الشاعر عبد الله البدراني

مدينتي  تسكن  داخلي  كما يسكن المحار في أعماق البحر

 

                                                                                                      

                                                                                                        أجرى الحوار: سامرالياس سعيد

                 شاعر  تتنفض كلماته بين عبق الأصالة وتستيقظ على وقع حوافر  خيل زمان مضى  معفرة بتراب حرب تكاد لاتنتهي فصولها .. لاطقوس لديه في اعداد كلماته الشعرية على مرجل لاتخفت ناره .. بل احيانا تنتفض  قصائده مفزوعة على أريكة مقهى شعبي على وقع صخب  قطع الدومينو التي تصطدم  على وجه  طاولة خشبية عجوز رغم انه يقود دفة اتحاد  أدباء وكتاب نينوى في مسار  تفعيل أنشطته وتأكيد حضوره الإبداعي في خضم مدينة تفتقد أشياء كثيرة من أولوياتها الامن  كأساس حقيقي ودافع لإبداع الشاعروالاديب عموما  ..عبد الله البدراني يؤكد على هويته العراقية أولا فتحتضنها كلمات قصائده التي تضج بحب الوطن ودرء السوء عنه  وهذا ما يبلوره جليا نص حوارنا التالي معه :

*مرجل الشعر متى يغلي  في دواخلك ؟

-ربما يختلف فهمي مع  فهم الآخرين لمرجل الشعر  فلكل حادث حديث كما هو معروف ولاشك في ان  الأمر الأهم ان المرجل في اغلب الأحيان يعيش  مرحلة  السكون الراكد  وهي تتماثل لدرجة بسترة  الشيء تحت  اجواء ظرف او اخر  ومعه يبلغ الشاعر درجة اللامنتهى اما انا  فملامحي تبقى شاهدة  لتتناسب طرديا  مع قضيتي والقضية هنا  تصب في بوتقة واحدة مع المرجل ..

*صورك الشعرية تتسم بالاندفاع والحماسة من اين تلتقطها ؟

-دائما يغريني التراث في اسبر أغواره  وله حضور  طاغ حيث اخذ متسعا كبيرا  في مرجعياتي الشعرية  وهذا ما جعل البعض يصنفني الى  الصفوف الأخرى لتمسكي الشديد بهذا النمط  وهذا ما يقود البعض الى المشاكسة  والتقاطع إزاء الآراء الكثيرة التي تحكم هذا المجال  ومادمنا في فلك الصور الشعرية  فهي تلك الصور المرئية  ونظيرتها اللامرئية  وبينهما الحد الفاصل  عندما ينجح الشاعر  في تحويل اللامرئي  الى  مرئي يجده المتلقي ..

*اين يقف البدراني من جدلية التعددية التي تحكم أنماط الشعر بين قصيدة النثر والشعر والحر  وغيرها  من الأجناس الاديية ؟

-انا أقف في موقف المتلفت  الى جميع الاتجاهات  عندما أنوع قراءاتي للحداثويين او اسمع  ما يدونه العموديين  وهنا العب دور متلفت مذعور ولاتنسى ان للإبداع دور في جعل قامتي منتصبة بينهما ..

*ما حكاية دفقات الحماس التي تضخها في نتاجك الشعري ؟

-أثبتت الشواهد التاريخية  ان المتحمسين لقضاياهم وخصوصا ما يتعلق بالوطن والأرض  والعرق  هذا الثالوث الذي قاد المتنبي  وابي تمام لإثبات بصمتهم بارزة على لوحة الشعر بل الحياة  فالمتنبي كان مقاتلا قبل ان تقوده القصيدة لضفاف ديوان سيف الدولة الحمداني وابي تمام عاصر واقعة عمورية  بأدق تفاصيلها  فبقيت لوحته الشعرية (السيف اصدق انباء ) بانوراما ينهل  منها شعراء الحماسة  ما يطفئ ظمأهم  بغض النظر عن اختلاف قضاياهم المصيرية وهنا يبرز مفهوم يعزز دور  الحرب  في بلورة  الذائقة الشعرية..

