في لقاء معه:
سهيل قاشا يؤكد ان التوراة كتبت وفق
نصوص الحضارات الرافدينية
اطمح بمبادرة عراقية للاهتمام بتراثنا
والحفاظ عليه من الإهمال والتجني

اجرى
الحوار: سامر الياس سعيد
لايمكن لبضعة اسطر ان تفي حق مفكر وباحث وبروفيسور في الحضارة العربية
بقامة سامقة كقامة الأب الدكتور سهيل قاشا.. الرجل الذي أمضى زمنا طويلا
يبحث في طيات الكتب عن الحقيقة وحدها ليسكت بها أفواه المتقولين والأدعياء
خصوصا عن الحضارة العربية التي أطلقت إشعاعاتها الفكرية لتغمر بها كل أصقاع
العالم.. قاشا الذي انطلق من حاضرة التاريخ المسيحي وبلدة المفكرين السريان
"بخديدا" او قرة قوش لينطلق في مشوار الألف ميل نحو تاطير المشهد الفكري
بالعشرات من المؤلفات والبحوث والاطاريح والتي يأتي في مقدمتها أطروحته
لنيل شهادة الدكتوراة من جامعة الحضارة الإسلامية في بيروت عام 2005والتي
حملت عنوان "المسيحيون في الدولة الإسلامية" ويشغل حاليا منصب الأمين العام
للجامعة المذكورة وأستاذ مادة الإسلاميات والتراث العربي المسيحي..الحوار
معه يمتاز بنكهة خاصة خصوصا في ظل رؤيته بشأن الأحداث التي يشهدها العالم
وربطه لها مع احداث جرت في قرون سابقة وفيما يلي نص اللقاء :
- هل للبيئة التي نشأت فيها تأثير ملموس في ما
أنجزته من مؤلفات وكتب ؟
* بالتأكيد، لقد بدا تأثري بوالدي كبيرا خصوصا وأنا أراه يقرأ ويكتب
ويترجم خصوصا وان توجيهه لي كان بصيغة علمية وبدون ان تغلب عليه لمحات
التعصب او التعنصر لفئة على أخرى.. لقد ترجم والدي بطرس متي قاشا أربعة عشر
كتابا بقيت مخطوطة دون ان يطبعها وأنا حاليا بصدد طبعها وقد أكملت طبع
ثلاثة من تلك الكتب منها تاريخ الرهاوي المجهول الذي يعد من أمّات الكتب
السريانية وفهرس مخطوطات قرة قوش وأعود للنشأة وتأثيرها فلها دور ملحوظ حيث
نشأت في بيت له ميزته الدينية والعلمية ولايتزمت بمذهب او طائفة منفتح على
الأخر خصوصا على أخوة لنا من الدين الإسلامي كانت تربطنا معهم روابط صداقة
ومحبة واعتقد ان لتلك النشأة اثرا في توجهي نحو البحث بين طيات التاريخ
والتراث..
- تختزن سيرتك الأولية مبادرة إحدى قريباتك بدعمها
لك وطبعها لكتابك الأول على نفقتها الخاصة فماذا يدور ببالك حول هذه
الحادثة؟
* كتابي الأول كان رد فعل على المد الشيوعي الذي جرى عام 1960 حيث أعددته
بشكل بحث حمل عنوان "أنت من أنت؟"عن مطبعة الزمان حيث تكفلت بقيمة الطبع
عمتي بحيث بلغت تكلفته ما قيمته "170دينارا" ومن ثم تبع هذا الكتاب عدة
مؤلفات تخصصت بالصبغة الدينية منها سير الشهداء أما كتبي التاريخية فيبرز
منها كتابي الأول في هذا المضمار حيث حمل عنوان "لمحات من تاريخ نصارى
العراق" الذي طبع في مطبعة شفيق عام 82 وهو مجموعة من مصادر مهمة كنت قد
أشرت إليها في سلسلة مقالات نشرتها في المجلة البطريركية الصادرة عن
بطريركية أنطاكيا السريانية في دمشق..
