مشاركة شعبنا في الانتخابات النيابية 2010..
مشاهد مكررة وأخرى تسترعي الإنتباه!!
جورج هسدو
لا نجافي الحقيقة إذا قلنا ان
انتخابات البرلمان العراقي الماضية كانت من الأهمية بمكان لمجمل العملية
السياسية الجارية إلى درجة دفعت بالكتل والقوائم المتنافسة لسلك كل الطرق
والأساليب المتاحة لنيل أكبر نسبة تأييد من خلال حصد أصوات الناخبين.. كما
أنها جأت في وقت شهدت فيه الساحة تسابق القوى الإقليمية على وضع البصمة على
النتيجة بتبنيها ودعمها لمناهج وتوجهات قوائم محددة تعمل على تحقيق برنامج
مشترك يتطلع إليه الطرفان.. وهو الأمر الذي أثر كثيرا على نسبة المشاركة
والتي عبرت الـ 60%، وهي تعتبر عالية قياسا بمثيلاتها في الدول التي تتبنى
الانتخابات منهجا لتداول السلطة ومعيارا صادقا لحجم التأييد الذي تدعيه
الأطراف والأحزاب السياسية المتنافسة.. ورغم أن العملية الانتخابية اعترتها
الكثير من النواقص وشابتها العديد من العيوب خاصة في آليات سن قوانين
الترشيح والانتخاب وحساب الأصوات، لكنها استطاعت "بتقديري الخاص" أن تحقق
نسبة لا بأس بها من المصداقية، حيث جأت أفضل من سابقاتها نسبيا وفي ظروف
معقدة.
وإذا ما تحدثنا عن ما يتعلق بشعبنا الكلداني السرياني الأشوري فيها فأننا
سنلاحظ تكرار مشاهد لم تكن بعيدة عن توقعات أغلبنا لمعرفتنا التامة بواقع
الساحة السياسية لشعبنا، وظهور أخرى تسترعي منا التمعن والإنتباه لتلافيها
مستقبلا لما فيه مصلحة قضيتنا باعتبارها جزء من القضية العراقية العامة..
وفي كل الأحوال فأن شعبنا ليس ببعيد عن التدخلات الخارجية التي تلقي
بظلالها على مستقبل البلد وأبنائه، كما أنه ليس بمنأى عن تأثير القوى
الكبيرة من خارج البيت القومي التي تصر على منافسة قوائم شعبنا على أصوات
ناخبيه التي ضمنها لهم نظام التمثيل الخاص "الكوتا".. وهي بالتأكيد عوامل
لا تتيح لشعبنا أن يكون من الأرقام الكبيرة المؤثرة في المعادلة، لكنها
ايضا لا تفرض عليه أن يقبع في ذيل المعادلة كرقم هامشي إذا ما قرر أن يكون
غير ذلك.. وبين هذا وذاك تظل القوائم المتنافسة على مقاعد الكوتا تعتمد
أساسا على الناخب الكلداني السرياني الأشوري "المسيحي" للوصول إلى
البرلمان، بينما يظل الناخب المسيحي يتراوح بين عدم المشاركة والتصويت
للقوائم العامة.
المشهد الأول: الكوتا
جاء إقرار نظام الكوتا هذه المرة أيضا من قبل مجلس النواب انطلاقا من
الفهم المشترك والقناعة التامة بأحقية تمثيل شعبنا في المجلس بعيدا عن
الحسابات السياسية للأطراف المتنافسة، وكنتيجة لإفرازات المرحلة السابقة
لصعوبة الوصول إلى المؤسسة التشريعية من دون حق خصوصية التمثيل بنظام
المقاعد المحجوزة.. لكننا نأسف من إعتبار البعض لهذا الحق المكتسب صدقة
وإنتقاصا من مكانة شعبنا على خلفية قناعات ساذجة تفتقر إلى النضج السياسي،
أو ربما لإعتبارات فؤية ضيقة متخفية بعبائة الوطنية والمواطنة.. وهنا نسأل
عن ما هو الأفضل لشعبنا، عدم وجود ممثل له في الهيئة التشريعية أم وصول
ممثلين عن طريق الكوتا؟؟، وشرعية تساؤلنا هذا تأتي من نتائج المشاركين من
أبناء شعبنا في القوائم العامة.. أما لمن يعيب على الكوتا ويحملها ما لا
تتحمله من أن عنوانها ديني وليس قومي لذا فهي "حق منقوص" فنقول: ليس كل ما
يلمع ذهبا، حيث ليس كل ما يسن تحت اليافطة القومية منجزا كما ليس كل ما
يندرج تحت الصفة الدينية إخفاقا.. والبليد من التجارب يفهم.
