الثقة المفقودة وصراع الارادات وبناء دولة القانون والمؤسسات

 

 

                                        خوشابا سولاقا

               ان احد واهم الركائز الاساسية لبناء دولة القانون والمؤسسات في العصر الحديث هو توافر وتكامل عامل الثقة القوية والمتبادلة بين قيادات النخب السياسية التي تشترك في النضال الوطني الدؤوب وتسعى حقا لبناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية، وغياب هذه الثقة بين القيادات التي تصنع القرار السياسي يصبح كل نشاط سياسي وعمل وطني خيّر عديم الفائدة والجدوى في وضع الاسس السليمة لبناء الدولة الحديثة المنشود اقامتها، تلك الدولة التي تكون فيها السيادة والسلطة العليا والكلمة الاولى والاخيرة وقوة الفصل في كل الامور والقرار للقانون فقط، ولا شيء فوق القانون ولا يعلو عليه كائن من يكون مهما علا شانه في المجتمع ومهما كان موقعه ودرجته في سلم المسؤولية ومهما كان حسبه ونسبه وقوميته ودينه ومذهبه، وان يكون القانون هو راعي وحامي الجميع.

ان ما يدور الان من احاديث ونقاشات وحوارات وجدالات بين قيادات النخب السياسية عبر مختلف وسائل الاعلام المتنوعة على الساحة السياسية العراقية بخصوص الكثير من مواضيع الساعة الملتهبة والساخنة حول مختلف الشؤون العراقية والتي يتطلبها الحل والحسم السريع لعلاقاتها المباشرة بحياة ومصالح الناس، نراها انها مناقشات وحوارات كما يقال بيزنطية لا اول لها ولا اخر وكل طرف فيها يتربص للطرف الاخر ليخالفه في طرحه، ومنها نستقريء ومن بين سطورها الغامضة مدى انعدام الثقة وفقدانها بين الاطراف المتحاورة من النخب السياسية، لانهم يريدون ان يختلفوا حتى وان اتفقوا وهنا هي الكارثة. ان فقدان الثقة وغياب الروح الوطنية الصادقة واستبعاد المعايير الوطنية الحقة عن الحسابات الاخيرة، وسيادة معايير المحاصصة القومية والطائفية بدلا عنها تزيد من صعوبة وتعقيد حل المشاكل المطروحة على الساحة السياسية وتجاوز الاختلافات في الراي والخلافات على اختيار الحلول الوطنية الصائبة، وهذا النهج في السياسة العراقية نهج المحاصصة يزيد من سعة هوة الثقة المتبادلة والتي هي اصلا واسعة بما فيه الكفاية للوصول الى طريق مسدود والدخول في نفق مظلم.

صحيح ان سياسات النظام السابق والانظمة التي سبقته والقائمة اساسا على نهج التعصب القومي العنصري والتمييز الطائفي والعشائري قد مارست ومن خلال اجهزتها القمعية الامنية والعسكرية الكثير من القمع والاضطهاد والتعسف بحق غيرها من القوميات والطوائف والاديان الاخرى، واعتمدت سياسة التطهير العرقي والتهجير القسري للسكان من ابناء بعض القوميات وتهجيرهم من مناطق سكناهم الاصلية واحلال محلهم اخرين من ابناء قومية اخرى بغرض تغيير الخارطة الديموغرافية للارض في تلك المناطق، كل هذا قد حصل واصبح واقع حال واصبح شيئاً وجزء من ماضٍ اسود قد ولى مع صانعه، ولكن ما ذنب الناس الفقراء الذين هجرهم النظام بالقوة والاكراه من والى تلك المناطق والطرفين فقد ارضه وما عليها من الممتلكات ومضت على ذلك عقود ..؟