- المؤلفات التي أنجزها مدادك وفكرك عبر هذه
السنوات،هي عبارة عن رسائل لمن تريد ان ترسلها؟
* هي عبارة عن شعور بالإعجاب والتقدير للتراث العراقي القديم خصوصا ذلك
الذي قام على أكتاف أجدادنا أولي الحضارات وتوضيحا لتلك المضامين ونشرا لها
فضلا عن ان غاية أخرى تتلخص في الرد على ما جنته التوراة على هذا التراث
والطروحات التي قدمها كما ان التوراة تجنت بشكل يتناقض مع تاريخ العراق
القديم منكرا هويته الأصيلة فقصة الطوفان مثلا وردت في نص من ملحمة اكتشفت
في بلاد ما بين النهرين وشريعة حمورابي كذلك لذلك أرى ان التوراة ذات أصول
بابلية أكثر منها عبرانية فاغلب النصوص مستمدة من الفكر السومري وسفر نشيد
الإنشاد مأخوذ من نص الزواج المقدس الذي كان يتلى في احتفالات تلك الطوائف
ونص الحكمة ما خوذ من حكمة احيقار فضلا عن ان هنالك جدلا مثارا حول قرابته
لطوبيا واعتقد ان هذا الكلام غير واقعي البتة وهو الدافع وراء توجهي لبيان
الحقائق ونقض تلك الأقاويل حيث تبين لي ان اغلب النصوص الموجودة وفق شريعة
موسى قد استقيت من شريعة حمورابي..
- وما هي آراؤك حول ما يثار من أقاويل تتعدى او
تتجنى بالأحرى على تاريخ الحضارات الرافدينية؟
* المؤلم ان اغلب أبناء شعبنا أهمل هذا التاريخ وبتعمد أحيانا والمفروض
ان القائمين يدعون لتبني نشر هذا التاريخ والتراث كدائرة خاصة معنية تسعى
لإعادة ما نهب من آثار وتحف تاريخية وحقيقة ان الحدث استفزني فكتبت حوله
مجموعة من المقالات منها مجزرة التراث والصهيونية العالمية وراء حرب
العراق وأرجو من المسؤولين ان يكونوا على تواصل دائم من اجل إعادة آثار
العراق المسلوبة فالمفكرون الغربيون أشادوا بهذا التاريخ الثر ومنهم صموئيل
كريمر الذي أكد ان التاريخ بدأ في سومر والفكر سما في بلادنا والحكمة
ترعرعت في بابل كنص الأمثال الذي يعتبره البعض هو السابق لكن الراسخ هو ان
الحكمة السومرية هي الأسبق..
- هذه الآراء التي تجاهر بها الآن، هل تعرضت
بسببها لهجومات او ردود من قبل الآخرين الذين لم يستوعبوا ما كتبته؟
* من طبيعتي إنني لا احسن التعامل مع التقنية الحديثة مثل الانترنت التي
تعد أرضية خصبة للتعامل مع الآراء الأخرى لكن ما يردني من تلك الردود
استقيه من طلبتي وتلاميذي الذين يعلمونني بما يرد من أقاويل حول ما اكتبه
وانشره حتى دفع البعض الى تشبيهي بيهوذا الاسخريوطي وفي حالات نادرة جدا
أرد عليهم وفق دلائل وإثباتات علمية وما تجلى الان ان الأغلبية باتوا
يراجعون تلك الآراء التي كتبتها ويبحثون في أصولها ليجدوها الأنسب والأدق..
- ذكرت في سياق إجابة خاصة مناشدتك في إنشاء دائرة
خاصة تسعى للاهتمام بالآثار المسلوبة والحفاظ على التراث العراقي من
الإهمال والتجني من خلال نسبه لبعض القوميات دون أخرى، ما هي المعايير التي
تلتزم بها لإنشاء مثل تلك الدائرة؟
* على العلماء العراقيين المختصين بالتراث القديم ان يردوا على الترهات
وارى من المعيب ان يسكتوا عليها والكتابة بموضوعية تبرز الهوية الحقيقية
التي تعد عراقية دون ان تنحاز لطرف ضد أخر ومن الأمور التي تحز في النفس
ان حمورابي مثلا قام البعض بنسبه وفق تسميته الى قومية معينة او تم تنسيبه
للفارسية كونه سمي بهمو رابي أما اللفظة الصحيحة التي يجب ان تبرز في اغلب
النصوص هي خمورابي فخمو تعني وفق الآرامية القديمة "الدفء" ورابي تعني
"الكبير"..