المشهد الثاني: القوائم
من يقول بأن المشاركة في الانتخابات ليست من أجل الوصول إلى السلطة فهو
أما غبي أو يستغبي الآخرين، فحتى خدمة الشعب والمواطن تتجلى وتتحقق أكثر من
خلال المشاركة داخل مؤسسات الدولة، لكن المشاركة لا تعني أبدا الذيلية
والتبعية كما يصورها البعض، فشتان بين أن تكون شريكا وبين أن تكون "شركا"..
أما النزول إلى المعترك السياسي دون مؤهلات تضمن الحد الأدنى من الندية
واستعراض العضلات فقط أثناء المبارزة دون تدريب وتأهيل مسبق فأنها تنم عن
قصر نظر وعدم دراية، وهي تظهر أحيانا الوجه القبيح للمصالح الشخصية
والتطلعات غير المشروعة.. كما أن المراهنة على النزعات الطائفية والعنصرية
المقيتة والتعكز على الإنقسامات الكنسية ثبت بطلانها وستظل تثبت خطأها أكثر
وأكثر ولن تجني سوى الفشل مهما حاولت تسويق فكرها المريض.. أما التفلسف
بخصوص الإئتلافات والعمل المشترك والتفاضل به على البقية في ظل تناقض الشكل
مع المضمون وتقاطع الحقيقة مع الترويج فأنه لم يفد أصحابه حتى في تنافسهم
مع الكيانات الفردية، وإلا فمن غير المعقول أن تتذيل قائمة تحمل عنوان
إئتلاف يضم أحزاب قديمة زمنيا جدول المتنافسين بينما تسبقها قوائم مشكلة
حديثا من كيان فردي يحمل أسم شخص واحد فقط!!.. وهذا مع كل الأسف "الصادق"
كان حال قوائم شعبنا.
المشهد الثالث: الدعاية
الغاية من الدعاية الانتخابية هو التأثير إيجابا لصالح المعني لكنها يمكن
أحيانا أن تأتي بنتائج عكسية في غير صالح القائمين عليها إذا ما أسيء
إستخدام الدالة أو عينة الرسالة الموجهة.. وبناءً على التجربة الفتية
للعراقيين عموما في هذا المجال فأنه سيكون من المتوقع ورود هفوات وحصول
أخطاء تعتري عملية صناعة الدعاية الانتخابية.. لكن الغريب هو أن تلجأ قوائم
شعبنا إلى أساليب لا تحتاج إلى حنكة وخبرة كبيرة لتمييز الفاشل من الناجح
منها، ففي الوقت الذي حصرت بعض القوائم كل دعايتها على صور وأرقام المرشحين
وحشرتهم في مشاهد مشتركة أربكت المتلقي أكثر مما أقنعته، أهملت قوائم أخرى
كليا مسألة المرشحين وأقتصرت على صور ومشاهد عامة لا تتعلق بالانتخابات سوى
باقحام رقم القائمة فيها.. لكن أغرب ما استوقفني في موضوع الفشل الدعائي هو
نموذجين، الأول: إظهار قائمة لنفسها وكأنها في مأزق وخطر يهدد حياتها من
خلال طلب النجدة "من الناخبين" على طريقة رسالة الـ SOS الزجاجية التي تلقى
في البحر.. والثاني: قيام مجموعة من السيارات بالتجوال والتزمير في بلدات
سهل نينوى كنوع من الدعاية للقائمة وهي تحمل صور رئيس القائمة فقط واهمال
الآخرين رغم وجود مرشحين فيها من نفس البلدات المستهدفة.. فهل يوجد فشل
دعائي أكبر من هذا؟!.
