلف الإتجاهات بنفس الدرجة من الحيادية، وهي تفضل الإلتزام بالمهنية والموضوعية في العمل الصحفي حيث هو الضامن لرصيدها وسمعتها بين جماهير المتلقين وهو سبب ديمومتها وإستمراريتها أيضا.

ما يهمنا هنا ولمناسبة الذكرى الستين بعد المئة ليوم الصحافة السريانية هو، إلى أي مدى نجح شعبنا في تأسيس صحافة مستقلة بعد أكثر من قرن ونيف على الإنطلاقة الأولى؟، والتي بشهادة المؤرخين والمختصين أعتبرت من التجارب الجيدة والناجحة شكلا ومضمونا مقارنة بشقيقاتها عند الشعوب الجارة.. وهي إصدار جريدة "زهريرى دبهرا" التي صدر العدد الأول منها في تشرين الثاني عام 1849 في مدينة أورميا الإيرانية باللغة السريانية وإستمرت لما يقارب السبعين عاما.. ولتقريب وجهة نظرنا أكثر من القارىء الكريم نطرح عددا من الأسئلة التي إذا ما أجيب عنها سنصل إلى النتيجة الحقيقية لمدى نجاح المعنيين من أبناء شعبنا في خلق وتأسيس صحافة حرة مستقلة تؤدي دورها في نقل قضايانا الوطنية والقومية وحتى المجتمعية إلى مستويات أكثر قبولا وإقناعا.. وسيكون بامكاننا تقييم مسار صحافتنا والحكم عليها بالرضى من عدمه، ليتسنى لنا بعدها العمل على تمتين وتقوية الجيد من تفاصيل ذلك المسار ونبذ ومعالجة الرديء منه لتحقيق الغاية المرجوة من الصحافة ألا وهي خدمة المجتمع:

* ما هي نسبة ما نمتلكه من صحافة بعيدة عن الإملاءات الحزبية التي غالبا ما تحصر الصحافة في بودقة الأيدلوجية والعرف السياسي؟!.

* هل تمكن الإعلاميون والمعنيون من تخليص الصحافة من سطوة المؤسساتية التي تطغي على المنشورات وبمختلف أشكالها الثقافية والإجتماعية والدينية وغيرها؟!.

* كم نجح صحفيونا في إنشاء مؤسسات إعلامية مستقلة يكون لها القول الفصل أو الغلبة في ترجيح كفة الحوار نحو التعقل والنضج بدلا من المهاترات من خلال طرح القضايا بحيادية وإستقلالية؟!.

* بماذا ساهمت أعداد الصحفيين والإعلامين التي تزخر بهم مؤسساتنا الصحفية وبمختلف العناوين والإختصاصات في خلق مرجعية لمهنة الصحافة يكون أساسها الفرد "الصحفي" وليس الوسيلة "المؤسسة"؟!.

* هل حاول الميسورون وأصحاب رأس المال من أبناء شعبنا تأسيس مؤسسات إعلامية حقيقية تجمع بين المهنية والإستثمار لخلق صحافة أهلية مؤثرة؟!.

* إلى أي مدى يتمتع الصحفيون بحرية التعبير عن آرائهم ونشرها والترويج لها بعيدا عن الضغوط والإملاء والتوجيه؟!.

* هل تجاوزت العلاقة بين الصحفي ومؤسسته مبدأ الإرتزاق لترتقي إلى مصاف العلاقة التكاملية بين الأداة والوسيلة والغاية المنشود؟!.

* كم نجحت الصحافة السريانية في التأثير على متلقي رسالتها لتغيير وجهة الرأي العام بما يخدم المجتمع وقضاياه؟!.

* ما هي نسبة الحيادية التي تعاملت بها مؤسسات شعبنا الصحفية أثناء الترويج لخطابها الإعلامي بما يخص عرض برامج يكون القرار النهائي فيها للمتابع وليس للمعد؟!.

* إلى أي درجة هناك تنسيق وتشاور بين المؤسسات الصحفية السريانية لمواجهة المخاطر التي يتعرض لها شعبنا من اجل خلق وسيلة ضغط مؤثرة على القرارات والمساعي الحكومية للتقليل من أضرار المرحلة؟!.

وإذا ما أجيب عن كل هذه الأسئلة أو حتى نصفها بالإيجاب فأنه يمكن أن نفتخر بأن صحافتنا السريانية قد نجحت في أن تخطو خطوات جبارة نحو التطور والإحترافية، ونتأكد بأنه لدينا صحافة سريانية مستقلة تضاهي ما موجود عند باقي الأمم.. وسنركز على الأهم مستقبلا لما فيه مصلحة ديمومة الصحافة السريانية متعافية رصينة نعتمد على دورها في حسم المختلف عليه بشكل حضاري خدمة للصالح العام.. أما إذا ما كانت الأجوبة بالسلب فأنه يتعين علينا أن نكبح خطانا ونتوقف مليا للتفكير بمصير صحافتنا التي يمكن أن يقال عنها حينها إنها صحافة "وكلاء سلطة ورؤساء أحزاب ورجال دين وطواويس التبختر وهواة الكتابة"، وليست صحافة كلمة ومجتمع وشعب وقضية ورسالة".

إنها دعوة جادة للتأمل والتفكير أولا ومن ثم الشروع وبأقصى سرعة لخلق صحافة سريانية مستقلة تعمل على معالجة مشاكلنا الإجتماعية قبل السياسية، وتساهم في تأسيس منظومة جماهيرية واعية وصلدة قادرة على التمييز وإتخاذ القرارات لمواجهة ما تسوقه مصانع التفكير الجاهز من نظريات وقناعات معلبة.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links