- ظهرت في غضون السنوات السابقة تسميات متعددة تصف
توالي الحضارات بالصراع تارة وتارة بالحوار فإلى أين تتجه رؤيتك بشأن تلك
الآراء؟
* بصراحة لا اؤمن لا بصراع الحضارات او أديان او تصادم لقوميات فهي
اصطلاحات ماسونية وصهيونية تسعى لتفرق بين الشعوب وتخاصم بين الأديان وكيف
ترسخ هذا الأمر والأديان هي رسالات سماوية تدعو للمحبة وعبادة لله كما ان
الحضارات تتكامل وليس لها صفة خصوصية تحددها فالحضارة الآشورية على سبيل
المثال هي مجموعة حضارات ولكنها تنسب للآشوريين كونها انتعشت في بلادهم
وارى ان الحضارة العباسية قد بنيت على أكتاف نخبة من المفكرين يشكل فيها
المسيحيون نسبة لاباس بها وكانوا في تلك الحضارة اللولب والمحرك فمنهم من
كان طبيبا ومترجما وكاتبا وقد نشرت في سياق هذا الأمر كتابا حمل عنوان
النصارى في العصر الأموي ولذلك فانا أرى ان الأمر يجري بتدبير لغرض تدمير
الحضارات وترسيخ العداء بين أصحابها..
- تشغل حاليا منصب الأمين العام لجامعة الحضارة
الإسلامية في بيروت، هل لك ان تطلع القراء على هذه الجامعة واختصاصاتها؟
* الجامعة تهتم بالدراسات العليا ويأتيها طلاب علم من كل دول العالم
ليقدموا لها بحوثا علمية وفق اطاريح الماجستير والدكتوراة وتلقى على عاتق
أساتذة الجامعة التحليل والمتابعة والبحث والمناقشة لغرض ترسيخ تلك البحوث
والاطاريح ووضعها كحقائق ودلائل علمية وفي نهاية تلك الرحلة يمنح الباحث
شهادات علمية معترف بها عالميا وفي اختصاصات إنسانية وقانونية وفي احتفالات
كبيرة تتناقلها وسائل الإعلام..
- انشغل مؤخرا العالم الأدبي بغبار جدل أثارته
جملة من الآراء للشاعر والمفكر السوري ادونيس قال في بعضها ان الحضارة
العربية تنحو نحو الانقراض فما هو ردك بشأن تلك الآراء؟
* ردي على تلك الآراء بان ما دام هنالك عرب فالحضارة العربية قائمة إما
عن رأيي في ادونيس فأراه خيالياً أكثر مما هو واقعي وقد منحه الأستاذ
المشرف على أطروحته العليا وهو قس عراقي يعود أصله الى قرية اينشكي في
الشمال العراقي ويدعى بول انويا مكانة لايستحقها إما عن العرب وحضارتهم فلا
يمكن لادونيس ان يتطاول عليهم ويحاول ان يغلب الغربيين على تلك الحضارة
العريقة فالعربي وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط عليه ان يفتخر بشخوص انطلقت
من هذه البقعة وكان لها تأثيرها البارز على عموم الأرض ومنهم نوح الذي بفضل
الله استطاع ان يحافظ على البشرية وإبراهيم الخليل الذي ارشد الإنسان
لوحدانية الإله الذي يعبده وهو الله وكلكامش الذي بحث عن الخلود والمسيح
الذي أتى لخلاص البشرية..
- من ضمن الآراء التي ذكرها ادونيس انه لو قيض
لعربي ان يجتمع مع أميركي وأوربي فماذا سيقدم العربي إزاء ما قدمه الأميركي
من أنظمة علمية وتكنولوجيا متقدمة وما قدمه الأوربي من ثقافة غربية متميزة
فماذا ترد بشأن هذه الافتراضات؟
* أقول ان العرب سيبقون بحضارتهم وليس بأي شيء آخر ونحن نفتخر إننا تحت
غطاء الوطن العربي بما يضمه هذا الوطن من عقول وأفكار ستجعل هذه الحضارة
خالدة مدى الدهور..
- سؤال أخير تتيحه ظروف شعبنا المسيحي فما الذي
تقوله لهذا الشعب الذي بات يعاني من جملة ظروف استثنائية في مقدمتها نزيف
الهجرة المؤلم؟
* أقول ان نزعة التسميات التي باتت تشكل واقعا حاليا يتنازع تحت غطائه
الكتاب والنخب المثقفة ما هي إلا ظروف آنية وانصحهم بان لايتشبثوا بها لكي
تكون أداة تصادم وينشغلون بها فيقول من يقول ان هذه التسمية اصح وتلك خاطئة
وتبقى القضايا الأساسية معلقة ودون حلول ناجعة..
|