المشهد الرابع: المشاركة
أول ما يستوقف المحلل لمشاركة شعبنا في هذه الانتخابات هو أمرين: الأول
المشاركة الضعيفة التي لا ترتقي إلى طموح المعنيين بالشأن الانتخابي من
المرشحين والناخبين على حد سواء، والثاني هو العزوف عن التصويت للقوائم
الخاصة والتوجه لاختيار القوائم العامة.. ورغم أن ليس هناك من يطالب بأن
تكون المشاركة 100% والذي هو أمر مستحيل المنال فأنه من غير المقبول أن لا
تتعدى نسبة مشاركة شعبنا في محطة مفصلية مثل هذه الـ 30%، بينما تتجاوز
النسبة لعموم العراقيين الـ 60%.. كما أنه ليس من الطبيعي "رغم أنه حق
مكفول" أن يصوت نصف المشاركين من أبناء شعبنا لقوائم عامة بينما ما زالت
الساحة السياسية العراقية مستقطبة على خلفيات عرقية وطائفية ودينية
ومناطقية وحتى مذهبية وعشائرية.. وهنا تبقى الأسئلة تدور حول الأسباب التي
أدت إلى هذه النتيجة، فهل هي بسبب فقدان شعبنا للأمل أم لإستمرار تأمله من
الكبار؟؟، أم هل هي نتيجة تراجعه عن إتخاذ الموقف أم لخذلانه من مدعي
المواقف؟؟، وهل هي حقا بسبب ظرفه الذاتي أم لأسباب موضوعية خارجة عن
إرادته؟؟.
المشهد الأخير: النتائج
سنتجاوز هنا كل الإرباكات التي اعترت العملية الانتخابية برمتها من تصويت
الداخل والخارج إلى العد والفرز وآلية الاعلان عن النتائج، وسنتحدث فقط
بلغة الأرقام ضمن مفهومها الرياضياتي:
* شكلت قوائم شعبنا نسبة 33% - 50% من مجموع القوائم المشاركة في بعض
المحافظات "أربيل، ميسان، المثنى، دهوك، السليمانية"، وهي نسبة عالية جدا
قياسا بحجم شعبنا فيها.. وهو مشهد معيب لما يحمله من صور الأنانية والتهافت
على المكساب الضيقة.
* من مجموع 7 كيانات متنافسة على الكوتا "5 قوائم و 2 كيان منفرد" حصلت
قائمتين فقط على القاسم الانتخابي.. وهو مشهد يتكرر للمرة الثانية.
* حصلت كل قوائم شعبنا مجتمعة في 13 محافظة "التي لا تتضمن مقاعد الكوتا"
على 15596 صوتا، أي ما مقداره أكثر من قيمة مقعد.. وهو مشهد يستحق التأمل
والمراجعة، ولدرجه في الحسابات مستقبلا.
* نالت القائمتين الفائزتين نسبة 68،6% من الأصوات، بينما كانت نسبة
أصوات القوائم الخمس الأخرى 31،4%.. وهو مشهد يعكس واقعا على من ينوي الخوض
في الشأن السياسي لشعبنا أن يضعه في الحسبان.
* وصل 5 مرشحين من مجموع 49 مرشحا في قوائم الكوتا أي بنسبة تفوق الـ 10%
بقليل، بينما لم يصل ولا مرشح من مرشحي أبناء شعبنا الـ 29 في القوائم
العامة.. وهذا مشهد عليه أن يدفع الناخب الكلداني السرياني الأشوري إلى
تبني قناعات مغايرة مستقبلا بخصوص المساهمة في اختيار ونجاح المرشحين.
|