من يدفع ثمن الحروب ...

 

                                                                                         

 

 

سناء طباني                     

                                                                                                    

      

    كل يوم يمر مركبا يحمل نعشا لطفل فارق الحياة ... بل لطفل لم يذق طعم الحياة  ويتسألون في الطرقات لمن هذا النعش؟؟؟؟؟

ليأتي الجواب انه لطفل من العراق ،بل هو لأطفال العراق !!!!

أطفالا  دفعوا الثمن لحرب خاضتها البلاد وحرمتهم تلك الحرب من نعمة الحياة

وكان مصيرهم الموت بالسرطان  وربما  التشوهات

 ولكن انتهت الحرب ولم نعد نسمع صوت الدبابات أو الانفجارات ألا يكفي من نعوش طافت في ارض البلاد !!!!

أبدا إنها حرب أخرى تقتل بصمت من يسكن ارض الفرات أو يأكل زرع البلاد فهي ألاف الأطنان من المخلفات والمتفجرات تركت  لتنشر الأوبئة والسرطانات.

العراق بلد الحروب:

عاش العراق  سنين طويلة تحت رحمة الحروب ونتائجها من  قتل وتدمير وتهجير طالت أبناء العراق من الشمال إلى الجنوب وانتهت  تلك الحروب على ارض الواقع  ولكن ما زال هناك الكثير ليقال ، فالحرب قد تركت أثارها وأي أثار هذه التي خلفتها حروب بلاد الرافدين إنها كميات هائلة من المخلفات والمتفجرات والقنابل الغير منفلقة وركام لدبابات تركت في أرضها بالإضافة إلى بقايا الأسلحة والمواد الكيميائية.

  واذا عدنا بذاكرتنا الى ثمانينات القرن الماضي  فقد قصف إقليم كردستان بالاسلحة الكيميائية والغازات السامة المميتة و  كانت النتيجة ألاف من الضحايا فقدوا حياتهم وآلاف آخر تعرضوا لا أنواع مختلفة من الإصابات والتشوهات لا زال تأثيرها  مستمر .

وجاءت حربي الخليج الأولى والثانية ليقصف العراق بمختلف الأسلحة المتطورة والفتاكة وان كنا جميعا سمعنا  بقصف هيروشيما وناكازاكي  بالقنبلة الذرية ولكن هل جميعنا يعلم إن ما تم إلقاءه على العراق خلال هذين الحربين  يعادل سبعة أضعاف القوة التدميرية للقنبلة الذرية التي ألقيت في اليابان !!!!!!

وان مدينة الفلوجة نتيجة للقصف بتلك الاسلحة ازدادت بها معدلات الوفيات لدى الأطفال والإصابات بسرطان الدم  بمقدار 38 ضعفا قياسا للزيادة في المدينتين اليابانيتين بعد إلقاء القنبلة الذرية والتي قدرت ب 17 ضعفا زيادة عن المعدلات الطبيعية . هذا ما أكدته دراسة قام بها 11 باحثا عراقيا وأجنبيا في مدينة الفلوجة .

وكذلك  مدينة البصرة  فقد انتشرت فيها مختلف أنواع الإصابات  السرطانية كسرطان الثدي والدم والغدد اللمفاوية لتسجل الإحصاءات شبه الرسمية نحو 70 إصابة لكل 100 ألف شخص خلال العام الواحد وهذا يعني ارتفاع  معدل الاصابة بالامراض السرطانية والتشوهات الخلقية والجينية  في عموم العراق  حيث تشير التقارير إلى وجود أكثر من 170 ألف مصاباً بالسرطان في عموم العراق يضاف إليهم سنويا ما يقدر ب (7000-8000) حالة إصابة جديدة ، ونتيجة الهوة الكبيرة بين ارتفاع معدل الإصابات و مدى توفير الاحتياجات الطبية اللازمة من كوادر وأجهزة متخصصة  يموت منهم ما بين 8 إلى 12 ألف مصاب سنويا.

وعن معاناة المصابين تحدثت السيدة عبير:

 أنت  مصابة بالسرطان ترى ما وقع هذه العبارة عليها ؟؟؟؟؟

 حدثتني تلك المرأة البالغة 45 عاما إنها من أقسى الكلمات تلك التي اخبرني بها الطبيب ، شعرت حينها  بعرق بارد تصبب من جسدي ورعشة تسري في أجزائي ، أما دموعي فلم استطع السيطرة عليها  كنت فقط اردد  تلك الكلمات التي  سمعتها ولا ارغب بتصديقها  بل أترجى  أن يكون ما سمعته حلما ،كابوسا وليس واقعا أعيشه .

 ولتلك المرأة معاناة مع المرض تختلف عن غيرها من المصابين فهي امرأة وحيدة  ترملت منذ ما يقارب الخمس وعشرين عاما ولم ترزق بأطفال وكل ما ادخرته  لسنين طويلة من عملها  وجهدها  أنفقته على إصابتها  بهذا المرض

ولم يقتصر الأمر على خسارتها المادية  فالألم الجسدي اخذ منها الكثيروجعلها دائمة التردد على المستشفيات والمختبرات و لكن تبقى المعاناة النفسية بنظرها هي أسوء ما في الأمر فبمجرد الاصابة  بهذا المرض  تشعر بنظرة الآخرين إليك بعين الشفقة والعطف على اعتبار انك إنسان ميت لا محالة.

