مؤسسات الدولة والمستوى المطلوب

 

 

                                        حميد الموسوي

               التجربة العراقية الجديدة، ونتيجة حداثتها التي اقرب ما تكون الى الطارئة ليس على العراق وحده بل على المنطقة العربية والمحيط الاقليمي لما اعتادته شعوبها -من قرون- على الحكم الشمولي والوراثي، وما احدثه سقوط السلطة السابقة من تداعيات وفراغ دستوري وقانوني واداري، وما خلفته تلك السلطة من مشاكل كارثية ما تزال تفتقر الى مواصفات الدولة بكل ما يعنيه هذا المفهوم وما ينطوي عليه من مقومات وما يشتمل من عناوين لم يصل اداء مؤسسات هذه الدولة الفتية -برغم مرور خمسة اعوام على نشوئها- الى الحد الادنى من الواجبات المناط بها، ومايزال التقاطع بين عمل هذه المؤسسات مع بعضها والتلكؤ في انجاز المهام قائما ومايزال الجهل بالصلاحيات والخرق للدستور والتمدد على حساب حقوق الاخرين ساريا، وهذا يتناقض تماما مع مفهوم الدولة الديمقراطية القوية والقائمة على استقلالية السلطات الثلاث والفصل التام بين مهامها وقراراتها وحقوق وواجبات وصلاحيات كل منهما.

صحيح ان التجربة العراقية جوبهت بهجمة شرسة وتحدٍ خطير شاركت فيه اطراف خارجية وداخلية وغذته دوائر ودول متعددة ومدته بالمال والسلاح والاعلام وفتحت له الحدود والمنافذ بحيث وجدت الحكومة والاطراف المشاركة في العملية السياسية نفسها محاصرة بأعتى واخطر التحديات وصارت عملية التغيير على وشك النكوص والانهيار فتوجهت الدولة بكل ثقلها الى دعم وتقوية المؤسسة العسكرية لتتمكن من التصدي لهذا الطوفان الجارف الذي صمم على ازالة العراق من خارطة العالم بعد ابادة شعبه بشكل كامل، فكانت خطة فرض القانون متصدية للارهاب وللمجاميع المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة بدءا ببغداد وامتدادا الى محافظة البصرة والموصل وديالى وما واكبها من صولات متنوعة في المحافظات الاخرى، والتي بسطت سلطة القانون بنسبة عالية وقضت بشكل شبه تام على زمر القاعدة والمجموعات المسلحة.

على ان هذا التوجه المطلوب ونعني به توجه الدولة الى الجهة العسكرية لا يمنعها من تقوية المؤسسات الاخرى خاصة بعد ما حققته من انجازات ونجاحات في الجانب العسكري، فالتراجع الواضح في حقول الخدمات والعجز عن معالجة ازمات البطالة والكهرباء والماء والصحة والتهجير وغيرها يشكل مثلبة بل يهدد استمرار وجود الحكومة في حالة تفاقمه.

كما ان تمييع القرارات والالتفاف حول القوانين وعدم الالتزام بتطبيقها من قبل بعض المؤسسات خاصة وان الكثير منها يعالج مشاكل وازمات تمس الحياة اليومية للناس واخرى تخص مستقبل اجيال العراق القادمة يؤشر حالة ضعف الدولة وتساهلها الامر الذي يؤدي الى ظهور هذا النوع من السلبيات بل الامراض الفتاكة التي تنخر في كيان الدولة حتى تهده.

لاشك ان نجاح وقوة الدولة لا يعتمد على المؤسسة العسكرية لوحدها فقوة الدولة تكمن في قوة مؤسساتها الدستورية التي تؤهلها الوقوف بوجه اي حالة عابثة مخربة بقصد او بغير قصد وتمكنها من التصدي بحزم لعمليات التسويف والمماطلة في تطبيق التشريعات من هذا الطرف او تلك الجهة.

ولا ننسى ما للفساد الاداري والمالي من دور في اضعاف الدولة واسقاط هيبتها، وانسحاب ذلك على عمل دوائرها ومؤسساتها والتزام موظفيها اذ ستتعطل اكثر النشاطات وتتلكأ عمليات انجاز المشاريع بسبب تهاون وتسيب وفساد الموظفين وهذا يعود بنا من جديد الى مناشدة القائمين على هرم السلطة بضرورة الحزم وتبني منهج الثواب والعقاب للوصول بمؤسسات الدولة الى الحالة الامثل.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links