*هل هنالك خطوط حمراء تحكم مجال كتابتك الشعرية ؟

-انا ضد المبدأ القائل بان  للشاعر خطوط حمراء تحكم تجلياته والهامه الشعري لان أصل تلك الخطوط من وضع المتلقي وهو الوحيد التي يصدها امام تيار قراءاته فمنهم من يضع المرأة كخط احمر  وإذا أردت فتح مغاليقها تلوح أمامك عصا المجتمع وهذا ما استطاع تجاوزه الشاعر الكبير نزار قباني  لأنه استفاد من خصوصية  اجتماعية ففتحت له تلك الخصوصية مغاليق أمر اعتبر في حينها من المحرمات ..

*صف لي نمو بذرة قصيدة ما سرعان ما تكبر لتضحي شجرة تتفيا في أبياتها عصافير المتلقي ؟

-يمكن ان تكون هنالك مسافة  بين قصيدة وشقيقتها عبر مدة لازمنية احيانا  تتعسر ولادة القصيدة الى حد المخاض  وأحيانا يطول بها المقام فتعيش معي لمدة عام او اكثر  ولازالت القضية هي  الدافع الذي يوقظ خوالجي الشعرية ويمنحها نبض الحياة ..

*مالذي ترتديه الموصل من صور في اشعارك ؟

-من الصعوبة بمكان ان ينسلخ الانسان عن جلدته او يتجرد من مكانه فمدينتي الموصل تسكن في داخلي تماما كما يسكن المحار في أعماق البحر  وهي مدرستي الاولى التي نهلت منها  الحب والانتماء  والمواطنة علمتني ان أنصت لدندنات عود تلعب على أوتاره أنامل موصلي   وتقودني لمركبة الزمن في رحلة  استكشاف شجاعة اسلافي   وكوكبة كبيرة  من أصدقائي  الذين تقودني ذكرياتهم ولقاءاتهم لاستعادة نفسي من حالة التيه الذي يفرزه ظرف الاحتلال ..

*اذن كيف ترسم خارطة لمشهد الموصل الثقافي ؟

-رؤيتي لاتتجاوز تواضع راهن الحالي وهذا ما انعكس على نتاج وإبداع أبنائها  فتداعيات ظروف البلد أخذت حيزا واسعا من هذا التواضع المستشري ..

*وهل للظروف دور في إخصاب الملكة الشعرية ؟

-الأجواء التي تكتظ بشاعرية  هي التي تهيمن علي وعلى هواجسي  وبما انني أعيش داخل حدود وطن  تتراقص فيه الأشباح فليس من الممكن ان ابرز هويتي الشعرية  او ان أدون قصيدة  تخترق حدود الواقع ..

*بصفتك رئيس اتحاد يعنى بالأدباء والكتاب في نينوى ماهي الحلول الكفيلة التي من شانها ان ترتقي بواقع  هذه النخبة ؟

-لاينكر ان المثقف والأديب يشكلان جانبا حيويا من مشهد الحياة  وان المشهد الثقافي لايتم تصوراته بعيدا عن هذا الإطار خاصة إذا ما اندمج في مشهد اجتماعي تلوح فيه بوادر امن والأمان  وإذا أردنا السمو بمثل هذه اللوحة الحياتية ينبغي على الآخرين توفير ولو جزء منها  لكي تبحر مراكبنا  بين مد الحياة وجزرها  ولاحل سياسي يتوائم مع مشكلات الأديب  فلغة الاخير لايفهمها السياسيون  او يتجاهلونها في حاضر الزمن الحالي  تحديدا ..

*مارايك بأدب يستمد نخبويته من مسابقات ومهرجانات تغدق على مشاركيها  جوائز ثمينة ؟

-لو نلقي  نظرة بسيطة إزاء ما تبثه الفضائيات اليوم لوجدنا ان هنالك الكثير من المسميات  والمقاييس ما انزل  الشعر بها من سلطان  وكلها تلبي حاجات تبدو وقتية او تخدم واقعا أسير ساعته  ولي وجهة نظر محددة تؤكد ان الشاعر هو من يصنع نفسه  ما دام يخضع لمصطلحان مهمان هما التأثر والتأثير  ويبقى الشاعر  مبدعا إذا أتقن مرتكزاتهما ..

 

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links