الطرفان مهجّران ومظلومان والظالم واحد ما هو الحل..؟

لذلك لا يحق لضحايا تلك السياسات الشوفينية، ولا يخولهم اي قانون حق ممارسة سياسة الانتقام والقيام بالمثل، لان اي طرف لو فعل ذلك سوف لا يختلف بشيء عن تلك الانظمة الشوفينية التي مارست بحقه سياسة التطهير العرقي والتهجير القسري. كذلك ليس من حق ابناء ضحايا تلك السياسات المقيتة النظر الى سياسات الحكومة الحالية بنفس نظرتهم للحكومات السابقة، وتساورهم الهواجس والمخاوف والشكوك والريبة وعدم الثقة المنطلقة من عقدة الماضي التي تلازمهم في حياتهم الحاضرة بل عليهم التحرر والتخلص منها والانطلاق من واقع الحاضر الجديد، وخصوصا ان الحكومة الحالية منبثقة من مؤسسات دستورية يحكمها القانون ومنتخبة من الشعب بصورة ديمقراطية حرة وكل مكونات الشعب العراقي مشتركة فيها باختيارها الحر لممثليها الشرعيين الذين انتخبتهم بحرية كاملة في كافة سلطات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وليسوا ممثلين معينين لهم من قبل سلطات الدولة المركزية من العملاء لها كما كان الحال في السابق ليكون هناك مبرر وسبب لبروز الهواجس والمخاوف والشكوك تجاه اجراءات سلطة الدولة الاتحادية. كذلك هناك الان دستور اتحادي للبلاد تم كتابته بحرية كاملة من قبل ممثلي كافة مكونات الشعب وتم اقراره والمصادقة عليه من قبل "70%" من الشعب في استفتاء عام وحر، واصبح بذلك هذا الدستور هو المعيار وحكم الفصل في كل ما نختلف ونتفق عليه من الامور والشؤون المختلفة التي تخص الوطن ومصالح الشعب العراقي بكل مكوناته وتلاوينه القومية والدينية والمذهبية، وان يبقى هذا الدستور هو المرجع وله الاولوية والغلبة في حالة نشوب اي خلاف بين حكومات الاقاليم وادارات المحافظات والحكومة الاتحادية وليس العكس كما يحلو للبعض من فقهاء القانون، هذ هو معمول به في دول العالم ذات نظام الاتحاد الفيدرالي، ليس من المنطق ان يشذ العراق عن هذه القاعدة الاساسية في النظام الفيدرالي، لنكن واقعيين ونستفيد من تجارب الاخرين الذين سبقونا في هذا المجال وحققوا نجاحات باهرة كما هو الحال في الولايات المتحدة، وبناءاً عليه ان لا نجعل من الدستور "قميص عثمان" للتشبث بكل ما يخدم خصوصياتنا القومية او الدينية او الطائفية وندوس على كل ما يخالف منه ذلك على حساب المصالح الوطنية كما يحصل الان من قبل البعض مع الاسف الشديد. فالدستور اقر بصراحة حق تشكيل الفيدراليات ولكنه في نفس الوقت حرص حرصا شديدا على المحافظة على وحدة العراق ارضا وشعبا، وقد اقر ذلك على واقع الحال للخارطة الجغرافية وبالحدود الحالية للمحافظات واقليم كوردستان العراق ولم يتطرق الى اية آليات لتغيير حدودها، ولذلك ارى من الضروري ولو كان هناك الحد الادنى من الثقة بين قيادات النخب السياسية ان تتعامل مع هذا الواقع الجغرافي في تطبيق كل ما يتعلق ببناء الدولة العراقية الحديثة وانتخاب مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية في الوقت الحاضر لحين استكمال تنفيذ التعديلات الدستورية التي ينص عليها الدستور وتطبيق المادة رقم "140" منه بالشكل الذي يراعي مصلحة الوطن والتي هي مصلحة جيمع مكوناته المختلفة قوميا ودينيا ومذهبيا، والابتعاد عن سياسة المحاصصة القومية والطائفية وسياسة الاقصاء والتهميش ومحاولة الاستئثار بالسلطة. ونلاحظ من خلال ما يجري من الحوارات والنقاشات بين قيادات النخب السياسية استعمال مصطلحات ومفاهيم جديدة وغريبة بمضمونها حيث تلمح الى تكريس واقع في طور التشكل يضر بمفهوم وحدة العراق مثل مفهوم "الاراضي او المناطق المتنازع عليها" ان مثل هذه الامور تحصل دائما بين الدول المتجاورة حيث تحصل نزاعات وخلافات على اراضي حدودية كما كانت الحالة بين العراق والسعودية على منطقة الحياد وبين العراق وايران في شط العرب وبعض المناطق من الحدود الشرقية للعراق والتي اصبحت الذريعة الرسمية للحرب بين العراق وايران، وغيرها الكثير من الامثلة في جميع انحاء العالم. ولكن ما ليس معقولاً ولا يتقبله العقل والمنطق ان تكون هناك مناطق متنازع عليها بين محافظات او اقاليم او ولايات الدولة الواحدة، ان نشوب مثل هذه النزاعات والخلافات هو شكل من اشكال الدعوة الى الانفصال والتعامل بخصوصها على اساس الدولتين وليس على اساس الدولة الواحدة الموحدة ذات حكومة اتحادية منتخبة من الشعب. لان في الدولة الواحدة التي تؤمن قياداتها ونخبها السياسية بحق وحدتها ارضا وشعبا ومصيرا لا يتم تقسيم او توزيع الاراضي بين اقاليمها وولاياتها ومحافظاتها الا على اساس تسهيل عملية تقديم الخدمات الادارية المختلفة لمواطني تلك المناطق وليس على اي اساس اخر عرقياً كان او دينياً او طائفياً او اي تصنيف اخر يصب في اضعاف الوحدة الوطنية.

