عراق
المســــتقبل ... أي المشاهــــد نريــد ؟
نبيــــل شانو
شكل التغيير الذي حدث في العراق حالة من مفترق طرق ، وعلى كافة الصعد
سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية ؛ وكأشخاص ضمن هذا المجتمع نهتم
ونتأثر بما يحصل حاضراً ومستقبلاً ، فلكل واحد منا أفكاره أو فلنقل أمنياته
لما سيؤول إليه وضع البلد بعد ذلك " المفترق " ، لقد توقع الكثيرون الخير ،
ولكن لم تجر رياح التغيير بما تشتهيه سفن أمنياتنا ( ما عدا القلة القليلة
التي استفادت إلى حد ما من الوضع الراهن !! ) ؛ ولا يخفى على أحد حالة
التخبط وعدم المبالاة لا بحاضر الوطن فقط ، إنما بمستقبله أيضاً ، ولا
يقتصر ذلك على غالبية المسيطرين على المشهد فقط ، بل من قبل المواطن البسيط
كذلك ، الذي يئس من أي تحسن لحاله ، وتحقيق ما سبق أن وعد به من " امتيازات
" لها أول وليس لها آخر !! . لكن يبقى وعلى الرغم من ذلك حلم المواطن
لمستقبل بلده وخيره واستقراره ومستقبله الشخصي حلماً مشروعاً ؛ ذلك الحلم
المستند للواقع والحقائق التي لا لبس فيها ؛ ونحن إذ ندلو بدلونا في هذا
الموضوع نحاول واستنادا لما هو واقع حالياً أن " نتخيل " عراق المستقبل
وفقاً لمشاهد ثلاث :
المشهد الأول ــ يبقى الوضع على ما هو عليه ..
التجدد والتحديث سمة الحياة ، واستنباط الأفكار العصرية يساعد في اختزال
المسافات ، لكن في عراق اليوم تبقى المماحكات السياسية بين الأطراف
الرئيسية المسيطرة على الوضع العراقي الحالي دون حل جذري ودون النظر بعين
الحكمة للجمود في المشهد السياسي ، وتبقى مسألة المصالحة الوطنية معلقة حتى
يحضى "الجميع" بكل شيء ، ويبقى الولاء للخارج من بعض الأطراف أكثر مما هو
ولائهم للداخل ، وتبقى التصريحات والتصريحات المقابلة والتي يدعي مطلقوها
خدمتهم وولاءهم للوطن والوطنية دون تفعيل ، ويبقى الفقير فقيراً ويزيد
الغني غناً ، ويبقى الخلاف على الدستور والقوانين اللاحقة بسبب عدم ضمان
حقوق " البعض " لمكتسباته المتحققة ، ويبقى مجلس النواب دون النصاب
القانوني لكي لا يتم التوصل إلى قرارات تفيد أو تخفف من أزمة المواطن
المبتلى ، وتبقى الكتل السياسية ممسكة بزمام " مشروعية " تمثيلها لشريحة
معينة من العراقيين ، وتبقى " الأقليات " تبحث عن حقوقها المشروعة
والمستباحة سابقاً وحالياً وكأنها لا تمثل رقماً في المعادلة الوطنية (
وبعضها في طريقه للانقراض !! ) ، ويبقى اتهام هذا الطـرف أو ذاك إلى الآخـر
باعتباره " عميلاً " للأجنبي ولا يجوز التعامل معه ، وتبقى النظرة إلى
الماضي باعتبار أن الأنظمة السابقة هي سبب البلاء دون تحريك ساكن ومحاسبة
النفس لتحسين الوضع القائم لإثبات أن العهد الجديد أو الحكام الجدد أحسن
ممن سبقهم ، ويبقى الإرهاب يعصف بكل ما هو خير وأمل للنهوض ، ويبقى الجيش
والشرطة متعددو الولاءات العرقية والمذهبية متجاهلين المصلحة العليا للوطن
، ويبقى المواطن يفر من هذا الوضع أو ذاك حاملاً متاعه وهائماً على وجهه في
بلاد الله الواسعة ، ويبقى النفط جارياً لتستخدم وارداته لإبقاء الوضع على
ما هو عليه !! .
المشهد الثاني ــ الفوضى السرمـــدية ..