ولكن هذه المرأة الوحيدة من يساندها في محنتها من يقف الى جانبها ؟؟؟

لتواصل الحديث إن القوة والقدرة على تحدي الإصابة  تنبع من ذات الإنسان نفسه  من داخله ولا يمكن أن نستمدها من الآخرين  إن لم تكن بداخلنا ،وليس معنى هذا  نكران دور الأسرة والأصدقاء بالوقوف إلى جانبي وفي أسوء  مراحل المرض.

 إذن للمرض مراحل عدة وعن أسوءها تحدثت وقالت

 لا يوجد شيء جميل في هذا المرض بل هو السوء بعينه  بكل ما فيه من  تعب وألم ومعاناة وتزداد معاناته عند اخذ  الجرعة الكيمائية  فهي أسوء مراحله ، بل هي أسوء حالة يمر بها الإنسان تشعر حينها  وأنت بين عدد كبير من المصابين إن الحياة لا فرح فيها بل المرض ،والحزن ،الألم فقط  هما عالمك .

 والاسرة اين هي من هذه الاحداث ؟؟؟

 لا بد أن يختفي ذلك الهدوء من المنزل بمجرد تأكيد الإصابة  لتبقى الأسرة تعيش لحظاتها بين أروقة المستشفيات بحثا عن أمل ربما هو مفقود باستعادة إنسان  هو جزء منهم  يتألم وفي اشد لحظات ضعفه وليس بإمكانهم التخفيف عنه .قد تكون هذه  الأمور جزء من معاناة كثيرة  لتلك الأسرة ..... 

تراود مسامعنا بين الحين والأخر حديث عن فتيات يقدمن على الانتحار؟؟ حدثتها عنهن لتجيب لم أتمنى يوما أن يكون لإنسان  تجربة تشبه تجربتي في الإصابة ولكن أقول للتي تقدم على الانتحار لو انك  عانيت الإصابة والألم  ومررت بمراحل العلاج التي تفقدك رغبتك بكل شيء إلا فقدان الحياة  وشعرت بالموت قريب منك كل يوم لحافظت على هذه النعمة التي بين يديك.......

وأخيرا اعلنها الأطباء للجميع إن المصابة تماثلت للشفاء  لتستقبل تلك  الأسرة الخبر بمزيج من المشاعر والأحاسيس قد لا تمر بحياة أسرة أخرى لديها مصاب فقد إن الأوان لتعود لحياتها الطبيعية حياة بلا إصابة بلا فقدان عزيزا عليها بلا معاناة وانتظار للفحوصات وتقارير الأطباء إن هذا ليس حلما كانت تعتقد انه لن يحدث أبدا ولكنه حدث وتماثلت للشفاء ....

  قد تكون هذه جزء من معاناة عاشها الفرد العراقي ولكن الامر لم يقتصر على الإصابات السرطانية والتشوهات الخلقية بل نلاحظ زيادة غير طبيعية في نسبة حالات العقم  لكلا الجنسين ،زيادة حالات الإجهاض ،الولادات المبكرة ،الولادات العسيرة ،الموت الجيني مما يعني زيادة المخاطر التي يتعرض لها  الفرد العراقي واحتمالية فقدانه الحياة منذ نشوءه في رحم الآم.............ليستمر معه مسلسل الموت ولكن بصمت و بحلة جديدة بعيدا عن المفخخات والانفجارات  والاغتيالات، وإذا كان نصيب الفرد العراقي كل هذه الأمراض والإصابات  والتشوهات فالحيوان والنبات وحتى المياه والهواء لم تسلم من  تأثير تلك الحروب .

الخاتمة:

قد تكون الإصابة شيء سيء جدا لكن لا بد أن يكون للإنسان طاقة ،تصميم ، إرادة  للتغلب عليها ومنبع كل ذلك هو ألأسرة   فهي من بإمكانها أن تخفف ولو جزء من متاعب المريض على أمل الشفاء من المرض .

ولكن ليس صحيحا  أن نضع كل المسؤولية على الأسرة فحسب  فالدولة  أيضا  كفيلة  بالمصاب وهي من يجب عليها تحمل  مسؤولية  توفير الأدوية، الأجهزة ،المستشفيات  الحديثة لاستيعاب الزيادة في عدد الإصابة وتجنب الأسرة العراقية  عناء وتكاليف السفر خارج العراق للمعالجة ربما يكون هذا جزء  بسيطا من تعويضات تقدمها الدولة للمصاب .وتبقى الخطوة الأهم هو وضع برنامج لتنظيف العراق من  مخلفات الأسلحة والاعتدة والمواد السامة  المتروكة لجعل بيئته أنظف وأجمل وخالية من مخلفات الحروب .