كما نلاحظ اليوم على الساحة السياسية العراقية من خلال احاديث وتصريحات قيادات احزابها ونخبها السياسية، ان هناك البعض منهم لهم تحفظات على قيام الحكومة الاتحادية للعراق بتسليح الجيش العراقي بالاسلحة الحديثة المتطورة كما هو الحال في جيوش الدول المجاورة التي تشكل تحديا استراتيجيا للعراق، وفي نفس الوقت هؤلاء يتهمون الحكومة الفيدرالية المركزية بالتقصير بالتصدي لبعض الاعتداءات العسكرية لبعض دول الجوار على الحدود الشمالية للعراق، وهناك البعض الاخر من الاطراف السياسية العراقية تطالب بعدم توقيع اتفاقية طويلة الامد مع الولايات المتحدة بذريعة حماية سيادة العراق الذي يخلو من الكهرباء والماء الصافي والخبز الكافي والخدمات الصحية والتعليمية والهاتفية وغيرها من الخدمات العصرية وتنتشر فيه الكوليرا والتيفوئيد وغيرها من الاوبئة التي لم تكتشف ويعلن عنها لحد الان، اعتقد ان البلد الذي يخلو من هذه الامور بجانب خلوه من الامن والامان والشوارع المعبدة والمنورة ومتنزهات الترفيه لا سيادة له حتى وان لم تكن هناك خوذة جندي واحد اجنبي على ارضه والعكس صحيح بمعايير الشعب، فالسيادة هي الخبز والماء الصافي والكهرباء والخدمات، لعلمكم هذا هو مفهوم السيادة في العالم المتحضر الان ولو كان العكس لكانت اغلب دول العالم والمتقدمة منها بدون سيادة..!! وهناك البعض الاخر من النخب السياسية تطالب بضرورة مغادرة قوات الاحتلال الاجنبية والاميركية بشكل خاص من العراق فورا دون قيد او شرط كانها هي التي اسقطت صدام وحررت نفسها من الخوف والرعب المزمن والمتأصل فيهم وليست اميركا هي التي اخلت لهم الساحة للقول ما تشاء ان تقوله. وفي ذات الوقت هناك تحديات خارجية تهدد العراق من قبل بعض دول الجوار التي لها اجندات خاصة باطماعها فيه وتمتلك من الوكلاء والادوات داخل الكيان العراقي لتحقيقها، حيث تركيا تطالب وتسعى الى الان لارجاع لواء الموصل وبحدوده العثمانية التي تشمل محافظات نينوى ودهوك واربيل وكركوك والسليمانية والجزء الاكبر من صلاح الدين. وايران هي الاخرى لا تخفى نواياها واطماعها في جنوب وشرق العراق.والارهاب الدولي والاقليمي وحركات التمرد الاصولية في الداخل. كل هذه التحديات تواجه العراق وشعب العراق وجيش العراق وقواته الامنية لا تمتلك من الاسلحة غير الخفيفة منها وبالحد الادنى. بالله عليكم جميعا اسالكم لو كنتم عراقيين بحق وتشعرون بعراقيتكم وتحبون شعب العراق من قلوبكم وتحرصون على مصالحه وثرواته وامن شعبه، كيف يمكنكم تحقيق كل ذلك وكل هذه التناقضات والصراعات والاختلافات والتناحرات الحقيقية والمفتعلة منها تحكم خطابكم السياسي ورؤاكم لبناء عراق المستقبل، عراق ديمقراطي اتحادي تعددي حر كامل السيادة وشعبه مترفه يعيش في امن وامان..؟.

اقولها لكم من حرصي الوطني بكل صدق وبصراحة متناهية وبساطة شديدة وباللغة العربية الفصحى التي يفهمها الجميع وبدون رياء ولا نفاق سياسي ومن دون خوف او تردد. ان بناء العراق كدولة القانون والمؤسسات الدستورية السليمة، وكدولة موحدة ارضا وشعبا قوية معافاة قادرة على مواجهة التحديات والتهديدات والاطماع المحدقة بها من كل صوب وحدب يتطلب ما يلي من الاجراءات.