نقصد بذلك الفوضى التي تديـم نارها بوقـود ذاتي ، فبعـد أن أصبـح لكـل
طرف قــوي في العراق الجـديد " قوتــــــه " وسلطته ، ومع تسليم الملفات
الأمنية في بعض المحافظات إلى ( قوات الأمن المحلية ) ، وحلول تسليم البقية
الباقية عما قريب ، ولا ننسى أيضاً الانتخابات الأمريكية لمنصب الرئاسة
نهاية هذا العام والتي من المرجح أن تأتي بشخص معارض للسياسة الأمريكية
المنتهجة في العراق حالياً فيعمل على سحب القوات الأمريكية المتواجدة أو
أغلبها في أقرب وقت بعد توليه لمهامه أو على أقل تقدير سحب الجنود من المدن
وجعل الفرقاء العراقيين في مواجهة بعضهم البعض لتصفية الحسابات القديمة
والحديثة ، وكذلك حالة الجمود في المشهد الداخلي ذلك الجمود الأشبه بالهدوء
الذي يسبق العاصفة ، وعدم استعداد أي طرف للتنازل للطرف الآخر ؛ نتيجة لكل
لذلك فأن أي شرارة ستنطلق من أحد هذه الأطراف في المدن ذات الاختلاط
السكاني متعدد الأعراق كبغداد وضواحيها أو كركوك أو البصرة أو الموصل أو
بابل ... وهكذا ، ستكون نتيجتها ( لا سامح الله ) حرباً أهلية طاحنة تأكل
الأخضر واليابس ، لا تبقي ولا تذر ، تلك المواجهة التي لن تكون بين مكون
وآخر فقط ، وإنما ستشمل المكون نفسه بسبب تعدد الولاءات والاتجاهات الحزبية
؛ أما الدول المجاورة فأنها فسوف تتدخل إلى جانب هذا الطرف أو ذاك ، أو
لتصفية الحسابات مع بعض الجهات العالمية على أرض العراق ؛ والمجتمع الدولي
سيقف متفرجاً دون تحريك ساكن ليأسه من حلحلة الأمور في البلد بسبب من
المواقف المتعنتة والشوفينية للبعض ، منتظرين بذلك ميل الكفة لأحد الأطراف
؛ أو لاقتناع جميع الأطراف بعدم جدوى القتال ، كون هكذا مواجهات لن تكون
بصالح أي من الأطراف المتنازعة ( وهذا أقرب إلى الواقع من أي نتيجة أخرى )
؛ عندها سنلاحظ موجات من الهجرة الداخلية والخارجية هرباً من حرب " الأشقاء
" هذه ، وسيبقى من لا حول له ولا قوة ليكون وقوداً لها ؛ وسيأسف بعد حين من
أشعل هذه المواجهات ويتمنى العودة القهقرى ، لكن بعد فوات الأوان .
المشهد الثالث / جمهــــورية القانــــون ..
وهذه تختلف عن جمهورية أفلاطون الفاضلة التي يحكمها الفلاسفة ، إنما هي
جمهورية تطبق فيها العدالة على الجميع دون محاباة لأحد ، ويكون القانون
فيها هو الحكم ؛ فبعد الاستقرار النسبي الذي يشهده العراق حالياً ، نقول قد
تسود لغة العقل بعد أن فشلت المصالح الشخصية الضيقة في تحقيق المكاسب
لأصحابها فتنحى جانباً ، ويجلس الفرقاء ليتم التوصل إلى برنامج عمل مشترك
يخدم طموح كافة العراقيين ، وسيعمل بجد من أجل المصالحة الوطنية الغائبة
كون الوطن هو للجميع ، وستتسابق الفصائل في التنازل أحدها للآخر لفتح صفحة
جديدة في العلاقات الأخوية ، وسيصار إلى كتابة دستور وتشريع قوانين تخدم
كافة فئات الشعب ، وستمنع عمليات الفساد التي تنخر في جسد الاقتصاد ،
وستستخدم الثروات الهائلة لبناء وأعمار ما تهدم من البنية التحتية للبلد ،
ولن يسأل حينها المواطن عن ديانته أو عرقه أو مذهبه ، بل سيسأل عن مدى ما
قدمه لوطنه الكبير حصراً ، عندها لن يجرؤ أي أجنبي على التدخل في شؤوننا
الداخلية ، وسيعود أهل العراق المشتتين في أصقاع الأرض لممارسة دورهم في
بناء البلد ، وغير بعيد في عمر الزمن يصبح العراق منارة وقبلة للعالم
بثقافته وحضارته التي تمتد بعمقها التاريخي إلى سبعة آلاف عام .
إن الأبطال الفعليين في المشاهد الثلاثة السابقة هم العراقيون
والعراقيون فقط ، صحيح أن التأثير الخارجي يلعب دوراً في السيناريو الجاري
إلى حد ما ، لكن النتيجة كيفما كانت سيقررها أبناء البلد الأصلاء .. فإذا
قلنا أن التجدد سمة من سمات الحياة فهل سيبقى الوضع على ما هو عليه ؟ ؛ وهل
سنسمح بأن يجرنا البعض إلى الفوضى السرمدية ؟ ؛ أم أننا سنسخر مواردنا
الهائلة لإقامة جمهورية القانون العتيدة ؟ ..
|