اولا: انجاز اجراء التعديلات الدستورية الضرورية التي نص عليها الدستور بصيغته الحالية لغرض تطهيره من ادران وامراض وتداعيات المحاصصة القومية والطائفية التي تحكمه حاليا، وتفجير كل ما فيه من الالغام والاورام التي تكرس المحاصصة من ديباجته الى اخر مادة فيه، وجعله دستورا وطنيا عراقيا صرفا من دون مايشير في مواده ما يميز بين مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والطائفية لا من قريب ولا من بعيد وانما ينص على تكريس الهوية الوطنية العراقية وحدها دون سواها. ومن ثم اعادة بناء هياكل الدولة ومؤسساتها الدستورية التشريعية والقضائية والتنفيذية والعسكرية والامنية على اساسه، دون اعطاء اي اعتبار للمحاصصة بكل اشكالها.

اثانيا: ضرورة بناء الجيش العراقي وقواته الامنية بكل فصائلها بناء احترافيا وتاهيله ثقافيا وقانونيا واحترام حقوق الانسان والتقيد بمبادئ اعلان حقوق الانسان العالمي، وان يكون بناؤه على اساس الولاء للوطن وحده وتدريبه وتسليحه باحدث الاسلحة المختلفة وبالمستوى الذي عليه جيوش دول الجوار التي لها اطماع في العراق وتشكل تهديدا وتحديا استراتيجيا له، وان يكون التسليح بالمستوى الذي يمكنه من التصدي الدفاعي لاي عدوان خارجي مهما كان مصدره ومنشاه. وان يبقى الجيش بعيدا عن السياسة وتحت الادارة المدنية وقيادتها والغاء قانون الخدمة الالزامية السيء الصيت، وان يكون جيش العراق لكل العراق ومن كل مكونات الشعب العراقي والانتماء اليه حر وطوعي.

ثالثا: ضرورة توقيع اتفاقية استراتيجية طويلة الامد مع الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وغيرها من الدول التي تحترم سيادة العراق، على ان تتضمن تلك الاتفاقيات بنود تخص الجوانب الدفاعية العسكرية والامنية اضافة الى الجوانب الاخرى، لان ذلك يساعد على استكمال تحرر وسيادة العراق عبر تحقيق المكاسب التالية لصالح العراق.

1- اخراج العراق من تبعات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة التي ترتبت عليه بموجب قرارات مجلس الامن الدولي على اثر غزو نظام صدام لدولة الكويت، ومن دون ذلك يبقى العراق منقوص السيادة ان لم يكن فاقدا لها. ويبقى مكبولا وعاجزا عن التحكم بموارده لتحقيق التنمية الوطنية التي هو في اوج الحاجة اليها، والولايات المتحدة الاميركية هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على مساعدة العراق في تحقيق هذا الانجاز التحرري، فتوقيع الاتفاقية هو مدخل لتحقيق هذا الانجاز الوطني.

2- ان توقيع الاتفاقية يلزم الولايات المتحدة الاميركية بمساعدة العراق بالضغط على الدول الدائنة له بتخفيض او شطب ديونها المستحقة عليه بسبب حروب النظام العبثية وكما فعلت مع دول نادي باريس وشطب هذه الديون او تخفيضها ومن ثم اعادة جدولتها لاجال طويلة مكسب كبير للعراق في تحقيق الاستقلال الاقتصادي وتحريره من القيود المكبل بها بسبب تلك الديون التي تجاوزت المائة وثلاثين مليار دولار اميركي. اين تكون السيادة الوطنية للعراق لمن يتباكى عليها من العرب ببقاء هذه الديون..؟

3- ان توقيع الاتفاقية المشتركة وهي تتضمن بنوداً عسكرية وامنية ودفاعية، يجعل العراق امنا من تداعيات اطماع بعض دول الجوار من التحرش والتدخل في شؤونه الداخلية او بالتجاوز على حدوده الدولية، بالاضافة الى ان العراق في هذه الحالة لا يكون مضطرا الى انفاق الجزء الاكبر من موارده المالية لبناء جيش ضخم ومجهز باحدث الاسلحة لمواجهة التحديات والتهديدات الدولية والاقليمية لحماية سيادته وحدوده من الاعتداءات الاجنبية. في سبيل التذكير للقارئ الكريم ان الجارة الشمالية تركيا الى الان تطالب في دوائرها السياسية بلواء الموصل وبحدوده العثمانية والتي تشمل المحافظات الحالية نينوى ودهوك واربيل والسليمانية وكركوك والجزء الاكبر من صلاح الدين، وكذلك الحال مع الجارة ايران التي لا تخفي نواياها واطماعها في جنوب ووسط العراق. وهذه نقطة لها من الاهمية يتطلب التوقف عندها قليلا للتحليل والاستنتاج من قبل المفكرين الاستراتيجيين.

رابعا: ليس من مصلحة العراق الانسحاب الفوري للقوات الاميركية حاليا كما يطالب البعض من قصيري النظر ومراهقي السياسة والمزايدين بالشعارات الوطنية دون مراعاتهم للظروف الموضوعية والذاتية للواقع العراقي وتناقضاته الديموغرافية، لان في ذلك تقديم خدمة ومساعدة على طبق من ذهب لقوى الارهاب الدولي والاقليمي وحركات التمرد الاصولية المتشددة لقوى الظلام في الداخل للاجهاز والانقضاض على كل ما تحقق من المنجزات الوطنية للشعب العراقي وبالتالي القضاء على التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق والعودة لقوى الظلام. وعلى المستوى الخارجي الاقليمي فان الانسحاب الفوري يخدم بعض الاطراف العراقية التي اجندتها وضعت في خدمة تحقيق اجندة بعض دول الجوار التي لا ترى لها مصلحة في نجاح المشروع الاميركي في اقامة نموذج الدولة الديمقراطية في العراق خوفا من انعكاساتها السلبية على انظمتهم الديكتاتورية لذلك تسعى بكل قواها وبكافة الوسائل الاجهاز على هذه التجربة منذ البداية.

ولكنه من الضروري ان تنسحب القوات الاجنبية من العراق في النهاية، وان يتزامن ذلك مع نمو وتاهيل وتجهيز القوات العراقية تدريبا وتسليحا بالشكل الذي يجعلها قادرة على الامساك بالملف الامني والعسكري للبلاد بكامله، وان يكون ذلك بموجب بنود الاتفاقية العراقية الاميركية.

خامسا: من المصلحة الوطنية العراقية بشكل عام ومن مصلحة شعب كوردستان والكورد منهم تحديدا في اقليم كوردستان بشكل خاص، ان تكون القيادات الكوردية التي في يدها القرار الكوردي ان تكون اكثر حنكة وحكمة وان تكون بدرجة اكبر واكثر واقعية وموضوعية عند قراءتها وتحليلها للواقع السياسي والديموغرافي والاجتماعي والتاريخي للعراق وشعبه الحالي وافاقه المستقبلية لان كل شيء في تغير دائم، وعلى ضوء هذه القراءة يتطلب منهم اعادة النظر باستراتيجيتهم المبنية اصلا على عقدة الماضي الاليم وهذا من حقهم ومن ثم صياغة سياسات جديدة غير مبنية على الهواجس والمخاوف والشكوك والريبة وانعدام الثقة بالطرف الاخر منطلقين من تجاربهم الاليمة والمريرة الماضية مع نظام صدام حسين بشكل خاص ومن سبقوه بشكل عام، لان اليوم غير الامس القريب ولا بالامس البعيد، وان النظام السياسي اليوم هو نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي يتم فيه تناوب السلطة عبر انتخابات ديمقراطية شعبية حرة مباشرة، ويشارك فيه الاخوة الكورد بقوة وفعالية في كافة مؤسسات الدولة الدستورية والعسكرية والامنية، بالاضافة الى ما لديهم من السلطات الكاملة والمستقلة في الاقليم تم اختيارها من قبلهم دون اي تدخل للحكومة الاتحادية في بغداد. لذلك لا يوجد من اسباب ومبررات موضوعية ومنطقية لاستمرار تلك الهواجس والمخاوف والشكوك والريبة وعدم الثقة القائمة على خلفيات الماضي الذي قد انتهى مع سقوط نظام صدام حسين الديكتاتوري.

وعليه واقولها مخلصا ومحبة للاخوة قادة الكورد ضرورة التخلص من تلك الهواجس والمخاوف والشكوك وعدم الثقة بالطرف الاخر والتي زرعتها المرحلة الديكتاتورية الصدامية من حكم العراق في نفوسهم وعقولهم والنظر الى الحياة بنظرة جديدة والتركيز على بناء جسور الثقة القوية الاخوية والوطنية مع الطرف الاخر، وهذا مطلوب من الاطراف الاخرى ايضا، لنتمكن من بناء الدولة العراقية الديمقراطية الاتحادية التعددية التي يشكل فيها الجميع عناصر خير وفعالة. يكفينا ما قدمه الشعب العراقي بكل مكوناته المختلفة وما يقدمه حتى هذه اللحظة من تضحيات جسام وما اراقه من الدم والدموع لاجل ان تنبت على ارض العراق شجرة الحرية الوافرة الاغصان وان يشرق شمس العراق زاهيا ليبدد ظلامه الذي طال امده.. فليكن شعارنا جميعا "عراق واحد حلم واحد".

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links